25 أيلول 2019 | 00:00

كتب أسعد حيدر

"ثورة الصندوق" 

    تونس هي مهد "الربيع العربي" وبو عزيزي كتب اسمه بالنار  في عملية الولادة الصعبة . تونس اكملت مسار "الربيع " في عملية ديموقراطية طويلة ومستمرة ودون يأس حتى الان . من علائم النجاح انتخاب رئيس للجمهورية جديد غير معروف نسبيا وسقوط مرشحي الأحزاب او خروجهم من سباق الدورة الثانية للانتخابات . تم اختصار النتائج بانه كان "التصويت العقاب "ضد كل الأحزاب والحكومات التي وجدت او قامت منذ سقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي  .الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ سنة و٢٥ سنة صنعوا المفاجاة عندما نشطوا في حملة المرشح قيس سعيد  الفائز الى الدورة الثانية مع منافسه نبيل القروي . 

   يكاد يكون المرشح قيس سعيد مماثل للرئيس  إيمانويل ماكرون ، مع اختلاف الشخاص والمكان والزمان والظروف ، الاثنان جاءا من المجهول ومن خارج الأحزاب مع فارق مهم هو عمق الديموقراطية الفرنسية وتاريخيتها. نجاح الاستاذ الجامعي المجهول قيس يعيد يعود أساسا الى انه "شخص نظيف وشريف " أتى من عائلة علمية  ومن بين اشقائه مفتي الديارالسابق وهو تقدم الى الانتخابات الرئاسية معتمدا على الشباب من طلابه في الجامعة الذين التفوا حوله مأخوذين بحواراته ونشاطه في المجتمع المدني ودراساته التي صنعت منه شخصية عمومية … مع هؤلاء الطلاب ومحاوريه في الاسواق الشعبية التي تجول فيها  بعدما رفض ان يقوم بحملة انتخابية مكلفة ماليا مثل الاخرين، صاغ مشروعاشاملالاصلاح الحياة السياسية …  رغم ذلك يبقى المرشح قيس سعيد شخصية غامضةومجهولة… يجب الان انتظار ما سيفعله متى فاز في الدورة الثانية اذا لم يقع المستحيل ويخسر ،لتكتمل بهذا "ثورة الصندوق "  اي ثورة الانتخابات ومفاجآت صناديق الاقتراع التي أسقطت "بارونات "في الحياةالسياسية مثل يوسف الشاهد رئيس الحكومة ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورئيس الحكومة الاسبقالمهدي جمعة وَعَبَد الفتاح مورو القيادي في حركة النهضة … 

      

      نجاح "الربيع العربي "في تونس وعدم توقف مساره ، يعود أساسا الى غياب "العسكر "عن الحياة السياسية والاقتصادية . الفضل الكبير في ذلك يعود بلا شك الى الرئيس الراحل بورقيبة الذي مهما جرى الاختلاف معه وأو حوله فان له أيادي بيضاء على التجربة الديموقراطية في تونس المحاطة تاريخيا بانظمة هيمن عليها "العسكر " وما زالوا ولو بأشكال مختلفة . الدورة الثانية مهمة لمتابعة مسار الشباب في مسيرة الديموقراطية ،ولا شك ان الانتخابات التشريعية المرافقة للدورة الثانية للرئاسة تشكل محطة مفصلية مهمة وحساسة خصوصا بما يتعلق بتشكل الخريطة السياسية الجديدة وما يتعلق بمستقبل التنظيمات والأحزاب السياسية في تونس وتحديدا "حركة النهضة " … 

       حالة الجزائر تكفي لقراءة ماذا فعل "العسكر" ويفعلون لوقف استكمال الانتفاضة الشعبية والمجيء بحكومة مدنية بعد خروج الجنرالات والكلونيلات من السلطة وهم الذين نهبوا الاقتصاد وحالوا دون تنمية البلاد بما تملكه من عائدات نفطية ضخمة . رغم ثلاثين أسبوعا من التظاهرات الشعبية التي تفوقت على الحصار والاعتقال بفضل الشباب الذين يعانون من التهميش والإفقار فان مجموعة العسكر الحاكمين المتعلقة بمواقعها ومكاسبها ما زالت تقاوم ، ولولا الخوف من "عشرية دموية" اخطر لسالت الدماء انهارا في شوارع الجزائر . 

     ايضا لا يمكن الحديث عن "العسكر" دون ذكر السودان وتجربته الجديدة . ثورة السودانيين كان يمكن ان تكون اعظم وأعمق لولا العسكر ،الذين بسببهم حصل نصف تغيير لأنهم رفضوا الخروج من السلطة بشكل كامل . يجب انتظار التطورات في السودان التي تجري بمتابعة دقيقة من الخارج لما للسودان من اهمية على التطورات على محيطه الجغرافي علما ان لاثيوبيا موقعها الواضح في التطورات السودانية .

    ما يجري في تونس وغيرها يؤكد مرة اخرى ان "الربيع العربي" ما زال قادرًا على مفاجاة الجميع خصوصا وانه رغم كل السلبيات الماضية اطاح بمحاولة الإسلاميين وتحديدا الاخوان المسلمين وهو قادر في مساره الحي على الإطاحة بـ"العسكر" وإفرازاته …  

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

25 أيلول 2019 00:00