الاتفاق بين الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير حول موقع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وانتمائها إلى لجنة مجموعة اليورو، العملة الأوروبية المشتركة، وضرورة تنفيذ عملية النقل الكامل والشامل للسلطة إلى العراقيين، ليست سوى الجزء الطافي من جبل الخلافات العائم في بحر العلاقات البريطانية ـ الفرنسية.
أوروبياً، أكد الرئيس الفرنسي بحضور رئيس الوزراء البريطاني أمام 400 شاب بريطاني جاؤوا إلى الاليزيه في اطار الاحتفالات المستمرة في ذكرى الاتفاق الوثيق بين بلديهما والذي افتتحته الملكة اليزابيت خلال زيارة الدولة التي قامت بها إلى باريس "ان عدم إكمال بريطانيا لانتمائها الأوروبي يعني انه سيكون لديها أزمة هوية".
وقد اعترف شيراك بأن الدور البريطاني ضروري لأوروبا قوية مثلما أن أوروبا تمنح بريطانيا القوة، لكن المشكلة هي كيف يقنع بلير مواطنيه بالانتماء إلى اليورو كعملة موحّدة والتخلي عن الجنيه البريطاني؟، وكيف يمكن ان تكون بريطانيا أوروبية كامل الأوصاف، وفي الوقت نفسه تبقى ملتصقة بالولايات المتحدة الأميركية؟.
شيراك أبدى ثقته بقدرة بلير في هذه العملية، خصوصاً أن الأخير شدد على ان العلاقة مع واشنطن لا تعني ان تكون لندن تابعة لها، كما ان بلير رحّب بالاقتراع بـ"نعم" على الدستور الأوروبي الذي سبق أن فشل بسبب الموقف الاسباني الذي عاد وتحوّل بعد سقوط ازنار رئيس الوزراء الاسباني السابق.
يبقى الملف العراقي وهو الأكثر سخونة حالياً، فالاتفاق الفرنسي ـ البريطاني حول نقل السلطات إلى العراقيين، وصدور قرار جديد من الأمم المتحدة يظل مجرد اطار جيد، لكن الخلافات الفرنسية البريطانية حول حيثيات هذا الاتفاق ما زالت شاسعة، ذلك ان الرئيس شيراك يريد أن تتوافر العناصر الآتية:
واقعية كاملة للسيادة والسلطة للعراقيين.
إنشاء حكومة تكنوقراط، تشكل في 30 حزيران، وتكون مهمتها التحضير للانتخابات التي يجب أن تجري في مطلع العام المقبل في أقصى حد. وعن هذه الانتخابات تنبثق حكومة تتولى حلّ كل المشكلات من دون أي تدخل خارجي.
تقوية دور الأمم المتحدة، وهذه العملية يجب ان تكون محددة بشكل واضح ودقيق، ولكل المراحل اللاحقة في القرار الذي يجري العمل لإصداره.
أخيراً فإن شيراك وبلير وإن كانا يتفقان على ان المستقبل سيكون نتاج ما يتم تحضيره في الأمم المتحدة بصرف النظر عن خلافات الماضي، فإن الخلاف بينهما هو أيضاً على دور الأمم المتحدة: هل تكون البديل من الولايات المتحدة الأميركية وخلفاً لها في العراق أم لا؟.
وقد لوحظ في باريس انه تم في هذه الأثناء تسريب مقطع من برقية للسفير الفرنسي في بغداد جاء فيها: "ان العراق لن يعرف الاستقلال والسيادة طالما يوجد جندي أميركي واحد على الأرض العراقية". كما عمدت المصادر نفسها إلى نقل قول الرئيس شيراك وهو يشاهد جلسة استجواب دونالد رامسفيلد في الكونغرس على شاشة التلفزيون "هذه هي الولايات المتحدة الأميركية العجوز". كذلك فإن الأوساط الفرنسية الرسمية التي تتجنب توجيه انتقادات علنية لإدارة الرئيس بوش أو له شخصياً في هذه المرحلة، تابعت مسلسل تسريباتها بالقول "ان الأميركيين ليسوا سذجاً، وإذا كان رامسفيلد يعمل لإبعاد المسؤولية عن رئيسه جورج بوش في جريمة تعذيب السجناء العراقيين، فإنهم لا بد أن يكون حسابهم للمرشح بوش قاسياً لأنه لم يعلم كما يقول بما حصل في سجن أبو غريب".
على الصعيد نفسه نقلت صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" عن عبدالباسط التركي وزير حقوق الإنسان العراقي الذي قبلت استقالته أواخر الشهر الماضي: "لقد تلقيت معلومات بأن تجاوزات قد حصلت خلال هذا الأسبوع ضد السجناء العراقيين في السجون الأميركية". وأضاف الوزير السابق: "ان انتهاك حقوق الإنسان من قبل الحلفاء بدأ مع الأيام الأولى للاحتلال، لقد أبلغت بما علمته إلى بول بريمر في مطلع تشرين الثاني من العام الماضي، والحقيقة ان أولى المعلومات التي وصلتني عن التعذيب وضرب حقوق الإنسان كانت من سجن أم قصر ومن ثم من معتقل مطار بغداد وبعد ذلك سجن أبو غريب. وقد طالبت مراراً بمراقبة هذه السجون خصوصاً أن سجناء عراقيين أبرياء سجنوا في الأقسام الأمنية، لكني جبهت دائماً بالرفض".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.