انقلاب المصالح في ظل العولمة، وتصاعد الإرهاب الدولي والحرب ضده، والزحف الأميركي باتجاه القارة الافريقية، حوّل على ما يبدو الدعوة لقيام اتحاد مغاربي، من دعوة غير مسموعة لشعوب المغرب العربي الكبير، الى دعوة لها وقعها وأهميتها وخصوصيتها من الاتحاد الأوروبي، وعميده الحالي الرئيس جاك شيراك.
وبعيداً عن كلام جاك شيراك حول "النجاح الباهر" لقمة "حوار 5+5" التي عقدت في تونس، والذي لا يتناول سوى الشكليات التي سجّلتها القمة، فإن دعوة الرئيس الفرنسي في ختام القمة الى "إطلاق بناء اتحاد المغرب العربي، ومواصلة التقارب بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد المغاربي"، هي النتيجة الأساسية لهذه القمة، الى جانب المكسب السياسي الكبير الذي حققه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وهو على أبواب تعديل الدستور وانتخابه للمرة الرابعة رئيساً للجمهورية.
ودعوة شيراك الى "القيام بخطوات جريئة من أجل المساهمة في بناء مغرب موحد"، ليست جزءاً من خطاب يهدف الى استقطاب شعبية مغاربية، بعدما أصبح للجالية المغاربية وزناً مهماً في مسار الانتخابات الفرنسية وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية، وإنما هو خطاب ناتج من حاجة أوروبية ملحة، وهذه الحاجة الأوروبية هي أكثر الحاحا لفرنسا وباقي الدول الأربع من دون تناسي ألمانيا، لما لتوسيع الاتحاد الأوروبي (من 15 الى 25) من انعكاسات على طبيعة توازن القوى داخل الاتحاد نفسه، ولذلك فإن "جنوب" هذا الاتحاد لم يعد يرى في الضفة الجنوبية من حوض البحر المتوسط، مجرد متكئ تجاري واقتصادي له وإنما يرى فيه "قوة له" تدعمه وتحصنه، فضلاً عن إدراك قوي بأن زمن سياسة "فرّق تسد"، لم تعد مجدية. فهذا العالم في زمن العولمة، بحاجة كما يحدث مع اندماج الشركات الضخمة، الى شراكة فعلية بين قوى وان لم تكن متساوية وإنما على الأقل ليست شراكة بين أرقام وأصفار.
وللأسف فإن هذه الدعوة الملحة والجريئة من الرئيس جاك شيراك لبناء المغرب الموحد، ليس لها حالياً صدى إيجابي، كون العوامل والأسباب التي أدخلت الاتحاد المغاربي في غرفة العناية الفائقة، ما زالت قائمة. فالخلاف الصحراوي ما زال يشكل خندقاً عميقاً في ذاكرة المغاربة والجزائريين على السواء، ولا يمكن حالياً ولو التفكير في بناء جسر فوقه فكيف بردمه! ولعل انتهاء القمة في تونس من دون أن يلتقي العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة يؤكد ذلك.
ولا شك أن الأسباب الداخلية هي التي تحول دون ذلك، إذ لا يمكن الرئيس الجزائري مهما بلغت اقتناعاته بضرورة الخروج من أسر الماضي للانطلاق نحو المستقبل، أن يقدم على أي خطوة عادية فكيف ان تكون جريئة وفي فترة الانتخابات الرئاسية، حيث للمؤسسات العسكرية الجزائرية وزنها الحاسم في هذه الانتخابات والتجديد لبوتفليقة؟! كما أن موريتانيا كانت وما زالت الخاصرة الضعيفة والمستضعفة في القرارات المغاربية العامة.
وبدورها فإن تونس التي عرفت طوال السنوات العشر الماضية وفي ظل رئاسة زين العابدين بن علي، تجنيب تونس "فيروس" الإرهاب، على الرغم من وقوع عملية كنيس جربة والتضحية في كثير من الأحيان بالشروط الأساسية لحقوق الإنسان، لا يمكنها القيام بأكثر مما قامت به خصوصاً انها تقع جغرافياً واقتصادياً بين "السندان" الجزائري المغربي، و"المطرقة" الليبية. كذلك فإن ليبيا التي غيّرت "القبلة" في سياستها العامة من العرب والعروبة باتجاه افريقيا والأفارقة، تبدو غير مستقرة على موقف نهائي داخل الاتحاد وتبادل لعبة موازين القوى، هذا من دون الكلام عن استمرارها في لعبة القط والفأر مع فرنسا في قضية تعويضات طائرة "اليوتا"، وكل هذا يزيد من تعقيد العلاقات الفرنسية ـ الليبية، علماً أن هذا التعقيد يضر ولا ينفع.
يبقى أخيراً أن الاتفاقات على قضايا الأمن والهجرة غير الشرعية ومحاربتها والتجارة والعمل على رأب الصدع بين العالمين الإسلامي والمغربي، وتبلور فكرة عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب في إطار الأمم المتحدة، كما دعا الرئيس التونسي الى ذلك، كلها بديهيات طبيعية. فلا أحد يمكنه التفكير خلاف ذلك، لأن الحرب ضد الإرهاب بالنسبة للغرب أصبحت واجباً ومن طبيعة الشراكة الانخراط في هذه الحرب خصوصاً إذا كانت ستطاولها ان لم تكن قد طاولتها حتى الآن.
مطالبة الرئيس جاك شيراك بإحياء الاتحاد المغاربي من تونس في قمة 5+5، خطوة تاريخية بكل معنى الكلمة، ولكنها أيضاً مؤلمة جداً، لأنها تأتي من الضفة الأخرى لحوض البحر المتوسط بدلاً من أن تكون نابعة من قلب هذه المنطقة التي يعلم حكامها وشعوبها على غرار كل شعوب العالم العربي وحكامه، ان الوحدة لم تعد مطلباً قومياً وإنما ضرورة اقتصادية وسياسية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.