زغردت باريس. رقصت مرسيليا. اشتعلت الملاعب والساحات المفتوحة أمام سحر "زيدو". "هولي زيدان" صرخ الفرنسيون كلما تسلم "زيدو" الكرة. انتظروا ولم يخيب "الماتدور" آمال الفرنسيين. زين الدين زيدان، الجزائريّ الأصل، أصبح آخر ملوك فرنسا، بعدما سمّاه البرازيليون "الجزار"، لأنه أطاحهم مرتين. و"الماتدور" لأنه طعن "الثور" الإسباني الطعنة الأخيرة. واصطاد "الحوت" البرتغالي على مثال "عجوز البحر" في قصة ارنست همنغواي.
حتى المترو، زغرد، فقد نجح السائقون في اطلاق صوت أبواقهم على نغم الزغردة العربية، تحية لزيدان وفريق "الزرق" كلما وصلوا إلى محطة، مع أن القانون يمنع إطلاق أبواق المترو إلا في حالة الخطر. لكن للقاعدة استثناء، خصوصاً أمام دخول "الزرق" جنة نهائي المونديال.
لم يُصب "الزرق" الذين ارتدوا الأبيض بقرار من "الفيفا"، بالغطرسة. اتفق اللاعبون مع قائدهم زيدان، على أن يكون رأسهم في السحاب وأرجلهم على الأرض. تواضعوا كثيراً. اتفق الشيوخ وأبرزهم أكبر المدافعين سناً وبراعة تورام، وفييرا، وماكليلي، والشباب، تيري هنري وسانيول، والنجم الصاعد ريبييري، على ان يجعلوا من كل مباراة اختبارا لصبرهم وتضامنهم. في الفاصل بين الشوطين من المباراة مع البرتغال، هتف الفريق: "نعيش معاً أو نموت معاً". فالقرار كان واضحاً، أمام خطر البرتغاليين، أن يلعب الواحد للجميع والجميع للواحد على طريقة ونهج الفرسان الثلاثة في الماضي.
دافع "الزرق" في المباريات، وكأنهم يدافعون عن الحائط الأخير في منزل كل واحد منهم. وكان خيار الدفاع عبر بناء سور من أربعة لاعبين هم تورام وسانيول وكالاس وابيدال. ومهاجمان هما هنري وريبييري يدعمهما ويلتوورد. ومع ذلك عانى الزرق كثيراً خاصة بارتيز حارس المرمى، من هجمات البرتغاليين ومن محاولاتهم المتكررة في افتعال ضربة جزاء لحسابهم. وكان الرعب القاتل الذي حال دون هجمات خطرة لزيدان واللاعبين أن يرفع الحكم البطاقة الصفراء ضدهم. ذلك ان زيدان وخمسة لاعبين كان يمكن لأي واحد منهم ألا يدخل المباراة النهائية. ولذلك كله ساد الحذر الشديد من جانب زيدان كلما حاول أحد لاعبي البرتغال استفزازه، وقد وصل الأمر إلى درجة أن المذيع الفرنسي صرخ في الدقائق العشر الأخيرة: ارجوك يا زيدو حافظ على هدوئك. لا تجعلهم يستفزونك نحن بحاجة لك في النهائي.
ولأن كرة القدم لم تعد تُرسم على الورق استراتيجية وتكتيكاً، بعد ان دخل الحاسوب عليها، فإن "زيدو" الذي لعب حتى الآن 449 دقيقة، لمس الكرة ومررها إلى اللاعبين 373 مرة وقد نجح في إيصالها إلى اللاعب الذي يريده وفي الزاوية التي حددها 310 مرات وفشل 26 مرة فقط.
"زيدو" يريد أن يكون كأس العالم مسك الختام لحياته الكروية. والزرق يريدون أن يربحوا وأن يقدموا له هذه الهدية تأكيداً لقاعدة وضعوها لأنفسهم وهي: لا يكفي أن تكون نجماً، الأهم أن تلعب كرة القدم بروح الفريق. فاللعب الجَماعي هو الذي يحصن الفريق، ويدفعه إلى الأمام.
زين الدين زيدان، والزرق معه يعرفون أن المواجهة مع الايطاليين ليست سهلة، بل هي صعبة لأن ايطاليا هزمت فرنسا 17 مرة بينما لم تربح فرنسا منهم سوى سبع مرات.
ولذلك احتفلوا بفوزهم بسرعة، وهدوء لمتابعة التحضيرات مع مدربهم الذي كزميله الأسبق ايميه جاكي عانى استخفاف الصحافة والجمهور به حتى النصف النهائي من المونديال.
أما الساحر المتواضع زين الدين زيدان، فقد قال بعد الفوز على البرتغال: "علينا أن نفوز بالكأس. المهمة صعبة جداً. لكننا نملك الأسلحة اللازمة للنصر. نحن فريق من 23 لاعباً. وقد عملنا معاً من أجل ذلك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.