مشاركة رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران في مسيرة مدريد، لم تكن فقط لإظهار التضامن الفرنسي ـ الاسباني، بل للتأكيد أن "11 آذار" ليس اسبانيا بل "أوروبي". والواضح ان فرنسا شعرت بأنها المعنية اوروبيا أكثر من باقي الدول الأوروبية بمجزرة مدريد، لأن توجيه أصابع الاتهام الى منظمة "ايتا" الباسكية يعني باريس مباشرةً.
فالباسك ليسوا مشكلة اسبانية فقط بل هم مشكلة فرنسية، لأن المقاطعة الباسكية الفرنسية المحاذية للباسك الاسبانية تعدّ "قاعدة خلفية" لرجال "ايتا". ولذا يرى خبراء الأمن ان "ايتا" لا تقوم بأي نشاط إرهابي في الأراضي الفرنسية لئلا يزداد الضغط الأمني عليها أكثر، وهذا يعطل كل خطوط الامداد للداخل الاسباني. ويؤكد ذلك ان التعاون الأمني الفرنسي ـ الاسباني. ادى الى توقيف مجموعات اسبانية باسكية عدة، كانت تنقل موادّ ناسفة مما حال دون تعرّض إسبانيا لعمليات ارهابية مؤلمة.
وعلى الرغم من نفي "ايتا" مسؤوليتها عن العمليات الارهابية التي ضربت مدريد، وإعلان "القاعدة" من لندن مسؤوليتها، فإن الخبراء ما زالوا يضعون الاحتمالات مناصفة بين "ايتا" و"القاعدة". وحول مسؤولية "ايتا"، يقول الخبراء الفرنسيون ان عملياتها الأخيرة اشارت الى تطور نوعي ودموي بعدما كانت تحاذر دوماً في ايقاع ضحايا مدنيين عبر إبلاغ السلطات الأمنية بالانفجارات قبل وقوعها. ومن هذه الأدلة انه في شباط الماضي تم ايقاف شاحنة تنقل نصف طن من المتفجرات كانت تتجه نحو مدريد ولو انها انفجرت لأحدثت مجزرة أكبر من الحالية في محطة قطار مدريد. كما ان الديناميت المستخدم في العمليات الأخيرة كما كشفت التحقيقات هي من نفس نوعية الديناميت الذي استخدمته "ايتا" والذي كان قد سرق من مخازن فرنسية العام الماضي.
وبالنسبة الى "القاعدة" ومسؤوليتها، فإن الخبراء يرون ايضاً انه يمكن ان تكون وراء العمليات الأخيرة لأن أيمن الظواهري سبق له ان هدد اسبانيا في بيانه الأخير بسبب موقفها من الحرب على العراق، علماً انه سقط لاسبانيا سبعة من ضباط المخابرات وديبلوماسيان قتلى في العراق. كما ان المعلومات المعلنة أخيرا اكدت ان اسبانيا شكلت قاعدة خلفية للعمليات الارهابية ضد الولايات المتحدة الاميركية، ثم ان اختيار توقيت الحادي عشر من آذار ليس مجرد مصادفة فهو مواز للحادي عشر من ايلول الاميركي.
والسؤال الان ماذا ستفعل اسبانيا ومعها اوروبا بعد 11 آذار؟
التظاهرات الحاشدة التي شهدتها اسبانيا ضد الارهاب، تمنح الحكومة الاسبانية قوة دعم كبيرة لسياستها ضد الارهاب، فالمعروف ان رئيس الوزراء الاسباني ماريا خوسيه اثنار يعتمد سياسة اليد الحديد مع "ايتا" وهو كان قد تعرض مرارا للانتقادات وطولب بفتح حوار هادئ للعثور على حل سياسي مع الانفصاليين الباسك انطلاقا من فرضية ان الحل الامني لن يصل الى نتيجة.
ويقول الفرنسيون ان مجرد التأكد من ان "ايتا" وراء العمليات سيضع كل التيارات الاسبانية في جبهة واحدة ضدها، وستشهد اسبانيا "حربا سياسية مخيفة" ولذلك فإن قلقاً يسود الاوساط الديموقراطية في اوروبا في شأن الديموقراطية الاسبانية التي ولدت بعد وفاة الجنرال فرانكو وتمكنت حتى الان من النمو والثبات. ومرد هذا القلق انه في ظل "حرب واسعة على الارهاب يمكن ان تتعرض الحياة المدنية لقيود قانونية صعبة، واذا كانت الولايات المتحدة اتخذت اجراءات حدّت الحريات فكيف بدولة مثل اسبانيا ديموقراطيتها جديدة والارهاب فيها جزء من حرب داخلية طويلة؟!
أما في حال التأكد من السيناريو الثاني وهو مسؤولية "القاعدة" عن مجزرة "قطارات الموت"، فإن حربا واسعة اسبانية واوروبية اكثر شراسة من الحرب الاميركية ضد القاعدة والمنظمات الارهابية الاسلامية ستنشب بكل ما يعني ذلك من قيود وصعوبات وربما وقوع تجاوزات فردية او جَماعية ضد الجاليات العربية والاسلامية على مِساحة اوروبا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.