8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الطالباني على أبواب السلطة في بغداد: العراق يجب أن يبقى في الجامعة العربية وأدعو الى علاقات جيدة بفرنسا

الأستاذ جلال الطالباني في بغداد هو نفسه الذي التقيناه وعرفناه في بيروت ودمشق وطهران وباريس. يقف على أبواب السلطة في بغداد ثابتاً مستنداً الى خبرة سياسية تكاد تصل الى حرفية متكاملة.
بادرني الأستاذ جلال الطالباني زعيم الحزب الوطني الكردستاني بالقول: "لبنان في قلوبنا، وإن شاء الله يستعيد عافيته كاملة، ومن واجب العرب أن يساعدوه وعلاقات العراق مع لبنان ستكون أحسن العلاقات". وأضاف: "الأستاذ رفيق الحريري، أستاذ في السياسة ونحن نحبه فقد أبدى دائماً عواطف جيدة تجاه العراق عموماً والشعب الكردي خصوصاً، أرجوك قدم له احتراماتي وتقديراتي. أريد رؤيته وسأراه عندما أزور لبنان".
في حديثه، يردد دائماً "لا تنسَ أني سوري الهوى"، ويشدد على أن العراق القادم يريد علاقات جيدة مع كل دول الجوار، وأنه يجب تدليل الكويت وعليها أن تسقط ديون العراق". ولا يتردد الأستاذ طالباني في إعلان أن العراق يجب أن يبقى عضواً في الجامعة العربية ودولة فاعلة في إطار الجامعة، مؤكداً أن ما من دولة عربية إلا وتقيم علاقة بإسرائيل، وأنه ضد مشروع توطين الفلسطينيين في العراق.
وأخيراً يشدد الطالباني في حواره الطويل مع "المستقبل" على وجوب قيام علاقات جيدة مع فرنسا على الرغم من كل الخلافات خلال الحرب لأن "فرنسا قدمت الكثير للعراق، خصوصاً للأكراد". وهنا نص الحوار.
تتحدثون عن حكومة موقتة في وقت أعلن فيه أن العراق دولة محتلة لمدة سنّة كاملة. إذن الحديث يجب أن يكون عن سلطة وطنية، ما رأيكم؟
ـ نحن لا نوافق على الاحتلال الأميركي. نحن وافقنا على تحرير العراق عن طريق الأميركيين، لأن التحرير أنقذ الشعب العراقي من حكومة ديكتاتورية جلبت الويلات والكوارث لهذا الشعب. لكن الاحتلال الأميركي مرفوض من جانبنا. نعم نقبل وجود قوات أميركية لفترة زمنية، وللأسباب الآتية:
1 ـ هذه القوات بإمكانها دفع الأخطار الناجمة عن النظام والحكم الديكتاتوري وبقاياه.
2 ـ منع التدخل الإقليمي بشؤون العراق الداخلية، وهذا أمر خطير جداً.
3 ـ تمنع الصدامات الداخلية.
لكل هذه الأسباب نعتقد أن بقاء القوات الأميركية لفترة معيّنة والى أن يتم إعادة تأسيس الدولة العراقية والجيش والقوات المسلحة والدوائر والهيئات والوزارات، لكن بعد ذلك نحن نرى عودة هذه القوات الى بلادها مع الاحترام والتقدير والشكر لإنجازاتها في العراق. أما الاحتلال وما يعطيه القانون الدولي من حقوق وصلاحيات للدولة المحتلة، فإنه مرفوض من جانبنا بشكل واضح.
من خلال الأخطار الثلاثة التي عدّدتها، أريد أن أسمع رأيكم في الحد الأقصى لفترة بقاء القوات الأميركية المحتلة في العراق.
ـ لقد قلت إن مدتها مرتبطة بإقامة الدولة العراقية ومؤسساتها وإعادة تشكيل القوات المسلحة. وهذه المدة لا تتجاوز السنتين. وأنا أريد أن أؤكد على أمثلة تاريخية حول وجود قوات أجنبية من دون احتلال لأنك تشدد على كلمة قوات احتلال. القوات الأميركية موجودة في ألمانيا ومع ذلك توجد دولة ألمانية مستقلة ذات سيادة.
