8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

يبحث بين الشباب لتشكيل فريق عمل جديد

"خلال الأيام المقبلة، سيجيب جاك شيراك عن كل الأسئلة المطروحة"، عقب الهزيمة الكارثية لليمين الجمهوري أمام اليسار الديموقراطي في انتخابات الاقاليم. هذا الإعلان المختصر للاليزيه، جاء بعد أن رمى جميع الفرقاء من يمين ويسار ويمين متطرّف، وكل على طريقته وتبعاً لغاياته وأهدافه "الكرة في ملعب الرئيس" لأنه هو المسؤول دستورياً عن هذه الإجابات. وقال مكتب الرئيس إنه يعمل مع رئيس الوزراء بشأن قرارات سيتخذها خلال الأيام القليلة القادمة، وهو عقد لهذه الغاية أمس محادثات أزمة مع جان بيار رافاران.
هذا الانقلاب جعل فرنسا تدور دورة كاملة بعد 21 نيسان العام 2002، لتسقط كلها في أحضان اليسار المتعدد الأطياف التي تراوح بين زهر اشتراكي وأحمر شيوعي وأخضر بيئوي. وقد اعتبر اليسار أن هذا الانتصار الذي حققه في 21 آذار هو الرد الشعبي على 21 نيسان الذي سقط فيه ليونيل جوسبان أمام جان ماري لوبن، ولا شك أن هذه النتيجة شكلت مفاجأة كبيرة، ذلك أن شيراك كان يتوقع هزيمة انتخابية واضحة، وعلى هذا الأساس أعد لتعديل وزاري واسع، ولكنه لم يكن يتوقع ألا يبقى لليمين سوى اقليم واحد هوالالزاس من أصل 22 اقليماً في فرنسا.
ولا شك أن مثل هذا التحول الواسع والشامل والعميق، يتطلب إجابات مختلفة عن احتمال حصول خسارة محدودة. ومما يعزّز ذلك أن الفرنسيين وبعد سنوات طويلة من الامتناع عن ممارسة حقهم في الاقتراع، تعبيراً عن يأسهم من الوضع السياسي، قاموا باكتساح مكاتب الاقتراع، بحيث وصل "حزب الممتنعين" الى أدنى نسبة منذ عقود وهي 34 في المئة. وتتمحور الأسئلة المطروحة أمام جاك شيراك في بند واضح: أي سياسة يجب اتباعها لاستعادة ثقة الفرنسيين؟
الإجابة عن هذا السؤال يتعين أساساً التمهيد لها بتشكيل فريق عمل فعّال ومقبول شعبياً وقادر على إحداث صدمة كهربائية لدى الفرنسيين تدفعهم لدعم ومساندة السياسة الحكومية.
ولذلك في الوقت الذي طالب فيه أقطاب من اليسار على رأسهم لوران فابيوس بضرورة ايقاف القوانين الإصلاحية والبدء بسياسة جديدة، فإن أقطاب اليمين وفي مقدمهم الان جوبيه ورافاران وفرنسوا فيون أكدوا ضرورة المحافظة على كل المشاريع الإصلاحية وفي الوقت نفسه صياغة خطة سياسية واضحة لتنفيذ البرنامج السياسي الذي تبدو فرنسا بحاجة اليه.
