لا يلتقي الرئيسان جاك شيراك وحسني مبارك إلا ويكون الاتفاق على المواقف ثالثهما. والقمة التي عقدها الرئيسان المصري والفرنسي في قصر الاليزيه خلال غداء عمل أقامه شيراك لمبارك، كان العراق فيها هو "الملف الساخن" الذي عولج في أدق تفاصيله على رغم تأكيد مبارك انه لم يتم بحث التفاصيل، ربما خوفاً من ان تكمن الخلافات في التفاصيل، والتي أهمها جدول أعمال المؤتمر الدولي حول العراق الذي جرى تحديد 25 تشرين الثاني موعداً لعقده في مصر. وكما جرت العادة كان ملف النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي هو "الملف الدائم" لكن الملح هذه المرة، في ظل تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية نتيجة لحملة الاجتياح الاسرائيلية لشمال قطاع غزة.
ولم يغب القرار 1559 المتعلق بلبنان وسوريا عن المحادثات بين شيراك ومبارك التي تطرّقت بشكل عام إلى مسائل الشرقين الأوسط والأدنى.
جيروم بونافون الناطق الرسمي الجديد باسم قصر الاليزيه أكد ان "مجمل القضايا المتعلقة بمستقبل العراق سيكون على جدول أعمال المؤتمر حول العراق، وخاصة ما يتعلق بتنفيذ القرار 1546. ويبدو ان هذه الصيغة "الفضفاضة" التي اختيرت "بعناية" لإبعاد شبهة أيّ خلافات حول المؤتمر بين باريس والقاهرة، هي لإنجاز "تغطية دبلوماسية" كما يقول مصدر فرنسي مطلع للخلاف الأساسي بين باريس وواشنطن والذي تعمل القاهرة لتفاديه، ذلك ان باريس تريد "جدولة الانسحاب الاميركي من العراق" في جدول أعمال المؤتمر، في حين ان واشنطن لا تريد سماع مثل هذا البند حتى ولو جاء تنفيذه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية، فيما تعمل مصر التي تريد "تحقيق استعادة العراقيين لسيادتهم" لإنجاح المؤتمر. ولذلك فإن صيغة التنفيذ الكامل للقرار 1546 تعني حسب التفسير المصري الذي تقبله باريس خاصة بعد التأكيدات الفرنسية الرسمية بأنها لا تفرض الشروط لعقد المؤتمر وإنما الامكانات والقدرات التي تقود إلى انجاح المؤتمر، انسحاب القوات الاميركية استنادا إلى البند الذي يقول: "يتم مراجعة تكليف القوة الدولية، وتنقل السيادة الكاملة إلى العراقيين بعد مرور 12 شهرا على إصدار القرار"، علما انه صدر في 9 حزيران الماضي.
وهذا "الخلاف" ليس الوحيد لأن باريس تريد عقد المؤتمر تحت اشراف الأمم المتحدة في خطوة تعتبرها مهمة على طريق نقل مستقبل العراق وقضية الإعمار إلى الأمم المتحدة. ويبدو حتى الآن ان صيغة عقده "الواسعة" عبر دعوة الدول الصناعية الكبيرة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والدول المجاورة للعراق، تعني عملياً استبعاد الأمم المتحدة من صيغة الإشراف، على رغم أن باريس تريد عقد المؤتمر بمشاركة اعضاء مجلس الأمن الدائمين بما في ذلك الصين الشعبية.
إلى ذلك فإن فرنسا تريد ألا يتحول المؤتمر إلى قناة أميركية لتمرير تأجيل الانتخابات التشريعية في العراق وهي تتفق مع القاهرة حول ذلك. أخيرا ان الرئاسة المصرية "متفائلة" بتجاوز الخلافات ويجري الإعداد لبيان ختامي تشكل صيغته اطاراً لموافقة الجميع.
