تتجنّب الديبلوماسية الفرنسية أي محاولة للاحتكاك مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك سعياً إلى انعقاد القمة الرئاسية بين جاك شيراك وجورج بوش أثناء الاحتفالات بالذكرى الستين للإنزال الأميركي في النورماندي في أجواء إيجابية توفر مناقشة هادئة حول الموضوعين اللذين يشكّلان الأولوية في الأجندة الفرنسية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وهما العراق وفلسطين، ولذا فإن سوريا ولبنان لن يكونا أولوية لهذه القمة.
وشدّد مصدر فرنسي على "ان فرنسا تعمل منذ فترة ليست بقصيرة لتجنّب الحديث عن الماضي وصحة مواقفها من العراق ومن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فالمهم الآن هو الخروج من المستنقع العراقي بعدما تحوّل إلى كارثة، وإعادة الحياة إلى مسار الحل السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
وذكّر المصدر الفرنسي بتوصيف وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه للوضع في منطقة الشرق الأوسط بقوله إنه تحوّل "إلى ثقب أسود يُهدد بابتلاع العالم".
وأكد مصدر فرنسي مقرّب من الاليزيه "ان محادثات القمة بين الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك التي ستتم في أجواء من الصراحة والشفافية والإيجابية، خصوصاً بعد أن عاد الرئيس بوش إلى وصف نظيره الفرنسي بـ"الصديق" بعد جفاء طويل، ستتركز على كل ملفات الشرق الأوسط ولا سيما منها ما يتعلق بالعراق والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. أما ما يتعلق بلبنان وسوريا، فإن ذلك ليس من الأولويات". ويشير المصدر الفرنسي نفسه إلى "ان موقفنا من قوانين العقوبات الأميركية ضد سوريا معروف جداً، فنحن بالمبدأ ضد مثل هذه القرارات لأن الأحداث والتطورات في الماضي أثبتت عدم فعالية هذه العقوبات في تحقيق المطلوب وأن الحوار وسياسة النفس الطويل أفضل وأنجع".
ويستعيد مصدر فرنسي في هذا الإطار الملف النووي الايراني، وكيف نجحت "الترويكا" الأوروبية المشكّلة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا من التوصل إلى اتفاق مع طهران تم خلاله نزع فتيل الملف النووي بدون استخدام سياسة التهديد والوعيد والعقوبات".
وعلى صعيد الملف العراقي، فإن باريس اعتمدت سياسة التريث في كل ما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية إذ ربطت موقفها "بتأييد" الشعب العراقي لها. وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية هيرفي لادسو: "أخذنا علماً بما ورد من معلومات وتصريحات من بغداد، ومن المهم عدم التسرّع وانتظار التقرير الذي سيقدمه الأخضر الابراهيمي إلى مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة".
ويرى مصدر فرنسي ان ربط الموقف الفرنسي بظهور تأييد الشعب العراقي للحكومة الجديدة ومعرفة موقف الأخضر الابراهيمي، يبدو منسجماً مع ثوابت هذا الموقف، ففرنسا طالبت وتطالب باستعادة العراق لكامل سيادته وأن تكون لحكومته كامل الشرعية والصلاحيات. وفي شأن مهمة الأخضر الابراهيمي، فإن تشكيل الحكومة الجديدة يبدو غير منسجم مع مخططاته التي سبق وأن أبلغها لباريس لدى التقائه المسؤولين فيها، فهو كان يعمل لتشكيل حكومة من التكنوقراط على أن يكون رئيس الحكومة الجديدة أكثر "حيادية" بعكس شخصية اياد علاوي المنخرط بشكل كامل في الموقف الأميركي انسجاماً مع علاقاته القديمة مع واشنطن.
ويعود عدم الاستعجال الفرنسي في اتخاذ موقف نهائي من الحكومة العراقية الجديدة إلى ضرورة انتظار نتائج المشاورات الجارية داخل مجلس الأمن حول مشروع قرار جديد يتعلق بالعراق وتريده باريس "قراراً حقيقياً وليس مجرد ورقة توت للأميركيين". أما الدعوة إلى الإسراع في تسليم السيادة للعراقيين، فإن هرفيه لادسو شدّد على أن من واجب مجلس الأمن الاطلاع والتشاور مع الحكومة العراقية الجديدة حول مشروع القرار الجديد في نيويورك.
أما في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن الموقف الفرنسي الرسمي هو أنه "لا يمكن عقد السلام بين الإسرائيليين والأميركيين وإنما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن الطريقة للخروج من هذه المأساة فوراً هو تطبيق خارطة الطريق مرحلة مرحلة". ولذلك فإن باريس، كما يقول المصدر الفرنسي، ستؤكد خلال القمم المقبلة التي ستجمع الرئيس جاك شيراك والرئيس جورج بوش ضرورة العودة بقوة إلى خارطة الطريق وتنفيذها.
ويلاحظ المصدر أن باريس تعرف خطورة الموقف، كما تعرف أيضاً أن دخول واشنطن مرحلة الانتخابات الرئاسية لن يُسهّل الأمور كون المعادلة الأميركية الداخلية في هذه المرحلة أصعب من أن تؤثر فيها النيّات الطيّبة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.