وحول فريق العمل الذي يعمل شيراك لإعلانه بعد أيام، لا توجد حالياً إجابات محددة وإنما سيناريوات تحسب بدقة، وأولها من هو البديل الممكن لرافاران إذا كان لا بد من التضحية به أمام هول هذه الهزيمة، خصوصاً وأن 54 في المئة من الفرنسيين طالبوا بتنحيته، وهنا تبدو الخيارات أمام شيراك محدودة وصعبة جداً. ذلك أن الان جوبيه كما يقول المقرّبون منه يريد الانسحاب نهائياً من الحياة السياسية، وفي جميع الأحوال لا يمكن تسميته. ونيكولا ساركوزي، وهو أكثر "نجوم" اليمين صعوداً، لا يبدو راغباً بهذا المنصب كما يقول أكثر من خبير، لأنه لا يريد تكرار قصة ميشال روكار مع فرنسوا ميتران، إذ أن الأخير عينه رئيساً للوزراء لكي يفشل ولا يعود مؤهلاً للانتخابات الرئاسية علماً أن شيراك لا يحبه ولا يتصوره خليفة له على غرار ميتران مع روكار. الى جانب ذلك فإن جميع الذين تولوا رئاسة الوزراء في الجمهورية الخامسة قبل الانتخابات الرئاسية فشلوا في تلك الانتخابات ومنهم جاك شابان دلماس وجاك شيراك وليونيل جوسبان وبيار مسمير، وساركوزي ولا يريد الآن الانضمام الى هذه اللائحة الطويلة. وأمام هذا الوضع فإن شيراك ربما كان يرغب بتسمية فيون الوزير الصاعد، ولكن المشكلة أنه سقط في الانتخابات وهو يترأس اللائحة أمام مرشح مجهول. وأخيراً فإن فرنسوا باروان "الذئب" الصاعد في اليمين والابن السياسي بالتبني لشيراك والناطق الرسمي باسم حزب الأغلبية الرئاسية، يمكن أن يكون البديل على غرار ما فعل فرنسوا ميتران عندما فاجأ الجميع وعيّن لوران فابيوس، فكان أصغر رؤساء ووزراء فرنسا سناً. وهنا يُقال إن باروان يمكن أن يكون بديلاً من آلان جوبيه في رئاسة الحزب، مما يساهم في تأهيله شعبياً في المدى المتوسط للرئاسة، ولذلك كله يقول مصدر فرنسي مطلع على التطورات والمواقف في الأليزيه إن شيراك يبحث بين الشباب لتشكيل فريق عمل جديد، يؤدي الى ضخ دماء جديدة في الأغلبية الحاكمة مما يمكنها من استعادة ثقة الفرنسيين على طريق الاستحقاقات المقبلة.
ويقول المصدر نفسه إن بورصة الأسماء ضمت في اللحظة ميشال اليو ماري التي نجحت في كل المواقع التي تسلمتها بما فيها رئاسة حزب التجمع من أجل الجمهورية وأيضاً وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان الذي تحول الى مشروع مستقبلي للانتخابات الرئاسية.
يبقى السؤال الأساسي وهو الذي يريد الفرنسيون إجابة نهائية له: ماذا عن قوانين الاصلاحات التي طرحها رافاران؟
اليسار يريد وقف "محدلة" هذه القوانين، في حين أن اليمين يريد المحافظة عليها وهو ما قاله فرنسوا باروان بعد اعلان النتائج إذ شدد على أن لحزبه "روزنامة أهدافها محددة ويجب ألا تتغير ونحن لا يمكننا أن نفعل غير ذلك، والاصلاحات المطلوبة يجب أن تستمر في قطاعات الضمان الصحي والتعليم الوطني وسياسة الاستخدام والعمل". ومما يعزز هذا الرأي ان 45 في المئة من الفرنسيين أيدوا في استطلاع بعد الانتخابات مقابل 43 في المئة عارضوا الاستمرار في هذه السياسة. وأمام هذا الوضع يقول مصدر فرنسي مطلع "يجب الاستمرار في هذه السياسة، لكن يجب أيضاً إعادة صياغة الخطاب السياسي ليكون مباشراً وحاسماً وبدون تردد ومتماسكاً". ولعل المثل الصعب لكل ذلك هو مارغريت تاتشر فقد نفذت سياستها الاصلاحية على الرغم من عدم حب البريطانيين لها ولسياستها ولكنها عرفت كيف تجدد لنفسها ولحزبها ثلاث مرات لأنها وجدت الخطاب السياسي الذي يقبله البريطانيون.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00