قدّم مجلس الوزراء الفرنسي المنعقد يوم الأربعاء 14 كانون الثاني هديتين، الأولى للفرنسيين عندما ترجم شعار الرئيس جاك شيراك "الغنى في التعددية" بتسمية عيسى درموش الجزائري الذي قصد باريس للعلم وهو في الثامنة عشرة من عمره، محافظاً لمقاطعة "الجورا" والثانية شخصية، إذ تلقى عيسى أجمل هدية عيد ميلاد له في 14 كانون الثاني، فما كان منه إلا ان أعرب عن "شعوره بالشرف والسعادة" إذ ليس سهلاً أن يكون عيسى درموش أول مهاجر مسلم يُعين في هذا المنصب الحساس في نظام يتجه بشكل كامل نحو اللامركزية، فيكون بذلك "السيد الإداري المطلّق لمقاطعة فرنسية في أعماق فرنسا".
لكن فرحة عيسى درموش لم تكتمل، يبدو ان بعضهم في فرنسا لا يحب فرنسا المتعددة الألوان التي أكدت حضورها، وقوتها وغناها، عندما ردّت على زلزال ربيع 2001 عندما هزم جان ماري لوبن زعيم اليمين المتطرّف ليونيل جوسبان الأمين العام للحزب الاشتراكي في حينه، فأيقظ المخاطر وأثار أعاصير الخوف على "الجمهورية" وقيمها ومبادئها. وهذه الكراهية لفرنسا المتعددة انفجرت في إعتداء رهيب كما اجمعت القوى والأحزاب الفرنسية، فقد دست عبوة ناسفة في سيارة عيسى درموش ليل السبت ـ الأحد فدمرتها، دون ان يلحق الأذى بالمحافظ المسلم أو عائلته في مدينة نانت.
القنبلة ـ الرسالة، ضد عيسى درموش الذي "خدم الدولة بروح الجمهورية"، كما قال بنفسه، أحدثت "هزة ارتدادية" أعنف بكثير من العمل نفسه، وذلك بسبب توقيت الانفجار. فالاعتداء جاء بعد ساعات من التظاهرات ضد قانون منع الحجاب والذي عايشته باريس ومختلف مدن فرنسا، بهدوء رغم ان آلاف من المسلمين خرجوا محتجين على القانون. وقد جاء الانفجار، وكأنه "رسالة" تهديد بتفجير السلم الأهلي والاجتماعي، وليس فقط محاولة لمنع الاندماج مع المحافظة على الخصوصية لكل طائفة، ولذلك سارع الاليزيه لاصدار بيان باسم الرئيس جاك شيراك يؤكد وجوب "استعمال أقصى درجات الشدة ضد الذين يعتدون على مبادئ الجمهورية ومعاقبتهم على هذا الاعتداء الخطير جداً".
حتى الآن، لم توجه التهمة ضد أحد، فالمحافظ درموش ليس له اعداء ولم يتلق أي تهديدات، لكن من الطبيعي في ظل الظروف الحالية، التي تعيشها فرنسا، سواء لتشدد العلمانيين، أو رفض المسلمين الملتزمين، ووقوف اليمينيين المتطرفين في خندق المواجة، ان تكون كل "رسالة" تحمل تواقيع عدة، منها توقيع القوى اليمينية المتطرفة الرافضة أصلاً لكل اندماج، والتي تطالب بعودة المهاجرين إلى بلادهم، وتوجد ضمن هذه القوى وغيرها من يُحذّر ليلاً نهاراً من خطر "أسلمة" فرنسا ديموغرافياً، كذلك هناك القوى الصهيونية التي تريد الردّ على ارتفاع موجة معاداة السامية، بالعمل على تهميش الجالية الإسلامية بحيث يمكن ضربها وإلغاء تأثيرها على الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد.
عيسى درموش المهاجر الذي قال له والده الريفي "ان الرأسمال الحقيقي للإنسان ليس أساساً الأرض ولا المال وإنما العلم"، عندما جاء إلى باريس، نفّذ وصية والده، حتى أصبح مديراً للمعهد العالي للتجارة في نانت، وعضواً في هيئة "القرن" النافذة، وقد صعد سلم النجاح باستحقاق وجدارة ليشكل نموذجاً لكل عربي أو مسلم مهاجر بأن أبواب فرنسا مفتوحة أمامه، مثلما ان تعيينه كان قراراً من جاك شيراك بأن "الجمهورية" متعددة الألوان والأطياف!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.