لا يمكن فصل زيارة الدولة للرئيس جاك شيراك الى تونس، عن انعقاد "قمة 5+5" وعن الجولة العاجلة لوزير الخارجية الأميركي كولن باول الى كل من تونس والمغرب والجزائر من جهة أخرى.
الرئيس الفرنسي أراد من هذه الزيارة الرسمية الى تونس قبل انعقاد "قمة 5+5" أن تكون "رسالة صداقة ودعم وتشجيع للتغيير والإصلاح". ويبدو من خلال وقائع هذه الزيارة أن شيراك عمل جهده لكي يتحقق هدفه هذا، وفي الوقت نفسه لتمرير "رسائل" عدة الى الرئيس زين العابدين بن علي حول ملفات مهمة تتعلق بحقوق الإنسان والخلافات العقارية للجالية الفرنسية ومكافحة الإرهاب. وظهر الجهد الديبلوماسي الذي بذله شيراك واضحاً في اختيار كلماته العلنية رداً على ما قاله الرئيس التونسي "حول عدم وجود نموذج جاهز في مجال الديموقراطية للأخذ به". فقد وضع شيراك "تأمين الطعام والضمانات الصحية والحصول على التعليم والمسكن في قمة لائحة حقوق الإنسان"، وفي هذا المجال حققت تونس تقدماً كبيراً، لكن شيراك لم ينسَ أن يهمس كما قال في أذن نظيره بن علي حول قضية المحامية راضية نصراوي المضربة عن الطعام علماً أن حالتها ليست فريدة، ففي فرنسا يضرب الكثيرون عن الطعام لإعلان احتجاجهم حول هذه القضية أو تلك.
ولا شك أن الرئيس الفرنسي ذهب بعيداً في مراعاة الرئيس بن علي، عندما تحدث عن "المعجزة التونسية"، وهذا التوجه الخاص من شيراك يبدو وكأنه "اقتراع ضمني" منه ومن فرنسا على مسألة تعديل الدستور التونسي على طريق إعادة انتخاب بن علي للمرة الرابعة. ويأتي هذا التطور الذي يُدخل العلاقات التونسية ـ الفرنسية في "شهر عسل جديد" بعد أن تراجعت في العهد الاشتراكي للرئيس الراحل فرنسوا ميتران الى أدنى مستوى. وكان قد سبق هذا التوجه الحاسم تبادل زيارات رسمية من الجانبين وأبرزها جولات جان بيار رافاران رئيس الوزراء الفرنسي ووزير الدفاع، فضلاً عن ثلاث زيارات متتالية لوزير الداخلية نيكولا ساركوزي وتعيين أحد أبرز الديبلوماسيين الفرنسيين إيف أوبان دولامو سيزيير سفيراً في تونس علماً أنه كان يشغل منصب مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية.
وإذا كان تطوير العلاقات الفرنسية ـ التونسية يبدو هدفاً أساسياً للديبلوماسية الفرنسية، فإنه لا يمكن عزل هذا التوجه عن الطموح الفرنسي باتجاه تعزيز علاقات باريس بدول المغرب كافة، مع إدراكها التام لمختلف "الألغام" المزروعة في حقول هذا العلاقات وأبرزها "لغم" المشكلة الصحراوية بين الجزائر والمغرب، وهو "لغم" قديم وحساس وقاتل، الى "اللغم" الجديد مع ليبيا والناتج عن ملف التعويضات لضحايا طائرة "أوتا" التي سقطت في عملية إرهابية فوق النيجر.
ويندرج الاهتمام الفرنسي بالعلاقات بدول المغرب العربي الخمس في إطار التوجه السياسي الفرنسي الخاص من جهة، وضمن توجه أوروبي يقضي بضرورة دعم العلاقات بالضفة الجنوبية للمتوسط بحيث تشكل هذه العلاقات عمقاً استراتيجياً للدول الأوروبية الواقعة على الضفة الشمالية للحوض المتوسط، في وقت يتمدد الاتحاد الأوروبي ويتحول من اتحاد لخمس عشرة دولة الى اتحاد لخمس وعشرين دولة أوروبية يحمل العديد منها توجهات لشد العلاقات نحو الشمال وباتجاه الولايات المتحدة الأميركية.
أما عن تزامن انعقاد "قمة 5+5" وزيارة شيراك الى تونس مع جولة كولن باول، فإنه لا يكفي ما قاله الرئيس الفرنسي "حول عدم وجود منافسة مع الولايات المتحدة الأميركية، وان ما يجري هو نوع من التكامل"، وأيضاً ما قاله كولن باول عن حالة "من المصادفة" لتفسير التقاطع، إذ ليس خافياً أن كولن باول ومعه الإدارة الأميركية كلها تقود "هجوماً ديبلوماسياً وسياسياً قوياً" باتجاه افريقيا عامة، والمواقع التي يقع فيها النفوذ الفرنسي خصوصاً، بهدف تقليص النفوذ الفرنسي التقليدي والتاريخي، والدفع تجاه تمدد النفوذ الأميركي بقوة وفاعلية. وفي هذا المجال لا يمكن لواشنطن أن تنسى كم كان التأثير الفرنسي على أنغولا والكاميرون مؤثراً وفاعلاً خلال محاولة واشنطن استصدار قرار في مجلس الامن حول شرعية الحرب في العراق. وأمام هذا "الهجوم الأميركي" في افريقيا خصوصاً على مستوى دول المغرب العربي الكبير، لا يمكن لفرنسا سوى الذهاب بعيداً في دعم جسور علاقاتها بهذه الدول حتى ولو كلفها ذلك أحياناً تقديم تنازلات محدودة ومحسوبة في بعض المجالات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.