8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس تخشى أن يكون عرفات وقادة في بيروت ودمشق أهدافاً بعد ياسين

للمرة الأولى وضعت فرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي، إسرائيل، "خارج القانون الدولي"، في اطار "إعدام الشيخ أحمد ياسين"، وهو التعبير الرسمي لوزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان، ومن ثم بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
وهذه الإدانة غير المسبوقة والتعبير عن اغتيال الشيخ ياسين "بالإعدام" وهو أمر نادر في تاريخ الديبلوماسية الأوروبية، ليس حزناً منها على الشيخ ياسين الذي تعتبره زعيماً لمنظمة إرهابية، وقائداً أفتى بعشرات العمليات الاستشهادية، وإنما خوفاً على مزيد من الانهيارات والسقوط في دوامة العنف المهدّدة ليس فقط للضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وإنما أيضاً وهو الأساس للضفة الشمالية في هذا الحوض أي دول الاتحاد الأوروبي الموسّع. فالبحر لا يحمي من النار المشتعلة على ضفة دون أخرى وخاصة في زمن العولمة، حيث تحول العالم كله إلى "قرية صغيرة"!.
فرنسا، عبّرت دائماً عن خوفها من "الموت العيادي" لمسار السلام في الشرق الأوسط، وهي دائماً طالبت بضرورة العمل بقوة وتصميم لفتح كوّة يرى من خلالها الجميع وخاصة الفلسطينيين الضوء في نهاية النفق. وقد ازدادت باريس قناعة منذ وصول ارييل شارون إلى رئاسة الوزراء بأن السلام في خطر، ولذلك كانت وما زالت العلاقات معه ومع إسرائيل "باردة" على الرغم من بعض المساعي الديبلوماسية لبث الحرارة في الجسد البارد للعلاقات ومن ذلك دعوة الرئيس الاسرائيلي إلى باريس في زيارة دولة والمبالغة في الترحيب به منعاً لمزيد من الحملات عن ارتفاع معاداة فرنسا للسامية.
والسؤال الذي يشغل بال باريس ومعها الاتحاد الأوروبي حالياً هو ما هي حقيقة اللائحة السوداء التي وضعها شارون ومعه كل صقور اليمين الاسرائيلي وقادة المستوطنين للاغتيال، وخصوصاً ان إسرائيل عندما تتحدث عن لائحة سوداء يعني انها وضعت خطة تنفيذية فذاكرة أوروبا ما زالت غنية بالذين اغتالهم "الموساد" بعد ميونيخ. ومما يزيد من حجم المخاطر والمخاوف ان شارون كسر كل الخطوط الحمراء عندما أصدر قرار "إعدام الشيخ ياسين" ثم عندما رفع من حدة الإعلان بالتشديد على انه "الجلاد" الذي ضغط على زر الإعدام.
وفي اطار هذا السؤال، فإن أكثر ما تخشاه باريس ومعها الاتحاد الأوروبي هو ان يكون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على رأس اللائحة، ومن ثم ان يكون بعض القادة في الخارج أي دمشق وبيروت بين الذين ينوي شارون "إعدامهم"، تاركا للانفجارات صياغة مستقبل المنطقة وبعيداً عن ملفه القضائي الذي يضعفه كلما هدأت الأوضاع وأثير من جديد.
وعلى الرغم من ان باريس ترى ان لا حدود لتطرّف شارون، فإن مسألة "إعدام" عرفات تبقى "خطاً أحمر أميركيا" لا يمكنه تجاوز واشنطن وعدم أخذ موافقتها. وهي لو نفت "علمها" كما حصل مع الشيخ ياسين، فإنها لا تستطيع أن تتنصل من مسؤوليتها، وإذا كان في إمكان شارون وموفاز ان يبيعا الأميركيين اغتيال ياسين بأنه بن لادن الفلسطيني، فإنهما لن ينجحا في تمرير أكذوبة أصغر حول أبو عمار وخصوصاً ان أوروبا كلها ما زالت تعتبر عرفات رئيساً شرعيا ولا يمكن تجاوز هذا الواقع. إضافة إلى ان الإسرائيليين اعترفوا قبل أيام في استطلاع أجروه بأنفسهم ان 72 في المئة من الفلسطينيين يثقون بإدارة عرفات للوضع الحالي.
ومع ذلك فإن البعض في فرنسا يرى ان شارون الذي وضع إسرائيل خارج القانون الدولي مرة، فلماذا لا يضعها مرة أخرى وخصوصاً ان الزمن كفيل بطمس ما يريده وما يزعجه ويؤرقه!.
ويرى مصدر فرنسي خبير في شؤون الشرق الأوسط "ان شارون قد نفذ ما يعتقده وما هو من صلب سياسته وعقيدته، وهو يقدم على الاشراف على اغتيال الشيخ ياسين مع علمه بأن ذلك سيؤدي إلى سقوط عدد كبير من الإسرائيليين نتيجة للرد الفلسطيني الذي أصبح أكثر فأكثر تنسيقاً بين حماس والجهاد وسرايا الأقصى التابعة لفتح". ويضيف هذا المصدر ان "عملية الاغتيال كانت متوقعة، ولم تفاجئ سوى الذين ما زالوا يعتقدون ان شارون السياسي هو غير شارون الجنرال المعروف جيداً بعملياته التصفوية منذ تأسيس إسرائيل ومنذ كان ضابطاً صغيراً".
ويعتبر المصدر الفرنسي نفسه ان "شارون يعلم جيداً ان اغتيال الشيخ ياسين سيحدث ردود فعل دولية شديدة، لكنه لم يتراجع لأنه أساساً لا يهتم كثيراً بصورته الدولية، وما يهمه هو ان يكون "ملك إسرائيل" وأن يسقط الادعاءات الأخيرة التي تقول انه لم يحقق الأمن كما وعد".
وفي اطار سياسة شارون ومخططه بالانسحاب من غزة، قال الخبير الفرنسي "لا أؤمن فعلاً بأن شارون يرمي إلى تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة، فهو يعلم جيداً ان اغتيال الشيخ ياسين سيقوّي الجناح الراديكالي داخل حماس والجهاد، وإن سابقة اغتيال القادة التنفيذيين للانتفاضة في الداخل لم تنجح إذ كلما اغتال "مهندساً" ظهر "مهندسان". ومع ذلك فإن شارون يريد "تنظيف" غزة من حماس والجهاد من خلال تفكيكهما لأن تحويل غزة إلى "جزر" على غرار الضفة الغربية مستحيل إلا من خلال اختراق "الجسد" الفلسطيني المتمدد على مساحة غزة كلها، ولا يمكن أيضاً اغراق غزة في البحر، فإن اغتيال الشيخ ياسين هو بداية وليس نهاية لأن شارون لن يتراجع، حتى ولو لم تنجح خطته بالكامل.
يبقى انه قبل أيام علقت في شوارع باريس ملصقات تدعو إلى عدم استقبال "المجرم شارون" في باريس في نيسان المقبل، والسؤال عن مدى صحة دعوة شارون إلى باريس، وما إذا كانت ستبقى قائمة إذا كانت موجودة بعد ان أعلن نفسه انه "جلاد الموت".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00