8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حوار ساخن ومثير مع منظم أول استطلاع للرأي بعد سقوط صدام

لا يختلف اثنان في العراق على أن فورة الأحزاب وقد تجاوز عددها السبعين، وإصدارها الصحف وهي تزيد عن 35 يومية وأسبوعية، تعبر أساساً عن توق العراقي للحرية، ولذلك فإن أولى خطوات تجسيد هذه الحرية هي إصدار الصحف وإنشاء الأحزاب. وعلى الرغم من إدراك العراقيين أن الصحف التي تصدر ليست صحفاً حقيقية وإنما هي نشرات حزبية، وأن الأحزاب المتشكلة بحاجة الى فترة زمنية طويلة لكي تستحق شرعيتها ووجودها ودورها، فإن العراقيين، يرحبون بهذه الظاهرة ويشاركون في إنمائها، إذ يكفيهم أربعون عاماً من الصمت وعدم التفكير تحت وطأة الخوف!
لكن هذا التوق الشرعي لدى العراقيين للحرية، فتح الباب أمام نشوء حالات خاصة يصعب تصديق حصولها فكيف بتحمل طروحاتها. من هذه الحالات، حسين سنجاري رئيس "معهد العراق للديموقراطية في بغداد"، والذي يصدر صحيفة أسبوعية يستعد لجعلها يومية هي "الأهالي" وصحيفة بالانكليزية أسبوعية يستعد أيضاً لتحويلها الى يومية.
حسين سنجاري، صديق كنعان مكية والزميل حازم صاغية كما يقول، يعتبر الاحتلال الأميركي "ايجابياً" وهو يريده دائماً "لأن المهم الرفاه أما السيادة والاستقلال فهما برأيه من القرن التاسع عشر والقرن العشرين".
وعلى الرغم من الشكوك والتحفظات التي تحيط بطرح سنجاري وأمثاله فإن الاطلاع عليه يبقى مفيداً في زمن المشروع الامبراطوري الأميركي خصوصاً أنه يشكل حلقة من سلسلة متفاوتة الأحجام والأنواع، تدعو الى مثل هذا الفكر التدميري تحت العلم الأميركي المرفرف على كل منطقة الشرق الأوسط.
* * *
لديكم مركز استطلاعات وقد أجرى استفتاءات لأول مرة في العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، هل لكم أن تعطونا صورة عن الاستفتاءات التي أجريتموها؟
ـ هو مركز استطلاعات للرأي، ونحن بدأنا باستطلاعات الرأي في المناطق الكردية في السليمانية وأربيل ودهوك التي كانت خارجة عن سيطرة النظام، لكن بعدما تحررت بغداد والموصل أجرينا أيضاً استطلاعات رأي في بغداد والموصل وذلك لأول مرة في تاريخ العراق.
وماذا كانت نوعية الأسئلة وحصيلتها؟
ـ أول استطلاع رأي أجريناه في مناطق بغداد والموصل كان للأهالي (1000 شخص) بصورة اعتباطية، وكان من مجموعات نساء ورجال ومن مجموعات شباب وكبار السن، وقد أجريناه بصورة اعتباطية مثل ما قلت لكن اختيار الناس لعب دوراً بالنسبة للأعمار وبالنسبة للنساء والرجال، وكان السؤال "هل تؤيد قيام حكومة إئتلافية من شخصيات المعارضة العراقية أو تفضل أن تقوم إدارة أميركية بصورة موقتة لحين إجراء الانتخابات النيابية؟"، وأيدت الأغلبية الساحقة إقامة حكومة موقتة أميركية وليس من المعارضة. وعملنا استفتاء آخر أيضاً في مدن البصرة وبغداد وكان السؤال "هل تفضل أن يكون رئيساً للإدارة الموقتة في العراق لحين إجراء الانتخابات النيابية: أولاً أحمد الجلبي رئيس المعارضة العراقية والمؤتمر الوطني العراقي، وثانياً طومي فرانكس؟"، وتبين أن الأغلبية الساحقة تؤيد طومي فرانكس رئيساً للإدارة.
هذا يعني أن العراقيين يفضلون أن يستمر الحكم الأميركي للعراق، من دون تدخل السياسيين العراقيين.