هل توافقون على مثل هذا الحل؟
ـ كلا. كلا. لا أوافق. لكن يقول البعض طالما توجد قوات أجنبية لا توجد حكومة وإنما سلطة وهذا غير صحيح. مع بقاء هذه القوات يمكن أن توجد حكومة وطنية. فرنسا بعد الحرب، إيطاليا بعد الحرب، اليابان حتى الآن.
لكن الاختلاف كبير في العراق حيث يجب إعادة صياغة كل شيء بدءاً من المجتمع المدني..
ـ ألمانيا انهارت كل أجهزة الدولة فيها ولم يكن يوجد خوف من صدامات داخلية.
ولماذا قسمت ألمانيا إذاً بين شرقية وغربية؟
ـ لأنه كانت توجد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والحرب الباردة. كان يوجد اختلاف. وأنا في جميع الأحوال لا أعتقد أن ذلك يعتبر حجة ضد الحكومة الوطنية فهي تستطيع أن تكون موجودة في ظل قوات أميركية.
أنت تتكلم عن خطر صدامات داخلية، فهل يوجد هذا فعلاً، وما هو شكله وطبيعته؟
ـ نعم بين المتطرفين والمعتدلين.
من هم المتطرفون؟
ـ من كل الجهات. يعني متطرف قومي، عربي سني وكردي وشيعي. ويمكن اللعب على كل هذه الاتجاهات. التطرف هو عدو الاستقرار وعدو الأمان، سواء كان تطرفاً قومياً أو دينياً أو طائفياً أو عرقياً.
وكيف يمكن ضرب هذا التطرف؟
ـ يتم هذا من خلال حكومة انتقالية ائتلافية تمثل كل القوى.
وبطبيعة الحال من دون هيمنة طرف على الطرف الآخر.
ـ أنا قلت حكومة ائتلافية وليس حكومة منفردة، أي مشكلة من مجموعة أحزاب متآلفة ولا يسيطر فيها طرف على طرف آخر. الحكم القادم في العراق يجب أن يكون حكم الجميع، حكم العرب والكرد والتركمان والشيعة والسنّة، بحيث لا تنفرد قومية أو طائفة بحكم المركز والآخرون يحرمون منها، وإلا لن تكون الدولة العراقية موحدة وحدة حقيقية.
منذ وصولي الى بغداد، وأنا أسمع إذا صح التعبير أن "السنّة العرب" أخذوا بجريرة تبعية النظام السابق لصدام حسين. وإنه لذلك يتم تهميشهم وإبعادهم من قبل الجميع. وإن محاربة البعث تدمج بينهم وبين الحزب والحرب ضده. وهذا يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل العراق.
ـ أنا لا أوافق على هذا الرأي. أنا أعتقد أن اخوتنا العرب السنّة عانوا الظلم والحرمان من الحقوق القومية والديموقراطية مثلما عانى الآخرون.. صحيح أنه كان هنالك اضطهاد طائفي ضد العرب الشيعة، وكان هنالك اضطهاد قومي ضد الكرد ولكن اخواتنا السنّة تعرضوا أيضاً في إطار الاضطهاد العام لما تعرض له كل العراقيين. ثانياً لا توجد هيئة أو حزب جدّي يأخذ الاخوة العرب السنّة بجريرة النظام الديكتاتوري. نحن مثلاً كإتحاد وطني كردستاني أو الحزب الديموقراطي الكردستاني، نحن كرد سنّة ولنا علاقات جيدة مع العرب السنّة، لنا علاقات وثيقة مثلاً مع الحزب الإسلامي العراقي الذي هو حزب إسلامي سنّي، ولنا علاقات أيضاً مع العديد من الأحزاب القومية التي هي أحزاب سنّية وبالتالي لا يمكننا أن نتنكر أو ننكر على اخوتنا العرب السنّة الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها، ونحن لن نسمح بأن ينتهي حكم فئة على حساب فئة أخرى، بمعنى أن ينتهي الحكم الذي كان يُقال عنه أنه سنّي عربي، بآخر معادي للعرب السنّة مثلاً، أن يأتي حكم ذو صبغة شيعية ضد العرب السنة. نحن نؤمن بالمساواة بين العرب السنة والعرب الشيعة والكرد والتركمان وكل المواطنين العراقيين.
