اعلان آلان جوبيه رئيس الوزراء الفرنسي السابق وزعيم حزب الرئيس جاك شيراك "الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية" مساء أمس انه قرر البقاء لمواصلة المعركة السياسية، هو لتجنب "حكم الاعدام السياسي" بعدما حكم عليه بالسجن 18 شهراً مع وقف التنفيذ وحرمانه حقوقه المدنية 10 سنوات، وذلك باعتباره "الخليفة" المنتصر لشيراك.
كل مسارات الحياة السياسية لليمين الجمهوري في فرنسا كانت تؤشر الى أن آلان جوبيه سيكون المرشح التلقائي، خلفاً لشيراك، وان على الآخرين وعلى رأسهم نيكولا ساركوزي ان يحسب الف حساب قبل دخوله حلبة المنافسة ضده.
كذلك ان آلان جوبيه كان وما زال "الابن السياسي بالتبني" لشيراك، الذي يحرص كل مرة على أن يقول في اجتماع عام لليمين بجميع عائلاته: "انه (أي جوبيه) أفضلنا".
وقد وقع هذا الحكم القاسي جداً في رأي 58% من الفرنسيين ضد جوبيه، على وقع احداث فرنسية متداخلة مع المسار الديموقراطي العادي لفرنسا. فهو جاء على وقع المناقشات الدائرة داخل البرلمان الفرنسي لإقرار قانون منع الحجاب في المدارس. وبدا غياب جوبيه "المتحمس جداً" للقانون المطروح لافتاً، ومؤشراً إلى خطورة القرار الذي يدرسه جوبيه بعيداً من الأنظار في مواجهة هذا الحكم القضائي: هل يواجه هذا الحكم "كسياسي" فيقاتل ويصمد كما يدعوه جاك شيراك وأعضاء الحزب أم ينسحب من الحياة السياسية ويختار حياة أخرى يستطيع فيها اثبات قدراته الادارية العالية جداً الى درجة وصفه بـ"الحاسوب الآلي"؟
والاستحقاق الثاني المهم جداً، هو دخول فرنسا مرحلة الانتخابات الاقليمية التي اكتسبت هذا العام بعداً وطنياً لكونها تشكل اختباراً مهماً يضع بعض النقاط على أحرف التحولات السياسية في اعماق فرنسا بعد "زلزال الربيع" وفوز جاك شيراك بغالبية 82% من اصوات الفرنسيين تأكيداً لتعلقهم وارتباطهم بالجمهورية وبفرنسا غنية بتعدديتها. ولذلك كله فإن قرار آلان جوبيه وهو المكلف بقيادة الحملة الانتخابية، والذي يستعد لدخول الحكومة الحالية بعد تعديلات أساسية فيها لدفعه نحو واجهة الحياة السياسية قبل حملة الانتخابات الرئاسية من جهة، ولإقامة نوع من التوازن مع نيكولا ساركوزي وزير الداخلية الذي أصبح بفعل حضوره الطاغي "الرجل القوي" داخل الحكومة. وكان طبيعياً دخول جوبيه على الخط الحكومي لضبط ايقاع ساركوزي والحد من نفوذه، بدأ حملته الرئاسية بمعركة إعلامية مركزة في السين ومن الشارع الفرنسي ضد جاك شيراك.
ما حصل مع آلان جوبيه، يشكّل برأي الفرنسيين، نوعاً من "الزلزال" السياسي ليس فقط في جبهة اليمين وإنما على صعيد مختلف القوى. وصار على اليمين وخصوصاً جاك شيراك إعادة حساباته في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية في ظل ضآلة واضحة في خياراته، إذ لم يعد أمامه على اللائحة سوى دومينيك دوفيلبان وزير الخارجية وجان بيار رافاران رئيس الوزراء، وكل ذلك الحضور الطاغي لنيكولا ساركوزي الذي لا يرغب شيراك أن يخلفه لألف سبب وسبب.
ولا تقتصر تداعيات "الزلزال" وآثاره على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإنما الأهم حالياً مَن سيقود "الاتحاد من أجل الجمهورية" في ظل الانتخابات الاقليمية، ذلك انّ جوبيه ليس في وضع قانوني يسمح له برئاسة الحزب، وترجمة ذلك وقوع اليمين الجمهوري في فخ خسارة لا يستحقها علماً ان حزب الممتنعين كان قبل الحكم القضائي على جوبيه هو حزب الأغلبية لا بل يبشر بتحقيقه رقماً قياسياً، وهذا كله ليس في مصلحة اليمين الجمهوري أي "الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية" و"الاتحاد من أجل الديموقراطية". وأمام خسارة كهذه إذا وقعت فإن كل الخريطة السياسية ستتداخل وتخضع لمفاجآت كبيرة وخصوصاً أنّ اليمين المتطرف واليسار المتطرف أصبحا يملكان ربع الناخبين الفرنسيين، إلى جانب انّ اليسار الديموقراطي، وخصوصاً الحزب الاشتراكي، لا يملك أوراقاً مهمة ويفتقر إلى قيادة سياسية مقنعة على مستوى فرنسا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.