بادرني اياد العلاوي الأمين العام لـ"حركة الوفاق الوطني" بالقول: "لا تنس أن نصفي لبناني، فوالدتي ابنة توفيق عسيران، وأنا احب لبنان وأرغب دائماً بزيارته. ولذلك، الكلام عن علاقات وطيدة وممتازة وغنية بين العراق ولبنان تحصيل حاصل".
وأردف العلاوي وهو في وسط ديوانه بين عشرات من العراقيين يجمعهم مظهر واحد هو انتماؤهم إلى الطبقة المتوسطة وأنهم من الكادرات، "سأزور لبنان قريباً. وسألتقي الرئيس رفيق الحريري وكل اللبنانيين الاعزاء إلى قلبي وقلوب العراقيين".
هذه البداية الحارة للحديث جعلت الأسئلة كلها في قالب من الود، لكن ذلك لم يمنع من الخلاف، خصوصاً وأن اياد العلاوي بعكس أحمد الشلبي وجلال الطالباني لا يرى مانعاً من قيام "سلطة وطنية" في العراق، حتى قيام الدولة العراقية والعراق السيد والحر والمستقل.
وقد صادف ونحن نتحدث عن مستقبل العلاقات بين العراق وباقي الدول وخصوصاً فرنسا وألمانيا، أن دخل "السفير" الفرنسي ليتفق معه على موعد، ذلك ان أفضل الطرق للمواعيد في بغداد المحرومة من الاتصالات الهاتفية والعناوين الثابتة، هو الانتقال مباشرة. وبعد ان انهى حديثه "على الواقف" مع "السفير" الفرنسي (لأنه لم يتمّ تعيين سفير رسمياً حتى الآن)، عاد ليقول لنا: "سألتقي السفير الفرنسي بعد غدٍ هنا في هذا المقر الذي كان في النظام القديم مدرسة الإعداد الحزبي لحزب البعث، وحواري معه سيكون صريحاً كما كان مع الألمان، لكنه سيكون أخف حدة مع الآخرين".
يبقى ان اياد علاوي وإن كان احد الأطراف الستة في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية، فإنه يختلف في التفاصيل مع الآخرين وخصوصاً مع أحمد الشلبي ولا سيما في ما يتعلق بمصير الحزبيين من حزب البعث، إذ يبدو أكثر اعتدالاً في ذلك. وربما يعود ذلك إلى خلفيته السياسية القديمة إذ كان أحد أعضاء الحزب، واضطر إلى الهرب إلى لندن وتعرض للاغتيال. وهنا نص الحوار:
هل يمكن الحديث عن قيام حكومة موقتة أو عن سلطة عراقية وطنية في ظل إعلان الاحتلال البقاء في العراق لمدة عام؟
ـ لا. بوجود تدخل قوات التحالف في العراق من غير المعقول ان تشكل حكومة، ولكن الذي حصل والذي سيحصل هو تشكيل سلطة وطنية تتحول الى حكومة وطنية عبر وقت محدد. ونعتقد ان هذا هو الأفضل اذ لا يمكن ان تقوم حكومة وطنية بوجود قوات التحالف وبوجود مؤسسات التحالف الأخرى القائمة في العراق الآن، وإنّما يمكن ان تنبثق سلطة وطنية وتتحول وتنتقل مثلما حصل في ألمانيا واليابان ومثل ما هو موجود الآن مع السلطة الوطنية الفلسطينية. ما نناقشه الآن مع قوات التحالف هو مسألة الانتقال من السلطة الوطنية الى الحكومة الوطنية.
هل السبب في التأخير وجود خلافات في صفوف العراقيين إزاء الأمير يحيى؟
ـ لا لا، لا يوجد خلافات بين العراقيين ولكن يوجد تباين في وجهات النظر. هناك ناس تريد حكومة فوراً، وهناك ناس تريد حكومة بعد أسبوع، وهناك من يقول بسلطة كذا ولكن لا خلافات. المسألة تكمن في أن دول التحالف من جانبها استكملت عدتها، وتريد الآن ان تتواجد في العراق سياسياً، وكذلك الأميركيون حسموا الأمر بأن بعثوا "بريمر" السفير الذي أعطوه صلاحيات واسعة ووضعوه على رأس كل الهيئات الأميركية الموجودة سواء العسكرية منها أوهيئات الإغاثة إلخ.. فالحقيقة انه من الآن وصاعداً سيصبح هناك إسراع في عملية إنجاز السلطة الوطنية والحكم الوطني إذا شاء الله في العراق.