هنا يصل الحديث الى حزب البعث. حزب البعث كان يُقال إن عدد أعضائه مليونا ونصف، ولكن الملتزمين فعلاً والعاملين كانوا قرابة 50 ألفاً، ما هي طريقة عملكم لعدم أخذ المليون والنصف بجريرة الـ50 ألفاً باعتبار أن العراق لا يستطيع أن يستغني عن عمل وخدمات هذه الكادرات العاملة داخل الدولة وكانت منتمية للحزب؟
ـ نحن نعتقد أنه مثل ما قلت هناك عدد لا يتجاوز الخمسين ألف من العفلقيين الأصليين أو الذين أسهموا في ارتكاب الأخطاء والجرائم، لذلك نحن نعتقد فقط بحرمان هؤلاء من الحقوق السياسية والحقوق الوطنية لفترة معينة. وبقية البعثيين هم مواطنون مثلهم مثل سائر المواطنين، ينطبق عليهم المبدأ الذي يقول عفا الله عمّا مضى، وبالتالي لهم الحق بالاشتراك في الهيئات السياسية والوظيفية والانتخابية إلخ.. لكن هذا العدد الذي ارتكب جرائم واضطهاد وظلم ضد الشعب العراقي، هذا العدد يجب أن يُعزل لفترة معيّنة، يُعزل سياسياً وليس الى الأبد حتى يتمّ إرساء العراق على قواعد الديموقراطية، فكل مواطن عراقي له الحق في أن يعمل، ومن عليه جريمة أو تثبت عليه جريمة فإن الذي ارتُكبت الجريمة بحقه، عليه أن يراجع المحاكم. أنا أدعو الى عفو عام شامل بالنسبة الى الحق العام، العفو العام عن الحق العام، أرجو أن تفهمني، أما الحق الخاص فلكل مواطن الحق في أن يراجع المحكمة ويُطالب به. وبالتالي نحن يجب أن تسود بيننا روح التسامح. أعطيك مثلاً: أنا شخصياً لمّا سمعت بأن عوائل الرئيس العراقي، زوجته وبناته في محنة اتصل بي أحد أفراد عائلة المديد، فقلت له أنا مستعدّ لإيوائهنّ في كردستان ولأعطيهن بيوتاً بكل احترام وهذا حق.
باختصار هل أنت مع إصدار لائحة بـ30 أو 40 ألف بعثي لحرمانهم من العمل السياسي لفترة محدودة؟
ـ نعم والبقية لهم الحق.
ننتقل الى البند الثالث وهو عدم التدخل الإقليمي. العراق محاط بأربع دول عربية ودولتين شرق أوسطية هما تركيا وإيران، عندما تقول عدم التدخل الإقليمي فإن السؤال هو كيف ترى العلاقات مع هذه الدول؟
ـ أولاً أنا أعتقد أنه يجب أن تكون لنا أحسن العلاقات مع هذه الدول على أساس الاحترام المتبادل والاستقلال والسيادة لكل دولة. أنا أدعو لأحسن علاقة مع تركيا على أساس مبدأ التكافؤ واحترام استقلال تركيا واحترام استقلال العراق، ومثلما يقول الاخوة دائماً، احترام وحدة الأراضي العراقية والاستقلال العراقي والسيادة الوطنية العراقية. نحن نريد على هذا الأساس أحسن العلاقات مع تركيا وعلى هذا المبدأ أحسن العلاقات مع إيران، وعلى هذا المبدأ أحسن العلاقات مع سوريا ومع السعودية والكويت.
بالنسبة للدول العربية، كيف ترون علاقات العراق بهذه الدول، وهل سيبقى العراق دولة عربية في جامعة الدول العربية وعضواً فيها؟
ـ نعم أنا أعتقد أنه يجب أن نقيم أحسن العلاقات وأقواها وأمتنها مع الشقيقة سوريا، فأنا طبعاً سوري الهوى كما تعلم، لذلك أنا من دعاة أحسن وأمتن العلاقات بين العراق وسوريا، وأنا أعتقد أن الحكم العراقي الديموقراطي سيقيم علاقات قوية مع سوريا، أقوى مئة مرة من الحكم العفلقي الذي عادى سوريا السنين الطويلة. الحكم الجديد لن يعادي سوريا، بل بالعكس سيقيم معها علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية قوية جداً. أما بالنسبة لبقية الدول العربية، أنا أعتقد أنه يجب علينا أن ندلّل الكويت قليلاً لأن الكويت تعرّضت الى عدوان غاشم لا مبرر له في الماضي، ولذا يجب أن نقنع الاخوة الكويتيين بأن العهد الجديد في العراق ليس له أي أطماع في الكويت، وبأن العهد الجديد يعترف باستقلال الكويت، بحدود الكويت، بالدولة الكويتية، وأنه يجب أيضاً على الاخوة في الكويت أن يراعوا مصالح العراق، مثلاً أنا أقترح عليهم بعدما تعترف الحكومة الجديدة العراقية بحدود دولة الكويت وباستقلال الكويت وتعتذر عما قامت به الديكتاتورية من جرائم، أن تقوم الحكومة الكويتية بإلغاء الديون والتعويضات وتقديم المساعدات للشعب العراقي لبناء العراق الجديد.
