اللقاء المغلق بين السيد عبدالعزيز الحكيم وأعضاء الوفد العراقي المرافق له، ورؤساء ومدراء نحو 80 شركة فرنسية في مقر "اتحاد رجال الأعمال الفرنسيين"، كان المناسبة الأكثر حساسية ودلالة على الطموحات المشتركة للطرفين، ونظراً إلى حساسية هذا اللقاء في ظل المنحى الأميركي إلى استبعاد فرنسا وباقي الدول التي عارضت الحرب، من المناقصات الخاصة بإعادة إعمار العراق العائدة لواشنطن وقيمتها نحو 18 مليار دولار، فإنه جرى بعيداً عن أعين الصحافيين، خلافاً للقاءات مع الرئيس جاك شيراك ووزير الخارجية دومينيك دوفيلبان، وكان "الرسالة" الأقوى.
بعد اللقاء الطويل الذي استمر ساعتين خرج الجميع "مرتاحين" على ما قالت أوساط رجال الأعمال، ذلك ان الفرنسيين اطمأنوا إلى ان لهم مكانة في المشاريع المقبلة، خصوصاً ان عبدالعزيز الحكيم قال لهم: "اليوم أتوجه إلى اخوتنا في فرنسا، الذين لديهم تجربة طويلة في العلاقات التاريخية مع الشعب العراقي، للمساهمة في إعادة بناء العراق، والمجيء للعمل في العراق". ولعل الأكثر قلقاً بين رجال الأعمال الفرنسيين ازاء مستقبل عملية إعادة الإعمار كان رئيس شركة توتال النفطية، إذ أراد ان يطمئن إلى مستقبل "العقود التي اتفق عليها مع النظام السابق"، لكن الأوساط الفرنسية اعتبرت ان الخبرة الطويلة للشراكة في العراق تؤهلها لمتابعة عملها في المستقبل.
مصدر فرنسي علّق على الحدث المتزامن مع الاستقبال "الحار" لجيمس بايكر المكلف من الرئيس جورج بوش بملف الديون العراقية التي تبلغ 120 مليار دولار، فقال: "من الطبيعي اولاً أن تكون فرنسا راغبة بالعمل في إعادة إعمار العراق، وكذلك في المشاركة في إعادة السيادة إلى العراقيين، وهذا الموقف الفرنسي ليس جديداً وهو معلن منذ البداية". أما استقبال بايكر فإنه يتم على أساس هذه الرغبة، وكذلك على أساس العلاقة الخاصة القديمة التي كانت تربطه بفرنسا طوال عمله مع الرئيس جورج بوش الأب.
إلى جانب ذلك، فإن باريس كما يقول المصدر، لا يمكنها سوى الترحيب باليد الممدودة للرئيس جورج بوش عقب إلقاء القبض على صدام حسين، ففرنسا أصرت منذ البداية على انها صديقة قديمة وتاريخية للولايات المتحدة وانها لا تزاحمها ولا تنافسها وإنما تريد أن تكون القرارات الدولية في اطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
ويشير المصدر الفرنسي إلى ان الموقف الذي أعلن في الاليزيه بعد لقاء شيراك وبايكر حول الاتفاق على التعاون لاعادة إعمار العراق، هو الردّ على سياسة اليد الممدودة لبوش بالطريقة نفسها، وأنه بعيداً عن التصريحات الديبلوماسية المدروسة، فإن الموقف الفرنسي يبقى كما هو في الجوهر وإن اختلف في الشكل، ذلك ان باريس التي أكدت مجدداً ضرورة حل مشكلة الديون العراقية المستحقة لفرنسا والتي تبلغ نحو 4 مليارات دولار دون كلفة خدمة الدين، في اطار نادي باريس، أعادت تجديد شروطها في مواجهة طلب أميركي سابق في قمة ايفيان للثماني الكبار الربيع الماضي. فقد طلبت واشنطن في حينه إلغاء الدول الثمانية ديونها المستحقة على العراق، في حين ان باريس التي أحالت مجدداً هذا الطلب إلى نادي باريس وشروطه الصعبة واعضائه الذين لهم مصالح مشتركة معها وخصوصاً بون وموسكو، أعادت الكرة مجدداً إلى الملعب الأميركي.
وقد اختصر دومينيك دوفيلبان هذه الشروط بعد مغادرة بايكر بقوله: "يجب ان تعمل الدول الدائنة للعراق على إلغاء ديونها في اطار اتفاق يتم التوصل إليه في العام 2004، وذلك بعد ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنصيب حكومة ذات سيادة".
والمعروف ان نادي باريس لا يقبل بإلغاء ديون أي دولة غير فقيرة، والعراق ليس من الدول الفقيرة، حسب المقاييس الدولية. والشرط الثاني ان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يعني حسب شروط الصندوق الموافقة على الاستراتيجية الاقتصادية للدولة المعنية حتى يمكن القبول بأي إلغاء أو جدولة لديونها، وأخيراً فإن نادي باريس لا يتفاوض سوى مع دولة ذات سيادة كاملة وحكومة تمثلها.
واختصاراً، يقول مصدر فرنسي "يجب انتظار القرار الأميركي بنقل السيادة للعراقيين وتشكيل حكومة معترف بها، ولذلك كله فإن القرار الأميركي هو الذي سيكون "مفتاح" القرار الفرنسي ومعه أعضاء نادي باريس، ومن الطبيعي أن التوصل إلى ذلك سيخضع لمفاوضات طويلة وصعبة ودقيقة".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.