8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تسويق دولي غير مسبوق للرئيس الصيني عبر باريس

زيارة الدولة للرئيس الصيني هو جنتاو، بدأت بمد السجادة الحمراء في مطار أورلي، وانتهت بزيارة طويلة لمصنع طائرات الايرباص في تولوز وتوقيع "إعلان فرنسي ـ صيني مشترك" يجدّد "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين باريس وبكين.
وبين هذه البداية المجلجلة والمليئة بالتكريم الشخصي الذي تقدمه الرئيس جاك شيراك، والختام الواقعي للزيارة، تكمن كل الحوافز والدوافع المشتركة للصين الشعبية وفرنسا، من أجل قيام "شراكة كاملة" بين الدولتين.
طبعاً العلاقات الشخصية على مستوى القمة مهمة جداً في دفع العلاقات الثنائية بين أي دولتين وتوثيقهما وجعلهما أكثر حرارة وعمقاً. لكن من الطبيعي أيضاً الاعتراف بأن ذلك لا يكفي، لأن المصالح هي التي تضع سياسة الدول وتصيغ العلاقات البينية. وبقدر ما يبدو الرئيس جاك شيراك منشدّاً نحو الصين وثقافتها الى درجة أنه يعتبر أحد الخبراء الفرنسيين بها، وجنتاو منجذباً نحو فرنسا كعاصمة للفن والثقافة، فإن شمولية المصالح وتعددها هي التي دفعت نحو إعلان الشراكة، وتقديم "الهدايا" السياسية الكثيرة حسب أقل التعليقات تواضعاً.
وبداية فإن تأكيد الإليزيه، على دفع العلاقات الصينية ـ الفرنسية، في إطار العلاقات الاستراتيجية لا يقلل مطلقاً ولا يخفي الرغبة بتنمية الجانب الثنائي الضيق الذي يبدأ وينتهي بلغة الأرقام في المجال الاقتصادي المتعدد الجوانب. فالعلاقات بين بكين وباريس هي تأكيد "للربحية المشتركة بتجديد النظام التعددي"، أي بلغة ديبلوماسية واضحة مواجهة "الأحادية الأميركية" والعمل لتقليصها وإخضاعها للتعددية الدولية، وهي أيضاً للعمل من "أجل مواجهة تحديات العولمة" أي "إضفاء مزيد من الأنسنة" على هذه العولمة المادية الشرسة.
ومن هذه العموميات التي تشكل عنواناً فضفاضاً للعلاقات الثنائية الى الخاص في العلاقات بين باريس وبكين. فالرئيس جاك شيراك تولى منذ وصول هو جنتاو الى مطار أورلي حتى مغادرته باريس تقديم "الهدايا" له وللصين. و"الهدية" الأولى شخصية، إذ أن هو جنتاو المجهول حتى داخل الصين الشعبية، لانتقاله الى القمة بعد عشر سنوات من الانتظار في الموقع الثاني، حصل على "تسويق دولي له غير مسبوق بالنسبة الى رئيس دولة أجنبية في باريس". وعبر هذه الزيارة يطل جنتاو على الصينيين من "الشرفة" الفرنسية زعيماً محترماً يفرض تقدير الصين وأهميتها على المسرح الدولي وعملاقاً اقتصادياً لا يمكن سوى التقرب منه. والصين الشعبية هي كما يراها الفرنسيون وغيرهم من الدول الصناعية الكبرى هي "مصنع العالم" اليوم، وهي أكبر سوق استهلاكية"، وهي أيضاً أضخم سوق للعرض والطلب". وقد عرف شيراك كما يبدو واضحاً كيف يلعب بمهارة وبخبرة العارف بالثقافة الصينية ورقة هو جنتاو "المجهول" صينياً ودولياً حتى الآن. ولعل تشديد شيراك على ضرورة رفع الحظر أوروبياً عن بيع السلاح للصين لأنه لا يتلاءم مع الواقع السياسي العالمي يعزز وضع هو جنتاو داخلياً. والديبلوماسية الفرنسية، التي كانت دائماً تخفي أهدافها الحقيقية تحت اللافتات الفضفاضة، لم تعد كذلك اليوم. فهي أصبحت أكثر واقعية وأكثر شفافية. ولذلك فإن الأليزيه أكد على أن عمق العلاقات الثقافية والسياسية التي بدأت قبل 40 عاماً بمبادرة تاريخية من الجنرال شارل ديغول، ولم تترجم حتى الآن على مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية. والدليل أن فرنسا هي الشريك الأوروبي الرابع وبعيداً بعد ألمانيا (حجم المبادلات الفرنسية الصينية 11.3 مليار دولار مقابل أكثر من 30 مليار دولار للمبادلات الألمانية الصينية) وحصة فرنسا من الاستثمارات الأجنبية لا تزيد عن 1% من الصين، علماً أن 500 شركة فرنسية لها حالياً مواقع في الصين. ولذلك فإن الهدف الطبيعي والمشروع لفرنسا هو توسيع حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية ورفعه الى مصاف العلاقات السياسية. وهذا ممكن لفرنسا في دولة وصل فيها النمو السنوي الى 93% من وقت لا تزيد فيه هذه النسبة في بعض الدول الغربية على 1%، علماً أن المجالات كثيرة ومنها قطاعات النقل (طائرات ايرباص وقطار (T.G.V والاتصالات (الكاتل ALCATEL جعلت أخيراً مقرها الاقليمي في آسيا في الصين).
وأمام هذه المطالبة الفرنسية المشروعة بموقع أكبر في السوق الصينية، تراجعت قضية حقوق الإنسان في الصين الى الصف الخلفي، ولم تعد سوى مجرد "تظاهرة" فكرية ومواقف يتم التشديد عليها حفاظاً على المبادئ. ولعل اندماج هذه المطالبة لحقوق الإنسان في الصين بصورة هو جنتاو الذي صعد الى السلطة على "سلم" نجاحه في قمع انتفاضة التيبت، هو الذي حول أيضاً هذا الموقف السياسي الى "خطاب" وليس حاجزاً مانعاً. فالواقعية السياسية تفرض الاعتراف بالصين الشعبية والتعامل معها مهما كانت "الخطابات" متشددة في طرح المبادئ السياسية والإنسانية.
وقد عرف جاك شيراك كيف يتعامل مع هذه الواقعية بكل شروطها لجني ثمارها فرنسياً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00