والسعودية؟
ـ الشيء نفسه مع السعودية والأردن، ندعو لإقامة علاقات جيّدة مع الأردن وعلاقات صداقة، والعراق يجب أن يبقى في الجامعة العربية، يجب أن يبقى عضواً فاعلاً إيجابياً وليس العراق في العهد العفلقي الذي لعب دائماً دوراً سلبياً باستثناء فترة قصيرة في بداية العهد العفلقي عندما سحب القوات العراقية التي كانت موجودة في الضفة الشرقية لنهر الأردن بحجة أنهم يريدون التحرير من النهر الى البحر. هذه كانت حجة لسحب الجيش العراقي من الضفة الشرقية وانهيار الجبهة الشرقية لأنها من دون جيش عراقي لا يمكن أن تكون قوية، انهيارها تحت شعار كذّاب فضفاض.
بعد ذلك عادوا مصر وسوريا الى يوم وفاة الرئيس عبد الناصر. كانوا يشنّون عليه حملة ويسمونه الخائن وعدو الأمة العربية الى يوم وفاته. فرحوا كثيراً يوم توفّي الرئيس الخالد جمال عبد الناصر. العداوة مع سوريا استمرت الى سنوات قريبة. بعد ذلك حطّموا الصفّ العربي بعد غزو الكويت وكل ما راكمه العرب من أموال سُرِقت في حرب الخليج وبالتالي هدموا الاقتصاد العربي مجدداً. فالخدمات التي قدمتها الديكتاتورية الى أعداء العرب لا توازي الخدمة التي قُدّمت لهم. وبالتالي أعتقد أن هذه الحكومة الديكتاتورية هي التي حوّلت عملياً دور العراق من دور إيجابي الى دور تدميري تخريبي.
الحكومة الديموقراطية العراقية يجب أن تلعب دوراً فاعلاً في الجامعة العربية من أجل تطوير الجامعة العربية، من أجل تفعيل الجامعة العربية على أن يكون دور العراق في الشارع العربي دوراً فعّالاً ومفيداً ومثمراً.
وماذا عن العلاقات باسرائيل؟
ـ آه! لنكن صريحين، كل الاخوة يسألون هذا السؤال. لماذا لا تطرحون هذا السؤال على الاخوة في مصر وسوريا والأردن؟ أنا أتعجب لما يأتي به اخواننا العرب، يُفترض أن يسألوا ماذا عن إسرائيل؟ العراق دولة في الجامعة العربية، تلتزم بما تقرّره الجامعة العربية.
الجامعة العربية، أو مؤتمر القمةالعربية في بيروت أقرّ المشروع السعودي. أحياناً يسألوني هل للعراق علاقة بإسرائيل؟ وأرد. كلا، ولكن مَنْ مِنَ الدول العربية ليس له علاقة، أنا ليس عندي علاقة لكن أي من الدول العربية ليس لها علاقة مع إسرائيل. مرة صديق سوري كبير سألني هل أنت مدعو الى زيارة إسرائيل؟ مازحته وقلت له نعم. قال لي متى ستزور إسرائيل، قلت متى يصل السفير الإسرائيلي الى دمشق، لأطلب منه اليزا وأذهب اليها. يا حبيبي كل الدول العربية لها علاقة مع إسرائيل. مرة من المرات، المرحوم الملك حسين لمّا التقى بإسحاق رابين قال له رابين: هذا اللقاء العشرين يا جلالة الملك بيننا. الملك حسين صحّح له وقال هذا اللقاء الواحد والعشرين!
