الاحتفالات بالذكرى الستين لانزال قوات الحلفاء على شاطئ النورماندي يوم الأحد المقبل، سيشكل فرصة استثنائية لتوجيه "رسائل" عدة الى مختلف الجبهات والجهات، وتبدو مشاركة الرئيس جورج بوش، والمستشار الألماني غيرهارد شرودر الحدث الكبير في هذه الاحتفالات التي يشارك فيها ملوك ورؤساء حكومات من 15 دولة بينهم الملكة اليزابيث الثانية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وان كان ذلك لاسباب مختلفة ومتباعدة.
الرئيسان جاك شيراك وجورج بوش، اللذان سيجريان مباحثات مطولة في قصر الاليزيه بعد جفاء استمر عامين بسبب العراق، سيكملان مباحثاتهما على غداء عمل، وسيقصران مؤتمرهما الصحافي على دقائق عدة لئلا يحرج أحدهما الآخر وخاصة الرئيس الأميركي ـ بسؤال عن الماضي ومن كان محقاً في موقفه.
ففرنسا والولايات المتحدة ترغبان "في اطلاق علاقات جديدة عبر اشاعة الدفء وابعاد مظاهر التوتر وكل ذلك في ظل الصراع الطويل والشاق حول العراق والذي تشهد اروقة الأمم المتحدة حالياً مضاعفاته يومياً.
ومما يزيد في صعوبة اللقاء والمباحثات بين شيراك وبوش، أن العمل على تجنب أي توتر في اللقاء لا يقتصر على جهودهما. فالفرنسيون المناهضون للحرب في العراق والذين يشكلون الأغلبية المطلقة من الشعب الفرنسي يعدون لتظاهرة ضخمة ضد الحرب في العراق، كما أن السلطات الفرنسية الرسمية تخشى أن يؤجج جورج بوش غضب هذه الجماهير المعادية للحرب، اذا ما حاول في كلامه العلني القيام بأي مقارنة بين الحرب العالمية الثانية التي انتهت بتحرير فرنسا من النازيين، والحرب في العراق التي انتهت بتحرير فرنسا من النازيين، والحرب في العراق التي انتهت باحتلاله من القوات الأميركية. وفي الوقت نفسه فان الفرنسيين الغاضبين من الحرب في العراق لا يريدون تناسي دور الولايات المتحدة الأميركية في تحرير بلادهم بعد أن دفع جنودها ضريبة الدم بكثافة، ولذلك فان الشعار الكبير للفرنسيين حالياً هو "كيف نقول لبوش لا، وشكراً لأميركا".
وعلى الصعيد الرسمي اعلنت كاترين كولونا الناطقة الرسمية باسم قصر الاليزيه ان الرئيس جاك شيراك "سيوجه رسالة صداقة واعتراف من الشعب الفرنسي الى كافة شعوب الحلفاء الذين قاتلوا من أجل الحرية". وأضافت كولونا "أن شيراك سيقول في كلمته "ان فرنسا لا تنسى وهي لن تنسى أبداً". وشددت كولونا على "أن السادس من حزيران هو يوم الذكرى الذي يسمح لكل الأجيال باستذكار دروس التاريخ، وان تقدر حجم ثمن الديموقراطية والحقوق والحرية وان نتذكر بان من واجبنا ان نكون اوفياء لهذه المثل".
أما الرئيس جورج بوش الذي استعاد وصف الرئيس شيراك "بالصديق"، فانه يريد توجيه "رسالة" قوية وميدانية الى الرأي العام الفرنسي الذي يشكك بسياسته الخارجية وهو على أبواب الانتخابات، يؤكد فيها بأنه قادر على اقامة علاقات قوية مع الأوروبيين خلافاً لما يقوله خصمه الديموقراطي جون كيري. وتأكيداً لذلك، فانه تعمد في مقابلة اجراها مع مجلة "باري ماتش" القول عشية زيارته "حان الوقت بعد الخلافات السابقة لكي نعمل معاً للترويج للقيم التي نؤمن بها". ويبدو أن كل هذه المبادرات التي يقوم بها بوش باتجاه الفرنسيين الذين تذوقوا مرارة حملة معادية لهم ولمنتجاتهم داخل الولايات المتحدة الأميركية، لم تغير موقفهم ذلك أن 78 في المئة من الشعب الفرنسي حسب آخر الاستطلاعات لم تعد تثق بالولايات المتحدة الأميركية.
ومما يزيد حدة هذا الموقف ان مختلف وسائل الاعلام الفرنسية شددت على أن جولة جورج بوش التي ستبدأ بايطاليا والفاتيكان ليست سوى جزء من الحملة الانتخابية الرئاسية، وأن هدفه توجيه الضربات الى خصمه جون كيري، والدليل ان اللقاء مع البابا حنا بولس السادس على الرغم من معارضة الأخير للحرب في العراق ونزعه عنها شرعية "الحروب العادلة" ليست سوى "رسالة" انتخابية الى الكاثوليك الأميركيين لان كيري كاثوليكي، والعمل لاحراج الأخير لأنه يؤيد الاجهاض.
اما مشاركة المستشار الالماني غيرهارد شرودر، فانها تاريخية بكل معنى الكلمة. ذلك أنه أول مستشار الماني يشارك في هذه الذكرى التي شكلت احداثها بداية انهيار النازية وتحرير أوروبا. وقد عبّر شرودر الذي فقد والده في رومانيا بعد أربعة أشهر من الانزال في النورماندي بان مشاركته تؤكد "ان مرحلة ما بعد الحرب انقضت الى غير رجعة". مضيفاً "ان المانيا شريك مسؤول ويحظى بالاحترام بعد أن تغلبت على ماضيها".
أما فرنسا، فانها تريد من مبادرتها دعوة شرودر للمشاركة في احتفالات الذكرى، والتي سيقوم خلالها مع الرئيس شيراك برفع الستار عن لوحة تذكارية عقب استعراض وحدات عسكرية وسماع نشيد الفرح، في مدينة كان حيث توجد مقابر مشتركة للالمان والأميركيين، كما قالت كاترين كولونا، "أن يشهد الجميع على متانة المصالحة وقوتها بين شعبينا وايضاً مدى حيوية البناء الأوروبي".
ويتخلل الاحتفالات يوم الأحد، وضع اكاليل الورد واستعراض الوحدات العسكرية مع الرئيس جورج بوش على حدة وفي المنطقة التي توجد فيها رفات أكثر من تسعة آلاف من جنود المارينز سقطوا على شاطئ اوماها بيتش اثناء عملية الانزال، والقاء كلمات لا تتعدى كل واحدة منها 30 دقيقة. بدورها ستقوم الملكة اليزابيث بحضور قداس احتفالي مع الرئيس شيراك وتوقع على الكتاب الذهبي. أما بالنسبة للرئيس الروسي، فانه سيجري مباحثات خاصة مع الرئيس شيراك بعد انتهاء الاحتفالات، وذلك خلال عشاء عمل طويل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.