ـ نتائج الاستطلاعات التي أجراها مركزكم المسمى "مركز فكري لاستطلاعات الرأي" تفيد أن الشارع العراقي لا يحب الأحزاب ولا يفضل القيادات الحزبية ولا ينظر للأحزاب أو لأحزاب كانت معارضة بقدر كبير من الاحترام. ولكن نتيجة كل ذلك هو استمرار احتلال الجيش الأميركي للعراق.
ـ نعم.
وأنت ما هو رأيك في هذا؟
ـ رأيي أن هذا احتلال، ولكن احتلال تحريري وليس احتلالاً استعمارياً، وأنا أتصور أن هناك فرقاً بين قوة تحتل بعدما تحررك وقوة تحتلك لأغراض استعمارية، فالقوة الأميركية التي احتلت العراق هي قوة تحريرية وليست قوة استعمارية، وهكذا نقدر أن نقارن الوضع بما حدث في اليابان أو المانيا أو فرنسا، لكن لا يمكن مثلاً مع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية أو فرنسا في الأراضي الجزائرية مثلاً.
ولكن الجزائر تخلصت من الجيش الفرنسي أما ألمانيا فقد بقي الجيش الأميركي فيها، فهل تؤيد بقاء الجيش الأميركي في العراق وهل توجد فترة محددة لذلك في تصورك؟
ـ نعم أنا أفضل أن يبقى الجيش الأميركي ويساعد العراقيين على الاندماج مع العالم والاندماج مع العصر والأفكار العالمية والقيم العالمية، وهذه ليست مواضيع يمكن أن تثار مع الناس الذين لديهم أفكار وطنية وقومية تعود الى القرن الماضي، وللقرن القبل الماضي أي قبل القرن التاسع عشر أو القرن العشرين في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذه بداية القرن الواحد والعشرين وأتصور أن الأفكار التي تسمي نفسها أفكار الثقافة الوطنية والأصالة الوطنية لا تنسجم مع الزمن الحالي ومع رفاه الناس، وأن رفاه الناس هو المهم وليس الشعارات.
الرفاه، تحت الاحتلال شيء جيد برأيك؟
ـ أنا لا أسميه الرفاه تحت الاحتلال، الرفاه هو شيء جيد، لكن عندما تكون هناك حكومة وطنية لا تجلب الرفاه وتجلب عدم الاستقرار وعدم الأمان والحروب والأزمات الداخلية، فلا يمكن أن أسميها جيدة وأشجعها فقط لأنها حكومة وطنية ومن أحزاب وطنية..
ولكن هل تشجع بقاء الاحتلال لأنه يجلب الرفاه؟
ـ نعم.
حتى ولو كان احتلالاً أجنبياً؟
ـ طبعاً بالتأكيد. الفارق أن الأجنبي ليس شيئاً غير جيد وشيئاً سيئاً والوطني هو شيء زين وشيء جيد، هذا ما رأيناه بأم أعيننا من صدام وأنظمة أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
لديك صيغة تقول بأنه يوجد احتلال إيجابي؟
ـ نعم يوجد احتلال إيجابي عندما يساعد الناس على الاصلاح الديموقراطي وعلى إيجاد حرية صحافة واستقلال القضاء والعدالة والمساواة والكرامة للمواطنين، ويعمل هذا الاحتلال فعلاً لكي تتمكن الناس من أن تصنع لنفسها أحزاباً ومنظمات المجتمع المدني، طبعاً هذا شيء جيد، ولكن ليس لأنه احتلال هو شيء سيئ.
باختصار شديد، أنت تؤمن بأنه يوجد سيادة وطنية وكرامة للإنسان العراقي تحت الاحتلال الأميركي الإيجابي؟
ـ حقيقة الذي يعرف الاقتصاد العالمي والتطورات العالمية وحضرتك تشتغل في مؤسسات إعلامية تعمل عبر الساتلايت وتبث في كل مكان وهذا يعني ثورة الاتصالات في العالم.. لا أتصور من المفيد كثيراً أن نتكلم عن السيادة الوطنية وعلى أشياء من القرن الماضي.
يعني السيادة الوطنية أصبحت شعاراً قديماً؟
ـ لا، ليس مهماً هذا، المهم هو رفاه الناس روحياً ومادياً وثقافياً والغنى في الروح والغنى في حياة الناس وفي معيشة الناس، هذه هي الأشياء المهمة. السيادة والأشياء التي كان مفكرون من القرن الماضي يتحدثون عنها لا تفيد، صدام أيضاً كان يحكي فيها، وهذا الخطاب من الماضي.
