عندما تصل الملكة اليزابيث الى باريس في الخامس من نيسان المقبل، ستجد في استقبالها الرئيس جاك شيراك، بطبيعة الحال، ورئيس الوزراء جان بيار رافاران الذي أعيد الى الماتينيون مرة ثانية، ووزراء بعضهم جديد وبعضهم من وزارة رافاران الأولى. ذلك ان النتيجة الأولى للدورة الثانية لانتخابات الأقاليم هي التغيير الوزاري.
وهذا التغيير الذي كما يسود الأوساط الفرنسية لن يطال رافاران، كما اعتقد البعض عندما بدأت تتوالى نتائج الاستطلاعات التي تؤكد أن شعبية رئيس الوزراء هي الأدنى منذ الأيام الأخيرة لميتران. ومن الطبيعي أن يدفع رئيس الوزراء الذي هو حسب الدستور الفرنسي "الوزير الأول"، ثمن هذا الفشل الذي كما يبدو سيتبلور نهائياً في اكتساح اليسار أكثر من 14 اقليماً من أصل 22 اقليماً. وقد وصل الأمر بمجلة "نوفيل اوبسرفاتوار" المقربة جداً من الحزب الاشتراكي الى ان تعنون "وداعاً رافاران". في عددها هذا الأسبوع.
لكن يبدو أن جاك شيراك يفضل حالياً عدم تغيير رافاران لأسباب عدة أبرزها، أن البديل له كان يجب أن يكون الان جوبيه تمهيداً لخلافة شيراك في الإليزيه. لكن بسبب الحكم القاسي ضده بالسجن بسبب قضايا مالية تخصّ التجمع من أجل الجمهورية المحلول بات من غير الممكن تسميته حتى صدور حكم الاستئناف كما أن البديل الطبيعي هو وزير الداخلية نيكولا ساركوزي الذي يرى في نفسه منذ الآن خليفة لشيراك في الإليزيه، علماً أن الأخير يمكن أن يسمع بأي خليفة له غير ساركوزي. ولانه لا يمكن تجاهل ساركوزي بسبب قوة حضوره في اليمين الفرنسي وارتفاع شعبيته، فإن الاتجاه هو تسميته "سوبر وزير" للداخلية بحيث يتم ضم كل ما يعني القطاع العام لسلطة وزارته وبهذا يصبح كما تطلق عليه أوساطه منذ الآن "وزير الدولة" (وليس وزير دولة). ولا شك أن طبيعة شيراك التي ترفض قبول فرض أي شيء عليه لاسيّما بعد انتخابات ليست تشريعية". هي التي وجهت اتجاه الرياح نحو تغيير وزاري واسع من دون تغيير "الوزير الأول".
ومنذ الآن بدأ تداول الأسماء المرشحة للصعود أو الخروج، ومن ذلك أن جان فرنسوا كوبي رئيس لائحة اليمين الجمهوري الذي نجح في احتواء تقدم اليمين المتطرّف برئاسة ابنة جان ماري لوبن في اقليم "ايل دو فرانس" ستنتقل الى وزارة الميزانية في إطار وزارة المالية إذا فشل في الدورة الثانية ولم ينتخب رئيساً للاقليم كما تتوقع أوساطه.
ومن المتوقع تغيير وزيرة الثقافة والتعليم ووزير المالية وتسليم وزارة المالية الى جاك بارو رئيس كتلة حزب الاغلبية الرئاسية في البرلمان. وكل هذه التغييرات في إطار المجيء بأسماء كبيرة، ووضعها على محاور رئيسية. ويبدو أن فرانسوا باروان وهو أصغر الوزراء سناً في الجمهورية، سيعود من جديد الى الوزارة بعد أن رفض دخولها في الوزارة السابقة. والمعروف ان باروان هو الابن السياسي بالتبني لشيراك ذلك ان والده كان الصديق الكبير لشيراك وقتل في حادث طائرة وكان رئيساً للشرق الكبير الماسوني.
اما بالنسبة للانتخابات نفسها، فإن عودة التماسك الى "عائلة" اليسار الديموقراطي بين الاشتراكيين والشيوعيين والخضر هو الذي فتح الأبواب أمام ما يعتبره البعض قلباً لصفحة 21 نيسان التي سقط فيها ليونيل جوسبان. وان هذه الوحدة بين أطياف اليسار أدّت الى تحجيم اليسار المتطرّف بحيث أخرجته من الدورة الثانية لأنه حصل على 5 في المئة فقط في حين يلزمه عشرة في المئة.
وكل هذا في وقت، عاش اليمين الجمهوري حالة من الانقسام بين الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية والاتحاد من أجل الديموقراطية الذي يرأسه فرنسوا بايرو الى جانب ثبات اليمين المتطرّف بزعامة جان ماري لوبن وتحوّل النسبة التي فاز فيها الى قاعدة له على مستوى فرنسا وليس مجرّد موجة للاحتجاج ضد اليمين واليسار معاً. وقد أدّت النتيجة التي حصل عليها هذا اليمين المتطرّف، الى بقائه في 19 اقليماً في الدورة الثانية، ممّا حوّلها الى مقارعة ثلاثية وليست ثنائية وكل ذلك على حساب الأغلبية الحالية.
مهما يكن، فإن كل ما تعيشه فرنسا من مواجهات بين اليمين واليسار، وصعود اليمين المتطرّف وانحسار اليسار المتطرّف، ليس سوى البداية الطبيعية للانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2007، لأن في هذه الانتخابات ستبدأ فرنسا الخطوة الأولى باتجاه دخول عصر جديد بعد استهلاك الجمهورية الخامسة طوال نصف قرن تقريباً لطبقة سياسية كاملة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.