بالنسبة لطبيعة العلاقات مع "بريمر"، ما هو الجديد الذي جاء به؟
ـ الجديد الذي جاء به "بريمر" هو أولاً ان له صلاحيات واسعة من رئيس الجمهورية والكونغرس الأميركي. ثانياً بريمر الآن هو مسؤول عن كل المؤسسات الأميركية الموجودة في العراق سواء العسكرية منها أو المدنية، وهذا يحصل لأول مرة بعد ان حُرّر العراق، وعملياً هذا الجديد عند بريمر. والجديد أيضاً أو الشيء الخاص الذي لدى بريمر هو يريد مع دول التحالف الأخرى وبسرعة ان تُعاد الخدمات ويُبسط الأمن حتى يتمكن العراقيون من ان يناقشوا مسألة تكوين الحكم الوطني.
التسيّب الأمني غريب في البلد؟!
ـ جداً، ولكن لا يزال أقل من التسيّب في زمن صدام حيث كان القتل منظماً والذبح منظماً.
الآن هناك فوضى القتل، فوضى منظمة.
ـ الآن هناك فوضى وليس قتل، ولكن سرقات قتل لم يحصل حتى الآن ولكن في زمن صدام كان هناك قتل مستمر، نهب مستمر وانعدام الأمن والسلطة كانت تمارس القتل المستمر، سلطة صدام المقبورة كانت تمارس القتل.
بالنسبة للاحتلال الأميركي، هل لديكم تصور حول مدة بقاء الأميركيين في العراق؟
ـ لا تسميه احتلالاً.
هم أعلنوه احتلالاً.
ـ لا، لم يعلنوه احتلالاً ولكن استعملوا الكلمات المتعارف عليها في مجلس الأمن. أسألك سؤالاً: لنفترض انه ليس هناك من قوات أميركية هنا في العراق وليس هناك قوات تحالف، ماذا تعتقد سيحدث؟
حالياً أنتم تعرفون أكثر.
ـ لا، جاوبني.
ما هي المخاطر التي تهدّد العراق؟
ـ لهذا السبب نعتقد ان وجود القوات الأميركية وقوات التحالف في هذه المرحلة والى حين قيام حكم وطني، مسألة مهمة لحماية العراق والعراقيين في الداخل وفي الخارج. هناك مخاطر خارجية ومخاطر داخلية. لولا وجود القوات الأميركية وقوات التحالف الأخرى لكانت حصلت مذابح كثيرة في العراق.
هذا ما أريد السؤال عنه، ما هي المخاطر الداخلية؟
ـ كثيرة.
حرب أهلية؟
ـ كلا، هذا الخطر انتهى الآن بوجود قوات التحالف. هذا الخطر تراجع حقيقة تراجعاً كبيراً. نظام صدام قسّم العراق الى طوائف وشرائح وقوى وقوميات، وللأسف عمل على تقسيم البلد. الآن بدأ البلد يجمع نفسه مرة أخرى بهدوء ولكن حتى إنجاز عملية قيام السلطة الوطنية يبقى لقوات التحالف وجودها لأن هذه مسألة مهمة لضمان الأمن.
ولكن هذه تفتح الباب استناداً الى تجربتنا على نقاش حول مقوّمات وشروط قيام الوحدة الوطنية.
ـ كلا، الوضع مختلف في لبنان يا عيني، لبنان له خصوصيته والعراق له خصوصيته. لا نعتقد ولا في نية الأميركيين أو الإنكليز، أو الاستراليين ان يبقوا فترة طويلة في العراق، هم موجودون في الخليج وغير الخليج ولكن معلوماتنا من خلال اللقاءات المستمرة مع الإنكليز والأميركيين، ومنذ قليل مع الأستراليين والفرنسيين الذين يريدون موعداً، ان الاتجاه كله هو الإسراع لتشكيل الحكم الوطني العراقي لكي تنسحب القوات المتحالفة.
ولكن هناك كلام يقول ان انسحاب القوات الأميركية ومع إقامة قواعد عسكرية أساسية في العراق لتعويض قاعدة الأمير سلطان في السعودية وقاعدة أنجرليك في تركيا وتحويل العراق الى ما يشبه حاملة طائرات في المنطقة.
ـ والله لا أعتقد ان هذا شيء وارد في الحسابات بالنسبة للعراقيين، بالنسبة للأميركيين لا أعتقد أنهم سيبقون قواعد هنا، لأن التكنولوجيا العسكرية والاستراتيجية العالمية تغيرتا، فقد رأينا في حربهم التي شُنّت على صدام ونظامه انه لم تُستعمل قواعد بمعنى القواعد في السعودية بل استُعملت القوات من مسافات بعيدة. ولا أعتقد ان الأميركيين يروق لهم ان يُبقوا جنودهم منتشرين في العالم. هذا شيء أثبت انه مؤذٍ لهم بدليل ما حصل في السعودية في الآونة الأخيرة وفي المغرب إلخ.. من الصعب ان يبقوا القوات العسكرية ولكن بالتأكيد سوف تسعى أميركا الى ان تساعد على قيام نظام أمني متوازن في المنطقة، وهذا شيء نحن نصبو اليه كعراقيين، لسنا على استعداد بعد سنة أو سنتين ان تجري حرب بيننا وبين إيران أو مع تركيا أو السعودية إضافة الى قصّة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. يعني حقيقة نريد المسألة ان تختلف الآن.