هذا السؤال طبيعي لماذا لأنه هناك خوف من مشروع لتوطين الفلسطينيين أو جزء من الفلسطينيين في العراق؟
ـ نحن لا نقبل هذا المشروع، لأن الاخوان الفلسطينيين يرفضونه، وأنا أيضاً ـ سألت سؤالاً جيداً ـ أرفض المعاملة السيئة التي يعامل بها الفلسطينيون. الآن الفلسطينيون بالعراق يُعاملون معاملة سيئة لا تليق بالشعب العراقي. العديد من العائلات الفلسطينية طُرِدت من شققها ومن مساكنها بحجة أنها كانت تؤيّد صدام حسين. أنا أعتقد أن هذا عمل لا أخلاقي وهذا عمل لا يليق بالشعب العراقي. الاخوة الفلسطينيون في محنة، مشرّدون علينا احترامهم وتقديرهم وأن نقدّم لهم المساعدة حتى إذا كنا غير راضين عن سياسة قادتهم.
أنا من الناس غير الراضين عن سياسة العديد من القادة الفلسطينيين تجاه الشعب العراقي. لقد وقفوا مع النظام الديكتاتوري ونسوا الشعب العراقي ولكن هذا لا يعني اتخاذ موقف عدائي من الفلسطينيين.
بالنسبة للاقتصاد العراقي الذي سيولد تحت إشراف الاحتلال الأميركي، ما هو موقفكم؟
ـ نحن ضدّ وضع الاقتصاد العراقي تحت الاحتلال أو الإشراف الأميركي. نحن ندعو الى أن يكون الاقتصاد العراقي بيد حكومة عراقية وطنية انتقالية ائتلافية.
هل من ضمن الترتيبات أن يكون مسعود البرزاني رئيساً للعراق وأنتم رئاسة كردستان؟
ـ هذه تكهنات، لكنني لا أعتقد أن هذه الأمور قد تقرّرت نهائياً. أنا شخصياً لا أطمح لأن أكون رئيساً لا لكردستان ولا للعراق، لكن إذا فُرِض علينا الأمر الواقع لن نتمرّد عليه.
بالنسبة للمجلس الوطني الذي يجري الإعداد له، هل تعتقد أنه سيتم عقده قبل أواخر حزيران؟
ـ نعم إذا لم يحدث اختلاف كبير بين الموقفين الأميركي والعراقي، في حال تمرير المشروع الأميركي المقدّم لمجلس الأمن، لا أعتقد أنه سينعقد بالشكل الذي كان متفقاً عليه.
وبالنسبة للمشاكل اليومية.. التسيّب الأمني والمعيشي وكل ذلك؟
ـ قررنا مراراً حل هذه المشاكل وقدّمنا اقتراحات عملية.
من يتحمّل مسؤولية ذلك؟
ـ أنا أعطيك مثلاً: في المتحف العراقي قلادة، قلادة أصلية وثلاث قلادات مزيّفة في ثلاث مجسمات بجانب المجسمة الأصلية. القلادة الوحيدة التي سُرِقت هي القلادة الأصلية لماذا؟ لأنه من سرقها يعرف أنها الأصلية.
لكن المتحف يوجد فيه مئتي ألف قطعة..
ـ هناك فريق أول هو عبارة عن الجياع، والفريق الثاني هو الموظفون في الدولة والعاملون المحرومون من الحقوق، والفريق الثالث هم البعثيون الذين نهبوا. الفريق الرابع مجموعة من المجرمين الذين أطلقهم صدام حسين قبل إسقاط نظامه.
وما هو دور الأميركيين في كل هذا؟
ـ طبعاً قوات الاحتلال تتحمّل مسؤولية ذلك، والعصابات الباقية من النظام المنهار تتحمّل أيضاً جزءاً لأنها تقوم بأعمال القتل والنهب والحرق.
هل تعتقد أن عمليات السلب التي حصلت كانت منظمة؟
ـ عمليات السلب التي حصلت في العراق كانت من ثلاثة أطراف. طرف حددناه منذ اليوم الأول وقلنا ثورة الجياع أو الفقراء في بغداد. بغداد بلد يضم خمسة الى ستة ملايين بشري، منهم الملايين من الفقراء المحرومين من حقوق الإنسان المعاصر. فهؤلاء وجدوا فرصة لمّا انهارت الدولة لأن يأخذوا شيئاً من حصّتهم من الدولة. الطرف الثاني من موظفي الدولة الحاقدين على الدولة. العديد من الدوائر نُهبت من قِبَل العاملين فيها.
