لم يجد الرئيس الفرنسي جاك شيراك بديلاً من رئيس وزرائه جان بيار رافاران الأول سوى جان بيار رافاران الثاني.
واذا كانت اعادة تسمية رافاران، قد فاجأت بعض الأوساط الفرنسية، خاصة في المعارضة اليسارية، على أساس انه "فقد الشرعية" بعد النتائج الكارثية لليمين الوسط في انتخابات الأقاليم فإن اوساط الأغلبية الرئاسية رأت في هذ الحل أهون الحلول أمام شيراك، ويبقى على رافاران ان يستعيد بنفسه الشرعية التي فقدها في الانتخابات.
شيراك المحكوم بمناسبتين تفرضان عليه حسم الأمور والتفرغ لزيارة موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين "القيصر الجديد" عقب انتخابه رئيساً بأغلبية شعبية واضحة، ثم استقبال الملكة أليزابيت في باريس في الخامس من نيسان، سارع الى تسمية رافاران، على أن ينتهي تشكيل الحكومة اليوم الأربعاء، وأن يكون برنامجها السياسي الجديد ان عدم التغيير في رأس الحكومة لا يعني مطلقاً انه لم يتم الاصغاء الى "الرسالة" التي وجهها الفرنسيون عبر صناديق الاقتراع.
والواقع انه على الرغم من تدفق الأسماء على بورصة المرشحين لخلافة رافاران، فإن أي مرشح لم تحظَ أسهمه بالنسبة المقبولة. ذلك ان نيكولا ساركوزي لا يريد أن يحرق اوراقه قبل الانتخابات الرئاسية في رئاسة الوزراء، التي تشكل في مرحلة انتقالية بين استحقاقين "محرقة" حقيقية. كما ان شيراك لا يريد تعبيد الطريق امامه اما لأنه لا يرغب فيه أو لأنه ليس من الطبيعي تسليم الدفة باكراً بحيث يُصبح "الرئيس الانتقالي" بدلاً من أن يكون "الرئيس الحاكم". بدوره فإن آلان جوبيه المقرب من شيراك والذي يعتبره الأخير "الأفضل بين الجميع"، يعيش على حافة الخروج من العمل السياسي. وفرنسوا فيون كان مناسباً لو لم يكن على رأس لائحة خاسرة في الانتخابات الأخيرة أمام اشتراكي مجهول.
يبقى دومينيك دوفيلبان، وهو الأقرب لخيارات الرئيس شيراك، الذي لم يلدغ بنار الاختيار الشعبي لكونه وصل بالتعيين أو الاختيار الرئاسي ولذلك يجب أن يتعلم أولاً حلاوة ومرارة العمل في القاعدة.
جان بيار رافاران، الذي استعاد بعض الاغتباط الذي فقده عشية نتائج الانتخابات، رفض الكلام، لكن دومينيك بوسورو المقرب من رافاران والمرشح للصعود في السلم الوزاري من سكرتير دولة الى وزير، لخّص خطة رافاران لتشكيل الحكومة ومواجهة الاستحقاقات المستقبلية الصعبة: ستكون الحكومة مشكّلة من فريق عمل مسيّس جداً ولأعضائه من الرجال والنساء على السواء خبرة سياسية عامة. وسيتضمن الفريق، برلمانيين أشداء ومتحمسين، قادرين على خوض المعركة، وعلى تنفيذ الاصلاحات بتصميم وحزم، وفي الوقت نفسه متضامنين مع ما تريده القاعدة الشعبية والرسالة التي وجهتها عبر صناديق الاقتراع. مضيفاً "ان الأغلبية البرلمانية الحالية لن تتراجع عن الاصلاحات التي شرعت في تنفيذها".
وفي اطار هذا التعريف لحكومة رافاران ـ 2، فإن نيكولا ساركوزي مرشح لتولي حقيبة المالية التي تضم ثلاث وزارات، مكان فرانسيس مير المرشح للخروج من الوزارة، كذلك وزير التعليم لوك فيري وهو فيلسوف جاء لإدخال دم جديد الى الوزارة لكنه لم ينجح في التحول الى سياسي قادر على المزج بين الثقافة واللعبة السياسية والمرشح للحلول مكانه فرنسوا فيون. كذلك فإن وزير الصحة جان فرنسوا ماتاي الذي لم يدفع ثمن ضحايا الصيف الماضي، سيترك مكانه لأحد الصاعدين من الصف الثاني وهم جان لوي بورلو وبرنو دوتروي ودومينيك بوسورو وجان فرنسوا كوبي. يبقى سؤال هل يتم زيادة عدد اعضاء ممثلي حزب الاتحاد من أجل الديموقراطية الذي يرأسه فرنسوا بايرو، لرأب الصدع معه، وإلى أي حد خصوصاً وانه لم يكن له سوى وزير واحد هو جيل دوروبيان الذي نجح في ادارة وزارته. وفي حال انتقل ساركوزي الى وزارة المال، فإن السؤال من سيحل مكانه في وزارة الداخلية.
هذا كله في وقت يرى البعض أن ساركوزي قد يرفض تسميته وزيراً في حكومة رافاران الثاني لكي يمسك بالحزب ويصبح رئيسه خلفاً لآلان جوبيه والتفرغ في الوقت نفسه لجولة واسعة في عمق فرنسا والاحتكاك بالناس فيها على طريقة شيراك.
تشكيل الحكومة الجديدة، هو بداية أولى لمواجهة شيراك استحقاقات المرحلة المقبلة، اذ ان معركة صعبة وأساسية تنتظره في الخريف المقبل وهي انتخاب رئيس لحزب الأغلبية الرئاسية. كذلك تبدو خيارات شيراك صعبة ودقيقة، فما العمل اذا قفز ساركوزي عبر الانتخابات الى الرئاسة؟ ومن القادر على ان يخلف آلان جوبيه خصوصاً أن ميشال اليو ـ ماري وان كانت قد نجحت في حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الا انها تبقى محصورة في "ديغوليتها" التي هي طيف أطياف عدة داخل الحزب. وقد لا يبقى أمامه سوى أسماء قليلة منها جان لوي دوبري رئيس البرلمان الحالي الذي اثبت نضجه السياسي خلال رئاسته، أو "ذئب" الحزب الصاعد فرنسوا باروان الذي يشغل حالياً منصب الناطق الرسمي باسم الحزب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.