سقوط الجنرال جاي غارنر، وتغييب زلماي خليل زاد، ومجيء بول بريمر، زاد من قلق العراقيين ومخاوفهم، بدلاً من ان يطمئنهم على مستقبلهم. فهذا التغيير تمّ في واشنطن ونفّذ في بغداد لأسباب أميركية ـ أميركية، وقد أدى ذلك عملياً الى تأجيل إعلان الحكومة الموقتة التي طالما انتظرها العراقيون، وذلك لملء الفراغ الأمني والسياسي في البلاد.
الجنرال غارنر كان يعمل لإعلان حكومة موقتة في مدة أقصاها هذا الشهر وقد فشل. ومجيء بريمر يعني تأجيل الاعلان لفترة شهر إضافي كما يتوقع الكثيرون بمن فيهم الأميركيون. فالمندوب الجديد بحاجة الى تثبيت فريق عمله وتلقّي تقارير رؤساء الفريق والتي على أساسها سيتم حسم موضوع الحكومة الموقتة وقضايا الفراغ الأمني.
مصدر أميركي رفيع المستوى قال لـ"المستقبل" عن أهمية هذا التحول الأميركي الناتج عن عودة غارنر الى واشنطن ومجيء بريمر: "الجنرال غارنر جنرال متقاعد وطريقته في العمل عسكرية بحتة. فهو يعمل بعيداً عن فيلقه وإذا كان ذلك عملياً في العمليات العسكرية، فإنه في المجال المدني يؤثر في العمل وطبيعته، وبالتالي على نتائجه. أما بريمر فإنه ديبلوماسي متقاعد وخبير عسكري مهم جداً، وبذلك هو يجمع بين العملين المدني والعسكري لأنه يفهم العسكر، لكنه لا يعمل في العسكر ومهمته تقوم على إعادة تنظيم مؤسسات مدنية وليست عسكرية أي الموظفين والدوائر والمحافظات، وفي هذا الاسلوب فإنه أقرب الى المشكلات اليومية، فهو يملك حسّ الجغرافيا وأهميتها في الاقتراب والتعامل مع الناس والاطلاع مباشرة على نشاطاتهم وحاجاتهم".
ورداً على سؤال عما اذا كانت خبرته العالية في محاربة الارهاب، شكّلت سبباً أساسياً لاختياره للمهمة في العراق، سواء حاضراً أو مستقبلاً، أجاب المصدر الأميركي نفسه: "لقد جرى اختيار بريمر لأنه قريب جداً الى أفكار الرئيس جورج بوش وهو قريب من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز، والى جانب ذلك يملك خبرة واسعة في العمل. أما عن خبرته في محاربة الارهاب، فلا يوجد رابط بينها وبين اختياره".
وعن المهمة الأولى لبريمر في العمل قال المصدر ان بريمر سيعمل لإعادة ترتيب الأولويات وفي طليعتها مسائل الإغاثة والأنشطة الانسانية لأنها أصل المشكلة الأمنية حالياً.
ولا شك ان الوضع في بغداد لا يُحتمل، فهو أسوأ بكثير من أسوأ أيام بيروت في أثناء الحرب الأهلية وحكم الميليشيات. فالحركة تتوقف منذ الثامنة ليلاً، لأن الطرق مظلمة والسرقات المسلحة تصبح منظمة بعد ان تكون فردية أثناء النهار، في حين ان السارقين الصغار يسرقون البقايا من المؤسسات الرسمية، ويجري حتى الآن حرق ما تبقّى من المؤسسات الرسمية. فأول من أمس، أُحرق للمرة العاشرة ربما مبنى الاتصالات، في حين يعمل السارقون كما حصل في لبنان لسحب أنابيب الكهرباء والاتصالات لسرقة النحاس.
الى جانب ذلك، فإن أزمة البنزين جعلت التحرك في بغداد شبه مستحيل، فالصفوف أمام محطات المحروقات التي تحرسها الدبابات الأميركية يصل طولها الى سبعة كيلومترات وربما الى عشرة في أحيان عدة. ولذلك فإن أسعار السلع قد تضاعفت مرات عدة.
وبالنسبة الى الحكومة الموقتة، فإن عشرات الأسئلة تدور حولها وتبقى بلا إجابة: هل تكون حكومة مشكّلة من ممثلي الأحزاب الرئيسية أي ستة زائد اثنين كما أُعلن وهما حزب الدعوة وعدنان باجه جي، أم يشكّل مجلس وطني يمثل كل القوى، ومن ثم يتم اختيار حكومة موقتة يمكن ان يطلق عليها اسم حكومة وطنية تعمل لإعداد دستور للعراق، خصوصاً انه لا يوجد دستور منذ ثورة 14 تموز في العام 1958؟
ويبدو الآن ان كل المناقشات والمباحثات والمفاوضات بين الأطراف العراقية هي مجرد لعب في الوقت الضائع، وذلك حتى مجيء بريمر الرجل القوي الجديد وتحديد مدى نجاحه أو فشله.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.