الاتفاق الفرنسي ـ المصري كان كاملا حتى حول أدق التفاصيل المتعلقة بالنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وقد أكد ذلك الرئيس المصري بقوله "ان مصر متفقة مع فرنسا، وتعملان معاً للعثور على حل للتوصل إلى السلام". كذلك أشاد الرئيس جاك شيراك كما قال الناطق الرسمي باسم الاليزيه "بجهود مصر للتعاون مع السلطة الفلسطينية في مجال الأمن".
وتتفق مصر وفرنسا على "أن خارطة الطريق هي الطريق للحل وأن الانسحاب من غزة يجب ألا يكون الأخير". وتبدي مصر ارتياحها "للتأييد الأوروبي لجهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، وتساند الضغوط التي تمارسها حسب الأوساط المصرية المرافقة للرئيس مبارك، من أجل تنفيذ خارطة الطريق". وتتفق باريس والقاهرة على أن "السبيل للخروج من النفق المظلم والدامي يتم من خلال وقف العنف في الأراضي الفلسطينية وتشجيع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي للعودة إلى طاولة المفاوضات، كما تؤيد مصر وفرنسا ضرورة التعاون مع واشنطن للتوصل إلى حل سلمي للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. ولأن باريس تدعم الاقتراح المصري إرسال 150 شرطياً للمساهمة في إعادة تشكيل القوة الأمنية الفلسطينية، فإن ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسي الذي سيزور اسرائيل خلال هذا الشهر سيبحث هذا الموضوع، خاصة وأن الرئيسين شيراك ومبارك استعرضا العقبات التي تقف أمام الجهود المصرية لمساعدة الهيكلية الأمنية الفلسطينية كما قال الناطق باسم الرئاسة المصرية.
وكانت عملية مواجهة الإرهاب حاضرة بقوة في المحادثات المصرية ـ الفرنسية، خاصة وأن القمة عقدت تحت "ظلال أحداث طابا". وتشدد مصر على ضرورة عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، خاصة وأن أحداث طابا كما أكد الرئيس مبارك "تزيد من عزمنا على مكافحة الإرهاب". وتوافق وباريس على رؤية الرئيس مبارك بأن ظاهرة الإرهاب تنتشر بسرعة وهي تزداد انتشاراً وبصورة خطيرة اذا لم تحل قضايا المنطقة.
جيروم بونافون الناطق الرسمي باسم قصر الاليزيه أكد ان كل الملفات المتعلقة بشؤون الشرق الأوسط "قد تم التطرّق إليها بشكل عام" بما في ذلك قرار مجلس الأمن 1559 المتعلق بلبنان وسوريا.
لكن بونافون رفض الاستفاضة مكتفياً بالتأكيد ان ملف السودان ومسألة دارفور نوقشا، وقد أبدت مصر ترحيبها بالموقف الفرنسي خاصة وأنها من خلال علاقاتها المتينة مع التشاد يمكنها المساهمة في حلّ مشكلة مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين من دارفور إلى التشاد.
وكانت باريس قد أرسلت مساعدة عاجلة قيمتها 200 الف يورو من المساعدات الغذائية والطبية إلى التشاد للمساهمة في إغاثة اللاجئين من دارفور.
ومن الطبيعي ان تكون تنمية العلاقات الثنائية المصرية الفرنسية "نقطة أساسية في المحادثات، خاصة وأن التعاون بين باريس والقاهرة يشهد طفرة هائلة على الصعيد الاقتصادي بعد ان وصل العام الحالي إلى مليار وثلاثمائة يورو، وهو سيشهد زخماً جديداً بعد وصول الغاز المصري بقيمة 400 مليون يورو إلى فرنسا.
وتأكيداً لكل هذا "الاتفاق والتوافق" المصري الفرنسي فإن الرئيس جاك شيراك سيقوم بزيارة لمصر، كما ان افتتاح المعرض الفرعوني الضخم الذي يضم تمثال توت عنخ امون والذي افتتحه الرئيسان مبارك وشيراك في معهد العالم العربي يشكل مناسبة جديدة لتأكيد عمق العلاقات الثقافية وتعلق الفرنسيين بالتراث الفرعوني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.