أنا قلت المسؤولية من طرفين. الأميركيون كان بإمكانهم أيضاً أن يتخذوا بعض الإجراءات. مثلاً المتحف: كان بإمكان القوات الأميركية أن تبعث دبابتين وعشرين جندياً لحراسة المتحف، أنا أعتقد أن الأميركيين بُغِتوا بالانهيار السريع للنظام العراقي، لم يتوقعوا أن ينهار النظام بهذه السرعة. أنا أريد أن أحكي لك قصة. قبل عشرة أشهر كنا في أميركا والتقينا بالمسؤولين الأميركيين الكبار ومنهم رامسفيلد والجنرال مايرز. سُئلنا عن المدة اللازمة لإسقاط النظام في الحرب. أنا قدّرتها بأسبوعين الى ثلاثة. لم يُصدّقوا وكانوا يعتقدون أن صدام سيحوّل بغداد الى قلعة حصينة ويقاتل كقتال ستالينغراد. نحن قلنا يا اخوان نحن نعرف شعبنا وجيشنا وبلدنا. لم يصدّقوا، لذلك الأميركيين بُغتوا بالانهيار السريع للنظام العراقي. هم لم يعرفوا بغداد جيداً ولم يكونوا يتوقعون أن يحدث ما حدث من النهب والسلب لذلك لم يتخذوا الإجراءات التي كان يجب اتخاذها بسرعة مثل حماية المتاحف وحماية الأماكن العامة وحماية القصور. كان بالإمكان ألاّ يحدث ذلك، فالنهب حدث أمام أعين القوات الأميركية في بعض الأماكن.
قلت إن العسكري الأميركي كان يستطيع أن يمنع، هل القصد من كل ذلك، أنه توجد خطة مبيّتة لتدمير البنى التحتية؟ لماذا أحرق مبنى الاتصالات مرات عدة آخرها بعد شهر من دخول الأميركيين؟
ـ لا أوافق على هذا الرأي، أنا أعتقد أن الأميركيين قاموا بإنجاز كبير وهو تحرير العراق، هذا شيء يجب أن يُذكر لهم وأفاد الشعب العراقي، يجب أن نشكرهم لأنه لولا الأميركيين لبقي صدام حسين هو وابنه وحفيده يحكمون العراق. لذلك نحن نشكر قيامهم بتحرير العراق ولكن لاحقاً بدأوا يقعون في الأخطاء. هذه الأخطاء في رأيي ناتجة عن عدم إدراك الواقع العراقي وليست مقصودة، أي أن الأميركيين لا يريدون هدم البنية التحتية، الأميركيون أتوا لإعادة تعمير العراق ولكن هناك سوء تقدير. مثلاً: عيّنوا مسؤول على وزارة الصحة هو بعثي سابق، ما أدى الى قيام آلاف الأطباء والصيادلة بتظاهرات احتجاجية رافضين البعث وهذا البعثي وعندها ألغى الأميركيون هذا القرار. كان يجب إلا يعيّنوه أصلاً منذ البداية. هناك إذاً جهل بالواقع العراقي. هناك سوء تقدير للواقع العراقي. أنا لا أعتبر أن هناك شيئاً مدبراً ومخططاً له.
سؤال أخير هل تعتقد بوجود صفقة أدّت الى سقوط صدام حسين؟
ـ لا أعتقد. أنا كنت مقدّراً أن صدام حسين سيسقط لأنه كان معزولاً مكروهاً والجيش العراقي لم يكن سيبقى. كثير من الناس لم يكونوا يعرفون.. نحن كنّا نقول معنويات الجيش العراقي صفر. الجيش من دون معنويات كيف يقاتل؟ الجيش لم يكن مقتنعاً بأنه يجب أن يضحي من أجل هكذا نظام. الجيش كان مقتنعاً بأن هذا النظام يدخله في حرب مهلكة.. 8 سنوات حرب مع إيران، حروب مع الكويت، ثم العرب مع الأميركيين.. الجيش كان يدرك أن لا قدرة له على مواجهة الجبروت الأميركي ولذلك لاحظ نقطة تجاهلها الإعلام العربي وهي أن 60 الى 70 في المئة من أفراد الجيش العراقي هربوا وعندما بدأت الحرب بقي نحو 20 الى 30 في المئة من العديد وهذا غير كافي للقتال. ثم إن القيادة العراقية لم تكن قيادة حقيقية. الجيش العراقي وُضِع بيد أناس جهلة. مثلاً يأتي واحد مثل علي حسن المجيد المعروف بعلي الكيماوي وكان نائب عريف سائق لدى المرحوم حماد شهاب وليس نائب عريف عسكري. أحضروه وجعلوه فريقاً أول ركناً، فكيف يقود هذا الفريق العبقري الجيش العراقي! أو يأتي مثلاً ولدا صدام حسين اللذين لا يعرفان شيئاً عن العسكرية فيُعيّنان قادة وبِرُتَب كبيرة وغيرهم. الجيش وقيادة الجيش علم وفن وممارسة.