والحرية؟
ـ الحرية شيء مهم جداً.
وكيف توجد حرية تحت احتلال سواء كان إيجابياً أو سلبياً؟
ـ وكيف تكون هناك حرية في ظل ظالم وطني؟
هل يتم استبدال ظالم وطني بمحتل أجنبي؟
ـ المحتل الأجنبي ليس ظالماً، المحتل الأجنبي هو الذي حررك من الظلم وساعدك على الديموقراطية وعلى مجيء الحرية وعلى أن تكون جزءاً من العالم وليس جزءاً في هامش العالم أو خارج العالم. الظالم الوطني جعلك خارج العالم، خارج الكرامة، المحتل الأجنبي الذي حررك حررك على أساس أن تكون جزءاً من العالم، جزءاً من حضارة العالم، جزءاً من تفكير العالم، وليس على هامش العالم. أما أن نحكي فقط بشعارات وطنية فإنها في آخر المطاف جرّت علينا الويلات وجعلتنا نتأخر أكثر ونعيش في هامش التاريخ وغير مؤثرين. أنا أريد أن أكون مؤثراً في نفسي وفي مصيري وفي مصير البشرية.
كيف تكون مؤثراً في مصيرك ومصير البشرية والقرار لن يكون بيدك ولكن بيد المحتل الأميركي؟
ـ هذا كلام يقوله القوميون والإسلاميون والفكر الماضي. الشيء المهم أن المحتل الأجنبي في هذه الحالة، المحرر الأميركي، سيحضر لنا مواد منهج دراسي يفتح العقل والآفاق ويفتح أفق التلاميذ روحياً وبشكل خلاق ومبدع. هذه أشياء مهمة، أنا أريد للناس عندنا أن تفكر بطريقة حرة وخلاقة.
وسواء كان أجنبياً أو حماراً أجنبياً فالمهم أن يساعدني.
شكراً.
ـ أنا تكلمت عن الحرية، الحرية هي المهمة.
لماذا إذاً ككردي تطالب بدولة كردية وبوحدة الأكراد؟
ـ لا تهمني الدولة الكردية، تهمني الحقوق الكردية، الدول العربية وشعوبها ليس لديها حقوقاً وليس لديها حرية. الدولة غير مهمة، الأرض غير مهمة، الحقوق هي المهمة. الفكر الإسلامي، الفكر القومي كله من الفكر الماضي.
أنت ضد القومية الكردية؟
ـ أنا ضد الفكر القومي سواء كان كردياً أو كورياً أو طاجيكياً أو لبنانياً أو عربياً.
لا يهمني هذا الشيء. الفكر القومي هو الذي باسم القومية وباسم التاريخ والحضارة والأصالة الثقافية، أخرنا كثيراً واستباح الحريات وحقوق الناس.
باختصار، هل من مشكلة إذا أخذ الأكراد في تركيا حقوقهم؟
ـ هذا شيء جيد، يجب أن يأخذوا حقوقهم لأنني أتكلم على الحرية والحقوق شيء مهم والحرية شيء مهم جداً وهذه أشياء مقدسة.
باختصار هل يعنيك قيام دولة كردية؟
ـ هذا لا يهم، قيام دولة كردية لا يهمني لكن تمتع الأهالي بالحقوق والحرية هو شيء مهم جداً ويأتي على رأس الأولوية في القائمة لأن هذا شيء مقدس، ولهذا السبب أنا ضد الفكر القومي، لأن الفكر القومي يتكلم عن الأرض وأن الأرض شيء مقدس. كلا الأرض غير مقدسة والحقوق هي مقدسة، الحرية هي مقدسة.
ولكن لم الفلسطينيون يقاتلون، وما رأيك بذلك؟
ـ الفلسطينيون لديهم حقوق ولازم أن تتحقق حقوقهم وهم عندهم استعمار استيطاني، نحن تكلمنا على الاحتلال الاستيطاني أو الاستعماري وتكلمنا على الاستيطان التحرري.
الدولة العبرية لا تعطي الحرية للفلسطينيين لكن الاحتلال الأميركي يعطيني الحرية، وهذا شيء مختلف، ولهذا السبب ليس كل احتلال أجنبي هو سيئ أو جيد. لكل حالة مواصفات معينة والواحد يدرسها ولكن المهم في آخر المطاف هو الناس، البشر، وهذه الفكرة هي التي تميز الفكرة الإنسانية عن القومية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00