إرهاب جديد لا علاقة له بالإرهاب الدولي ولا الأصولي أخذ فرنسا كلها رهينة، لا يفرج عنها حتى تدفع الحكومة الفرنسية مبلغاً لا يتجاوز خمسة ملايين ونصف المليون دولار. ويبدو ان وزارة الداخلية الفرنسية ووسائل الإعلام كانت على علم بالتهديدات منذ أواسط الشهر الماضي، لكن وسائل الإعلام التزمت السرّية بناء لطلب رسمي من وزارة الداخلية لئلا تسقط فرنسا أسيرة للرعب والخوف في عز عطلة التزلج فضلاً عن غموض كل العملية.
وبعد الكشف عن التهديدات، تبين ان قصر الاليزيه ووزارة الداخلية تلقيا "رسالة تهديد" في 3/11/2003 من مجموعة أطلقت على نفسها اسم "A.Z.F" عرفت عن نفسها بأنها "مجموعة ضغط لها طبيعة إرهابية ونشأت في محفل علماني". والمعروف انA.Z.F هي الاسم المختصر لمعمل تولوز الذي انفجر في 21/9/2001، ما أوقع 31 قتيلاً وعشرات الجرحى ومئات المباني المتضرّرة. وطالبت المجموعة قصر الإليزيه ووزارة الداخلية بدفع فدية قيمتها أربعة ملايين يورو إضافة إلى مليون دولار. وكشفت الرسالة ـ التهديد عن ان المجموعة وضعت على خط القطار المتجه إلى تولوز وعند نقطة ليموج، قنبلة لتنفجر في وقت محدّد. ولدى توجه الأمن الفرنسي بسرية كبيرة إلى المكان المحدّد اكتشف القنبلة الموضوعة بعناية.
مصادر وزارة الداخلية الفرنسية أكدت ان القنبلة كانت "موصولة بساعة تفجير ومجهزة بصمام معقد وفاعل كان يعمل"، وقد جرى تفكيك القنبلة بسرعة. ولدى إجراء اختبار ميداني على القنبلة لمعرفة قدرة المجموعة على زرع قنابل وصناعتها، تبين انها كانت قادرة على إيقاع كارثة إرهابية، ذلك ان القنبلة دمرت خط السكة الحديد، واقتلعت ودمرت عشرات الأمتار، أي بما يكفي ليس لحرف القطار عن مساره وإنما لتدمير عدة عربات منه مباشرة، والأخطر من ذلك ان الشرطة الفرنسية رأت بعد دراسة التهديدات التي تلقتها ان المجموعة زرعت فعلاً بين 7 إلى 9 قنابل على امتداد خط السكة الحديد.
واستناداً إلى مصادر وزارة الداخلية، فإن مراسلات عدة جرت مع المجموعة، وإن هذه "الرسائل" تضمنت طريقة تسليم المبلغ ـ الفدية. وقد جرى تغيير السيناريو مرتين حتى الآن، ولكن تبين للأجهزة الأمنية ان المجموعة تملك مهارات تقنية ومعرفة واضحة بخريطة باريس. وضمن الخطة المرسلة لتسليم المبلغ، فإن مجموعة A.Z.F كانت تريد ان تضع طائرة هليكوبتر المبلغ على سطح برج مونبارناس وسط باريس والذي يمكن لطائرة هليكوبتر أن تهبط عليه. وإن المجموعة الإرهابية "العلمانية" وجهت على طريقة بعض الأفلام السينمائية رسالة إلى السلطات الفرنسية عبر الإعلانات الصغيرة المبوبة المعروفة جيداً في صحيفة "ليبراسيون" في 17/2/2004، هنا نصها: "ذئبي الكبير. لا تركبوا مخاطر غير ضرورية. الأسرع هو الأفضل. أعطنا التعليمات. سوزي". وبعد ان تحركت وزارة الداخلية للرد على مطالب المجموعة، وصلت رسالة في 20 شباط تهنئ هذه السلطات على تحركها السريع.
الدولة الفرنسية التي تتابع هذه التهديدات بجدية، كلفت القاضي جان لوي بروغيير المكلف بالقضايا المضادة للإرهاب، بفتح التحقيق حول القضية كلها ـ والمعروف ان هذا القاضي يلاحق كل القضايا والملفات الإرهابية في فرنسا منذ سنوات وبنجاح كبير.
وكان رئيس فرع الأمن المضاد للإرهاب في باريس ميشال دوباك اول ضحايا مجموعة A.Z.F إذ تم إبعاده وتعيين رئيس جديد للجهاز هو كريستون بوت وذلك بناء على قرار من مدعي عام باريس "لأنه لم يبلغه بالتهديدات في الوقت المناسب ولفقدان الثقة المتبادلة". لكن هذه العملية لم تكن موضع إجماع وبدأت تثير أسئلة سياسية خاصة وأن دوباك كان خارج الأراضي الفرنسية.
وتوحي طريقة معالجة هذه القضية ان المطلوب في فرنسا الانتهاء بأسرع وقت من هذا الخطر الإرهابي الجديد الذي يؤكد ان الإرهاب ليس له وجه ولا هوية ولا فكر، إذ يمكن ان يكون من أجل المال فقط وأن يكون أخطر من الإرهاب الدولي والأصولي المعروف.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.