8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رافاران: التغيير يفرض نفسه بعد فوز اليسار

اعترف اليمين الجمهوري بخسارته الكارثية للانتخابات الاقليمية وأكد رئيس الوزراء جان بيار رافاران ورئيس حزب الاتحاد من الغالبية الرئاسية آلان جوبيه أن "الرسالة" التي وجهها الفرنسيون من خلال صناديق الاقتراع وصلت، ويجب أخذ بنودها بالاعتبار. ولا يماثل هذه الهزيمة التي اطاحت كل اقاليم فرنسا ما عدا اقليما واحدا الى أحضان اليسار، سوى الهزيمة التي تلقاها اليسار نفسه عام 1992 بعد فوز الرئيس الراحل فرنسوا ميتران بعامين. واستنادا الى النتائج الدولية فإن نصف الفرنسيين اقترعوا لمصلحة اليسار الديموقراطي المتحالف والذي يضم "الزهر الاشتراكي" و"الأحمر الشيوعي" و"الأخضر البيئوي". في حين لم يحصل اليمين الجمهوري سوى على 37 في المئة بينما حصل اليمين المتطرف على 13.2 في المئة تقريباً.واذا كان اقطاب اليسار وفي مقدمهم الأمين العام للحزب الاشتراكي فرنسوا هولند قد طالب "بتغيير التوجه السياسي للحكومة الفرنسية ومباشرة من الرئيس جاك شيراك وليس فقط احداث تعديل وزاري واسع، لأن نتائج الانتخابات خلقت وضعاً سياسياً جديداً. فإن رافاران وجوبيه وفيلون أكدوا على ضرورة سماع الفرنسيين من جهة، و"متابعة فرنسا للعملية الاصلاحية التي تنفذها الحكومة، لأن التراجع عن الاصلاحات سيؤدي بفرنسا الى الجمود" ذلك ان "اصلاح فرنسا يجب أن يتم بما يتناسب مع المتغيرات الحاصلة في العالم، فالمشكلة ـ المحور في هذه المواجهة بين اليمين واليسار هي السياسة الاجتماعية والاصلاحات التي نفذتها أو تعمل لتنفيذها الحكومة التي يرأسها رافاران.
وفي حين يرى اليسار أن النتائج تعني "معاقبة هذه السياسة، وان على اليسار الذي عادت الوحدة الى صفوفه "مسؤولية كبيرة عليه ان يواجهها بتواضع ولكن بتصميم". فإن اليمين الجمهوري يريد متابعة هذه الاصلاحات المؤلمة ولكن الضرورية مع الأخذ بعين الاعتبار لمطالب الفئات الاجتماعية خصوصاً بالنسبة للضمان الاجتماعي والأمن.
وهذا "الزلزال" الانتخابي، الذي لم تتوقعه أكثر السيناريوهات تشاؤماً، حصل نتيجة لمقدمات وأسباب عديدة ومهمة على جميع الأصعدة، فاليسار الذي عاش "أزمة" حقيقية بعد "زلزال" الانتخابات الرئاسية وانسحاب لونيل جوسبان من الحياة السياسية، وخروج روبرت هو من زعامة الحزب الشيوعي، وانقسام الخضر بين عدة فصائل وعدة قيادات متنافسة، هذا اليسار استطاع تحت ضغط التحولات والرغبة بالثأر وشعوره بأن الرياح مؤاتية له باستعادة وحدة اطيافه الثلاثة والدخول منذ الدورة الأولى في لوائح واحدة موحدة، مما أعطاه ثقلاً ومصداقية لدى الرأي العام الفرنسي.
أما اليمين الجمهوري، فإنه منذ فوز جاك شيراك بالرئاسة يعيش على وقع الأزمات، ذلك ان فرنسوا بايرد وباسم التعددية وتحت قوة طموحاته الرئاسية، لعب ورقة المعارضة، رغم ان عدداً من الوزراء محسوبون عليه. وجسد بايرد هذا الوضع، في لوائح مستقلة لـ"الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية"، مما مزق جبهة اليمين المعتدل أولاً وفي مواجهة يمين متطرف نامٍ. ولم تنفع الوحدة الجزئية في الدورة الثانية خصوصاً وأنها بقيت وحدة هشة تمثلت في تمتع قاعدة واسعة منه في الذهاب إلى صناديق الاقتراع في وقت زحفت فيه قواعد اليسار إلى هذه الصناديق لتأكيد نتائج الدورة الأولى.
ومما ساعد في هزيمة هذا اليمين تلقيه ضربة قاسية قبل شهر واحد من الانتخابات عندما حكم القضاء على الان جوبيه رئيس الحزب والمرشح لخلافة شيراك بأقصى حكم قضائي ضد سياسي مما أخرجه من الحياة السياسية، وجعل كل مستقبله معلقاً على نتيجة حكم محكمة الاستئناف عليه.
وفي وسط هذا الصراع غير المتكافئ بين اليمين واليسار وقف اليمين المتطرف بقوة، في وقت انحسر فيه اليسار المتطرف، إذ بقي خارج الدورة الثانية لأنه لم يحصل على أكثر من 5 في المئة في حين يجب أن يحصل على 10 في المئة للانتقال إلى الدورة الثانية. أما اليمين المتطرف بزعامة جان ماري لوبين، فإنه أكد مرة أخرى على ثبات قاعدته الانتخابية، وقاد عملية إسقاط مرشحي اليمين في كل الأقاليم السبعة عشر التي استمر متواجداً فيها، وفي أحيان عديدة أعطى لليسار بعض أصواته، لأنه يعتبر هذا اليمين الجمهوري خصمه السياسي، أما اليسار فإن نجاحه يوسع قاعدته في عملية انسحاب طبيعية أمام مد هذا اليسار.
ولا شك ان هذه المقارعة الثلاثية التي استفاد ويستفيد منها اليسار، يعود الفضل في ارسائها إلى الذكاء السياسي المعروف للرئيس الراحل فرنسوا ميتران. ولمعرفة أهمية هذا ان اقليم ايل دوفرانس الذي يضم باريس والذي كان اليمين الجمهوري يعتبرها "أم المعارك" وان ربحها يعادل خسارة باقي الأقاليم، قد أعطت لليمين المتطرف بزعامة ابنة لوبين 21 في المئة.
جاك شيراك، وحده يملك صيغة الاجابة على "رسالة" الناخبين الفرنسيين الذين استعادوا روح الممارسة المدنية فأنزلوا نسبة حزب الامتناع إلى أدنى نسبة وهي 34 في المئة والسؤال هل سيقوم بتغيير كل الطاقم الحكومي أم يعيد رافاران إلى الماتنيون أو لا، ومن ثم كيف سيقوم متابعة سياسته الاصلاحية للفرنسيين بحيث لا يعاقبون الحكومة وسياستها في الاستحقاق الانتخابي المقبل وهو قريب جداً مع موعد الانتخابات الأوروبية وكل ذلك على طريق الانتخابات الرئاسية المصيرية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00