إذاً أنت ضدّ نظرية المؤامرة أو الصفقة؟
ـ نعم أنا لا أوافق لا على نظرية المؤامرة ولا على نظرية الصفقة. أنا كنت أتوقع من الجيش العراقي ألا يقاوم أكثر من ثلاثة أسابيع أو شهر..
كيف ترى العلاقات بفرنسا؟
ـ أنا أدعو الى علاقات جيدة بفرنسا.
وبالنسبة للاتفاقات التي عقدت مع فرنسا؟
ـ أنا أعتقد أن فرنسا دولة حضارية كبيرة ذات قيم خالدة في الديموقراطية والاشتراكية وحقوق الإنسان، وبالتالي أنا أعتقد أن العلاقة مع فرنسا يجب أن تكون علاقة جيّدة على الرغم من أخطاء السياسة الفرنسية الأخيرة تجاه العراق. أنا في الحقيقة كنت وما زلت على علاقة جيدة مع الأحزاب الفرنسية والحكومة الفرنسية، وكنت كل مرّة أكرر لهم يا اخوان يا أصدقاء يا أحباء لا تضعوا كل بيضاتكم في سلة الرئيس صدام حسين فقد تقع هذه السلة وتسقط، وكرّرت هذا مراراً وتكراراً لكل من التقيت من المسؤولين الفرنسيين لعلهم يتذكرون الآن أنه كنا نؤكد لهم ضرورة الاهتمام بالشعب العراقي الى جانب الاهتمام بالحكومة العراقية وأنه بالنظر الى أنه كانت لهم علاقة دائمة مع الشعب الكردي، كنّا نطلب أن تكون لفرنسا علاقات أيضاً مع الشعب العربي في العراق بمعنى أنه كان على فرنسا أن تقيم علاقات متوازنة كدولة.
وماذا عن الاتفاقات الموقّعة مع العراق؟
ـ أنا أعتقد أن كل الاتفاقات التي عُقِدَت في العهد السابق سيُعاد النظر فيها في المستقبل. وأنا شخصياً أميل الى أن تكون لنا اتفاقات مع فرنسا. أنا أميل الى علاقات عراقية ـ فرنسية جيدة.
كيف ترى العلاقات بلبنان؟
ـ عن جدّ أحب لبنان. لبنان كان بالنسبة لي ولسنوات طويلة الملاذ، خصوصاً خلال الفترة 1970 ـ 1975، ولي علاقات جيدة مع العديد من الاخوة اللبنانيين. وأنا أحب لبنان وجبال لبنان وبيروت.
نكتفي بهذا الحب للطبيعة، نريد الموقف السياسي.
ـ أحب الشعب اللبناني. وهو بنظري من الشعوب الذكية المؤمنة بالديموقراطية وهو شعب حضاري. لبنان كان مركز الحرية في الشرق الأوسط، ومنارة للحريات، ومتنفساً لكل العرب الذين يريدون التنفس، وفيه صحافة وعمل. إن شاء الله يستعيد لبنان عافيته ومن واجب العرب أن يساعدوه، إذا نحن في العراق نريد شيئاً فهو أفضل علاقات تجارية وسياسية وثقافية مع لبنان، وإن شاء الله ننجح في ذلك.
وبالمناسبة، أنا أحب الرئيس رفيق الحريري. وله موقف نحفظه له، فقد استقبل رئيس وزراءنا (كردستان العراق) وهو الدكتور صالح في مكتبه وقد أبدى عواطف جيدة تجاه العراق، وهو أبدى ترحيبه باستقبالي، فأنا عندما أذهب الى لبنان سيسعدني اللقاء معه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00