مئة وخمسون خيالاً من الحرس الجمهوري احاطوا أمس بموكب الملكة اليزابيت الثانية وزوجها الأمير فيليب، وهو يجتاز الشانزيليزيه حتى ساحة الكونكورد الى قوس النصر.
والبداية وحدها استثنائية في مراسم زيارة الدولة، حيث الملوك والرؤساء الذين يقومون بزيارة دولة كفرنسا لا يتبعون هذا المسار المثقل بالتقاليد والاجراءات. لكنها ملكة بريطانيا، التي تزور فرنسا بعد 12 سنة من الغياب وهي جاءت لتحتفل مع الرئيس جاك شيراك بالذكرى المئوية لـ"الوفاق المتين".
وخلال الأيام الثلاثة التي ستقضيها الملكة اليزابيت في فرنسا، ستعقد لقاءات عدة مع شيراك ورئيس الوزراء جان بيار رافاران ورئيس البرلمان جان لوي دوبري ورئيس مجلس الشيوخ كريستيان بونسيه ورئيس بلدية باريس برتران ديلانوي. كما ستقوم بزيارات عدة منها واحدة الى هرم اللوفر، وسفارتها للقاء بعض أعضاء الجالية البريطانية، وتولوز.
هذا التكريم الاستثنائي لملكة بريطانيا، طبيعي جداً، كما يرى الفرنسيون، ذلك ان اتفاقية "الوفاق" في 8/5/1904 المهمة جداً، تبدو اليوم أكثر أهمية، فالاتفاقية وقعت بين دولتين لا تحملان الكثير من الحب والود لبعضهما البعض، بل إن الحروب والدمار والدموع، لونت دائماً علاقاتهما. ويكفي ذكر جان دارك ونابليون لتقدير حجم المواجهات العسكرية التي جرت بينهما، والتي انتهت بانتصار الجزيرة التي لم يستطع أسطول فرنسي الرسو على شواطئها.
وقد اقتنع البريطانيون والفرنسيون بضرورة هذا الاتفاق بعد مواجهة فاشودا في السودان عام 1898، هذه المواجهة التي كادت تنتهي بحرب شاملة.
الاتفاقية تزامنت مع صعود ألمانيا الذي رأى فيه الفرنسيون والبريطانيون خطراً عليهما وعلى امبراطوريتهما فتوحدا. ولم يطل الأمر حتى وقعت الحرب العالمية الأولى، ثم لحقتها الحرب العالمية الثانية.
ورغم تعرض هذه الاتفاقية لتجاذبات نتيجة التنافس الدائم فإن صعود المانيا من تحت الركام وظهور هتلر أعاد اللحمة الى الوفاق الى درجة أن تشرشل اقترح الوحدة بين الجزيرة وفرنسا بعد الغزو النازي للأخيرة. لكن ظهور الجنرال ديغول أطاح بحلم تشرشل لكنه لم يسقط الاتحاد والوفاق بل عززهما في مواجهة اعتى الجيوش في ذلك الوقت.
بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور الولايات المتحدة الأميركية، كقوة عظمى، بقي الوفاق والاتفاق رغم انجراف بريطانيا باتجاه الأميركيين. وكانت تجربة السويس، آخر الحروب البريطانية الفرنسية المشتركة ونتيجتها قضاء القوة العظمى الصاعدة على الامبراطوريتين، عندما أجبرتهما على ايقاف الحرب ضد مصر والانسحاب منها.
وعندما ولد الاتحاد الأوروبي عبر السوق الأوروبية المشتركة وقف الجنرال ديغول ضد بريطانيا لأنه كان يعتبرها "حصان طروادة" الأميركيين لشق الاتحاد.
الآن وبعد سنوات طويلة من عملية بناء الاتحاد الأوروبي وتوسيعه ليصبح مشكلاً من 25 دولة بدلاً من 15 دولة في الأصل فإن السؤال الدائم، خصوصاً مع صعود "المانيا الأوروبية" من يقود عربة الاتحاد فرنسا وحدها أم فرنسا والمانيا؟ وماذا عن بريطانيا؟ هذه الأسئلة هي التي تلخص التنافس الدائم ولعبة شدّ الحبال بين كل من الثلاثة والثنائي فرنسا والمانيا أو فرنسا وبريطانيا.
والحال كما يرى خبير فرنسي بالشؤون الأوروبية ان الأمر لن يستقيم حتى تتولى "الترويكا" الفرنسية ـ الألمانية ـ البريطانية قيادة عربة الاتحاد تدعمها ترويكا أخرى من اسبانيا وايطاليا وبولونيا القادمة من أوروبا الشرقية سابقاً، وبهذا يصبح للاتحاد الأوروبي القدرة على التحوّل الى عملاق سياسي واقتصادي وعسكري قادر على تحقيق تعددية القوى وإنهاء الهيمنة الاحادية الأميركية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.