شدد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية هيرفيه لادسو امس على ان اي "مشروع اصلاحي للشرق الاوسط يجب ان يمر بحل للنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وقال: "يجب اولا اطلاق مسار السلام في الشرق الأوسط لان العدالة تفرضه"، مؤكدا "ان فرنسا تتابع حوارها مع الدول العربية، والذي يتعمق في ضوء الافكار والمشاريع المطروحة على صعيد الشرق الاوسط الكبير". واعاد الناطق الرسمي الى الاذهان مسار برشلونة الذي طرح عام 1995 والذي يضم دول الاتحاد الاوروبي و12 دولة من جنوب وشرق البحر المتوسط.
مصدر مطلع في العاصمة الفرنسية قال لـ "المستقبل" ان وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان ابلغ مسؤولاً عربياً كبيراً التقاه مؤخراً "ان مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحه الرئيس جورج بوش مبتور، لان الاصلاح الضروري في المنطقة يجب ان يتزامن مع تسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي". وأضاف دوفيلبان "رغم ذلك على العرب ان يبلوروا رؤيتهم ورؤياهم في الاصلاح". واعتبر ان القمة العربية المقبلة في تونس تشكل فرصة مهمة لبلورة افكار عربية مشتركة حول الاصلاح.
وترغب باريس، كما اضاف المصدر نفسه، في ان تقوم القمة العربية باعادة احياء مبادرة السلام العربية التي اقرت في قمة بيروت، وأن تأخذ بعين الاعتبار "مبادرة جنيف" التي وضعها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين.
وفي اطار هذا الموقف الفرنسي واقتراب موعد انعقاد القمة العربية من جهة، وقمتي الثمانية الكبار والاطلسي في حزيران المقبل، عادت باريس مجدداً عاصمة للشرق الأوسط، حيث تتوافد عليها قيادات الشرق الأوسط، ويتوقع ان يستقبل الرئيس جاك شيراك خلال الاسبوع المقبل كلا من الرئيس حسني مبارك والملك عبد الله الثاني وولي عهد قطر، وبعد هؤلاء رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع، للمرة الثانية وبطبيعة الحال فان العراق ومشروع الرئيس الاميركي جورج بوش هما في صلب المحادثات خاصة وانهما سيكونان ايضا محور قمتي الثمانية الكبار والاطلسي.
وإذا كان دومينيك دوفيلبان قد شدد مؤخراً على "الحوار الصريح والودي" مع واشنطن، فان هذه "الصراحة" ابقت الموقف الفرنسي في خانة المعارضة العميقة والصلبة لمشروع الرئيس الاميركي. وتعيد مصادر فرنسية مطلعة هذا الموقف الفرنسي الذي لا تضعه في خانة المنافسة ولا الخلافات الناشئة منذ الحرب ضد العراق الى رؤية فرنسية استراتيجية لعلاقاتها من جهة وعلاقات الغرب وفي قلبه الاتحاد الأوروبي مع منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى.
وتقول هذه المصادر ان "الرئيس بوش طرح مشروع الشرق الأوسط الاكبر قبل الانتخابات الرئاسية لانه بحاجة الى افكار جديدة تملأ فراغ الوضع الناشئ عن المواجهات في العراق، والعمل على مد جسور مع حلفائه السابقين لانه بحاجة لهم عمليا وحتى في حملته الانتخابية، لئلا يبدو وكأنه قطع التواصل الاميركي مع اوروبا حليفته الاولى والكبيرة".
وتعدد المصادر الفرنسية اسباب رفض فرنسا مشروع الشرق الأوسط الاكبر وكذلك مشروع اقحام حلف الاطلسي في المنطقة على النحو الآتي:
ان أوروبا شريك طبيعي للمنطقة، وفرنسا تعارض اي استراتيجية يكون عمادها غربا قلقا يعمل لفرض حلوله من الخارج.
لا يمكن معالجة قضايا المنطقة في سلة وحدة. ذلك ان للشرق الأوسط والمغرب العربي والخليج خصوصيات لا يمكن معالجتها بوصفة مشتركة.
ان امتداد مشروع الشرق الأوسط الأكبر كما وضعه الرئيس جورج بوش من افغانستان الى موريتانيا، والذي يضم باكستان وتركيا، يعني وضع الاسلام اطاراً لهذا الشرق، مما سيؤدي عملياً الى وضع الغرب في مواجهة هذا الشرق المسلم. وترجمة ذلك كله فتح الباب واسعاً أمام صراع الحضارات الذي ترفضه باريس جملة وتفصيلاً لأنها تدرك خطر تحريك مشاعر المواجهة والصدام بين العالم العربي والغرب، وبين الاسلام والغرب.
ان اي حركة اصلاحية يجب أن تكون نابعة أولاً وأساساً من المنطقة، وان يكون دور الاتحاد الأوروبي مكملاً لدور الولايات المتحدة الأميركية لدفع هذه العملية وبلورتها.
ان الاتحاد الأوروبي وبعد قراءة الورقة الأميركية المعدة لقمة الثمانية، تأكد من تطابقها مع وسائل التعاون في الاطار الأورو ـ متوسطي، ولذلك كله يتخوف الاتحاد الأوروبي ان يُلقى على عاتقه تمويل هذا المشروع الذي يخدم الاستراتيجية الأميركية.
بالنسبة الى القمة الأطلسية، ترى باريس بالاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي، ان معالجة الوضع في منطقة الشرق الأوسط من زاوية أمنية فقط خطأ. وان طرح دخول الأطلسي الى المنطقة كطرف ولاعب يطرح سؤالاً مهماً: هل يكون الحلف الأطلسي عامل استقرار أو عامل تعقيد جديد؟
وتخلص المصادر المطلعة في باريس الى القول ان الخلافات الفرنسية ـ الأميركية، حول الشرق الأوسط "حقيقية"، أيا تكن محاولات التخفيف من حدتها بالكلام عن التعاون والتكامل وعدم المنافسة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.