بالنسبة للعلاقات مع العرب والدول العربية والجامعة العربية وإسرائيل، ما هو تصوّركم لها؟
ـ نحن كحركة نعتبر ان علاقاتنا العربية يجب ان تبقى علاقات متميّزة، وبصراحة نحن لسنا على استعداد للتفريط بالعلاقات العربية التي لدينا، ونعتبرها موازية إذا لم يكن أكثر لعلاقاتنا مع الدول الأخرى في العالم وعلى رأسها أميركا. نحن حريصون على علاقاتنا مع سوريا، مع لبنان والأردن والإمارات ومع كل الدول العربية حقيقة وعلى ان تكون علاقات متينة ومستمرة.
بالنسبة للبنان الذي هو موضع لغط، ما موقعه في هذه العلاقات؟
ـ أنا نصف لبناني أصلاً، فوالدتي عسيرانية. لبنان يتمتع بموقع خاص بالنسبة لنا على الرغم من انه هناك ملامة على الحكومة اللبنانية، خصوصاً على الرئيس اللبناني انه اندفع أكثر من اللازم في تأييد نظام صدام، ونعتقد انه لم يكن لديه صورة واضحة. كان يُفترض ان يقف لبنان أكثر مع الشعب العراقي، ونأمل ان يحصل هذا لأن لبنان رمز للكرامة والحرية والانفتاح والحضارة دائماً. بالتأكيد للبنان موقع متميّز في ذهننا وقلبنا وضميرنا وسنسعى الى تقوية الأواصر مع لبنان.
وأساساً نريد كحركة ان نهيئ وفداً قد أرأسه ونزور لبنان للاجتماع بالقوى السياسية والإدارة. وأريد منك ان تبلغ الرئيس الحريري تحيّاتنا واعتزازنا به وبلبنان وبرغبة حقيقية ان نأتي في أقرب فرصة ونجتمع بالمسؤولين ومع الأحزاب والحركات السياسية، وكذلك مع القطاع الخاص أعتقد انه بإمكان القطاع الخاص اللبناني ان يساهم في إعادة التنمية في العراق.
بالنسبة لفرنسا؟
ـ صراحة، لدينا كلام مع فرنسا وألمانيا، مع ألمانيا نحن طالبنا رسمياً بأنه يجب ألا تعتذر ألمانيا فحسب على الذي قامت به وإنما ان تدفع تعويضات للشعب العراقي وسنصرّ على هذا الموضوع.
لماذا التعويضات؟
ـ لأن ألمانيا جهّزت صدام بأسلحة دمار شامل والآن لدينا وثائق تؤكد ان هذه الأسلحة استُعمِلت ضدّ العراقيين وجهّزتها شركات ألمانية مهمة. عندما يتم تشكيل السلطة الوطنية والحكم الوطني سوف نرسل وفداً رسمياً الى ألمانيا لمطالبة الحكومة الألمانية بالاعتذار والتعويض.
بالنسبة لفرنسا.
ـ فرنسا عليها ان تعتذر للعراقيين، وهذا قد بلغناهم اياه في لندن. فرنسا أطالت معاناة الشعب العراقي عندما أرسلت إشارات غير حقيقية الى صدام أنها ستسعى الى منع الحرب وستسعى الى إعادة تأهيل نظام صدام دولياً، مما جعل نظام صدام في وضع المتشنّج وانه تصوّر ان القوى الدولية ستعمل لإعادة تأهيله. لهذا السبب فرنسا تسبّبت بجزء من الحرب وعليها ان تعتذر. ألمانيا جهّزت أسلحة دمار شامل (محركات ألمانية طبعاً) ويتعين عليها التعويض عن 5000 عراقي و6000 كردي قتلوا خلال دقائق.
هل توافقون على ان يكون البرزاني رئيساً للجمهورية المقبل للعراق؟
ـ والله نحن كعراقيين نريد مساواة بين الكردي والعربي والتركماني والشيعي والسني والمسيحي والمسلم، وعلينا ان نقبل بأي واحد مؤهّل ان يصير رئيساً للعراق.
ولكن الكلام في هذا الموضوع سابق لأوانه. نحن في المرحلة الأولى وهي مرحلة سلطة وطنية ومن ثم ننتقل الى حكم مستقل وطني عراقي في عملية الانتقال، ما يتفق عليه الشعب العراقي سيحدّد طبيعة الحكم ومن يتولى المسؤولية وإلخ..
ولكن هذا ليس قبل عامين؟
ـ قد يحصل قبل عامين، ممكن ان يحدث، في أميركا تفاؤل بالستة أشهر لبريمر. ولكن نحن كحركة نعتقد أنه تكفي سنة لتأسيس الحكم الوطني العراقي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.