تنشط الديبلوماسية الفرنسية على كل الجبهات حتى يكون الثلاثين من حزيران المقبل استحقاقاً حقيقياً "للانفصال" عن الماضي في العراق. ويطالب الرئيس جاك شيراك كما نقلت مصادر فرنسية مطلعة عنه بأن يكون القرار المقبل لمجلس الأمن حول العراق "قراراً حقيقياً وليس مجرد ورقة توت" تخفي الاحتلال الأميركي.
وجاء اللقاء بين الرئيس شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر يوم أمس في الاليزيه في اطار هذا النشاط الديبلوماسي الفرنسي للتنسيق الكامل بين الديبلوماسيتين الفرنسية والألمانية اللتين أكدت الأحداث في العراق صحة موقفهما المعارض للحرب واستحقاقاتها، كما ان لقاء القمة هذا يأتي عشية اجتماع وزراء خارجية الدول الثماني الكبار الذين يحضرون للقمة المقبلة لرؤساء المجموعة نفسها. وقد شدد الزعيمان على العمل لإصدار القرار الجديد وإدانة الرعب الناتج من صور التعذيب في سجن أبو غريب من جهة وقتل الرهينة الأميركي من جهة ثانية.
وقد وضع وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه النقاط على حروف الموقف الفرنسي في المناقشات الدائرة في الأمم المتحدة لاستصدار قرار جديد حول العراق، فوصف العراق بأنه تحول إلى "ثقب أسود يمتص الشرق الأوسط ومعه العالم" وأنه يحب العمل لوقف ذلك. وفي موقف لافت جداً للديبلوماسية الفرنسية، ساوى الوزير الفرنسي بين ما يجري في الفلوجة وغزة إذ قال: "ان أكثر ما يصدمني هو دوامة الرعب والدماء واللاانسانية التي نراها تضرب على مختلف الجبهات من الفلوجة إلى غزة مروراً بالصور المخيفة لاغتيال الرهينة الأميركي المحزن".
وطالب الوزير الفرنسي بـ"وجوب فرض إصدار قرار من الأمم المتحدة يتضمن عقد مؤتمر عراقي داخلي تحت رعاية دول المنطقة". وأن يكون للعراقيين حسب نص القرار "السيطرة على اقتصادهم ومواردهم الطبيعية (أي النفط) والقضاء، وأن يكون للحكومة العراقية المقبلة حق الإشراف علي قواها العسكرية والأمنية، وأن تقوم قوات الحلفاء باستشارتها حول كل العمليات التي تنوي القيام بها". وختم بارنييه حديثه لصحيفة "الموند" بالتأكيد أن فرنسا لن ترسل جنود إلى العراق اليوم ولا غداً. وهذا القرار الذي كشف عنه بارنييه يقفل الباب نهائياً أمام مناقشة مثل هذا المشروع خلال قمة الحلف الأطلسي المقبلة في تركيا. لكن الوزير الفرنسي لم يقفل الباب نهائياً أمام أي نشاط فرنسي فأبدى استعداد بلاده لتدريب درك عراقيين في مدرسة تخصص لذلك في الأردن أو احدى دول منطقة الخليج.
وكشفت مصادر فرنسية لـ"المستقبل" "ان فرنسا تعمل لتجنب الحديث عن الماضي وصحة مواقفها من العراق، فهي تريد وتعمل الآن لمساعدة الولايات المتحدة الأميركية في الخروج من المستنقع العراقي بعدما تحول إلى كارثة" وليس الانغلاق في حيثيات الماضي.
وتضيف هذه المصادر ان كلام الرئيس الفرنسي عن دور حقيقي للأمم المتحدة وليس قراراً يكون مثل "ورقة التوت"، يعني أن يتضمن القرار المقبل الذي يجب أن يصدر قبل 30 حزيران تفصيلاً واضحاً للمراحل المقبلة وبالذات تعيين تاريخ محدد لانسحاب القوات الأميركية من العراق وأن يكون أقصى موعد لهذا التاريخ ربيع العام المقبل".
كما ان فرنسا تعمل وبالتنسيق مع الأخضر الابراهيمي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق على تسمية حكومة تكنوقراط عراقية تمهد لإجراء الانتخابات التشريعية مطلع العام المقبل، وتعمل لعقد مؤتمر شبيه بمؤتمر الطائف الذي لعب الأخضر الابراهيمي دوراً مهماً فيه، وكذلك بالمؤتمر الخاص بأفغانستان في بون. والفارق بين المؤتمر المزمع عقده حول العراق "الطائف" اللبناني، والألماني ـ الأفغاني، ان عدد المشاركين فيه يجب أن يراوح بين ألف وألف وخمسمائة عضو، وأن يكون تحت اشراف دول المنطقة.
واستكمالاً لعملية إخراج العالم من "الثقب الأسود العراقي"، فإن فرنسا ترى حسب المصادر نفسها انه يجب الاهتمام بقوة بالنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والعمل لإخراجه من الطريق المسدود لأن هذا النزاع هو قلب "كابوس" منطقة الشرق الأوسط، ومن دون حله يستمر "الكابوس".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.