8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التنازل الإيراني "التكتيكي" في الملف النووي

موافقة الجمهورية الاسلامية في ايران على البروتوكول الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، يمثل تنازلاً كبيراً من جانب ايران من اجل "فك الاشتباك" النووي مع الولايات المتحدة الاميركية، ذلك ان طهران التي فاوضت طويلا، وناورت اكثر، لم يكن امامها سوى الرضوخ للمطلب الاميركي ـ الدولي بالموافقة على هذا التوقيع، الذي يعني اولا وأخيرا عدم استخدام الطاقة النووية في المجالات العسكرية لانتاج السلاح النووي.
ولأن طهران نفت مراراً وتكراراً الاتهام بالعمل للانضمام الى نادي الدول المنتجة للسلاح النووي، فانها ركزت على ان موافقتها لا تشكل تنازلاً ولا رضوخاً لواشنطن سوى في الشكل لان المهم نجاحها في المحافظة على حقها المشروع في الاستخدام المدني للطاقة النووية، الاقل كلفة والأطول عمراً.
وبعيداً عن هذا الجدل غير المنتج، فان طهران عرفت في التوقيت المناسب كيف توظف هذا "التنازل التكتيكي" لخدمة هدفها الاستراتيجي المعلن وهو الاستخدام المدني للطاقة النووية. فقد التقطت بسرعة، ان الكبرياء الايديولوجي سيؤدي الى مواجهة محتومة مع واشنطن تحت مظلة الشرعية الدولية، مما يعني الخسارة المؤكدة. الى جانب ذلك، فان اطلاق يد الاسرائيليين تحت هذه "المظلة" سيؤدي حكماً الى تدمير مصانعها ومؤسساتها للابحاث والانتاج النووي، او على الأقل اصابتها باضرار فادحة. وعندها ما الفائدة لو قصفت القوات الايرانية اسرائيل بعشرات الصواريخ "المدانة" سلفاً، واطلقت يد "حزب الله" الطويلة؟ وما دامت لم تستطع فتح جبهة بعيدة، ومكلفة دولياً مع اسرائيل، فإنها تكون قد خسرت المراكز النووية وكبريائها حتى اشعار آخر!.
امام هذا المأزق، وجدت طهران في "اليد" الأوروبية سفينة نجاة لها. ولا شك ان رحلة "الترويكا الاوروبية" الاستثنائية الى طهران قد اصابت عصافير عدة بحجر واحد، وذلك على النحو الآتي:
نجح الأوروبيون، ولأول مرة منذ تأسيس الاتحاد في لعب دور الوسيط والضامن في ملف معقد مثل الملف النووي الايراني ومتشابك مع العلاقات بالولايات المتحدة الاميركية.
والواقع ان الترويكا الفرنسية الالمانية البريطانية، ما كانت لتنجح في مهمتها وفي دفع طهران للقبول بالتوقيع على البروتوكول الخاص، لو لم تستند الى "صلابة" الموقف الفرنسي ـ الالماني من الحرب في العراق وسحبهم لمظلة الشرعية الدولية عنها رغم الموقف الاميركي وكل تهديداته.
ان الولايات المتحدة الاميركية ما كانت لتقبل بالدور الأوروبي وبضماناته، لو لم تكن حرب العراق وموقف باريس وبون منها. فواشنطن، وبعد التجربة العراقية، لا تبدو مستعدة اطلاقاً للدخول في مغامرة جديدة تؤدي الى عمل آحادي وخارج مظلة الشرعية الدولية تحت ضغط أوروبي متكامل وموحد، مع انضمام لندن الى محور باريس وبون.
يبقى ان هذا التوقيع الايراني، لا يقفل الملف ولا يلغي المواجهة مع واشنطن، ذلك ان العلاقات الاميركية ـ الايرانية اعقد من ان تحل بهذه الموافقة الايرانية الموقتة، لكون طهران ربطت موافقتها عملياً باستمرار الضمانات الاوروبية العملية. ولذلك يكن القول ان ما حصل يشكل اعادة توقيت للقنبلة الموقوتة مع الإمساك الدائم بصمام الأمان. فالموقت يمكن ان يصبح دائماً طالما ان واشنطن لا تقحم مجلس الامن في الملف النووي الايراني، تحضيراً لاجراءات ميدانية اصبحت معروفة. وواشنطن تحترم الضمانات الاوروبية طالما ان طهران لا تقفز بين ليلة وضحاها من ضفة الاستخدام المدني الى الضفة العسكرية، خصوصاً ان الامكانات الايرانية لذلك برأي الخبراء متوافرة وان الفاصل بين الضفتين لا يتجاوز الفارق بين الضوء الأحمر والضوء البرتقالي في مقاطع الطرق والساحات.
وفي وسط هذا التشابك الاميركي ـ الايراني المركّز على الملف النووي، يبقى الملف العراقي هو الاساس حالياً. وكلما كان وقع الحركة الايرانية منسجماً مع الهموم الأميركية، كما حصل مع الاعتراف بمجلس الحكم الموقت، فان واشنطن ستتابع بهدوء المحافظة على فك ايران للاشتباك النووي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00