8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران تعتبر أن الوجود السوري كان قيداً لها وأن السلم الأهلي في لبنان أساس قوته

علاقات الجمهورية الإسلامية في إيران، مع كل من سوريا ولبنان، تبدو من طهران معقّدة جداً، على الرغم من كل الكلام البسيط حولها، الصادر عن المسؤولين والخبراء، والمنطلق من التاريخ وصولاً الى الاستراتيجية، ولا شك في أن التشابك والاشتباك اللبناني ـ السوري وفي ظل هذه المرحلة الصعبة والدقيقة وحتى المصيرية للإيرانيين ومعهم المنطقة هو الذي يرفع من درجة التعقيد المبني على الحذر الشديد.
طهران المحكومة والمسيرة حالياً بهاجس "الدور الإقليمي" القائم بالنسبة لها "تاريخياً" لكن الذي تتم إعادة صياغته على أسس جديدة نتيجة للتحولات الكبيرة في المنطقة والعالم وعلى وقع أزمة الملف النووي، تقع علاقاتها مع سوريا ولبنان في إطار متميّز. وهي تريد المحافظة عليها وتطويرها من دون أن يؤدي أي خطأ في الحسابات الى السقوط في فخ لا تريده أو الانزلاق باتجاه قرار لم تحسب نتائجه بدقة.
جواز التعددية في العلاقات
يجمع الإيرانيون على مختلف مواقعهم وإتجاهاتهم على أن علاقات الجمهورية الإسلامية مع سوريا، هي علاقات "زواج". وهذا الإجماع تقابله "تعددية" في وصف "طبيعة" هذا الزواج. وحتى لا تقع الشبهة، فإن ديبلوماسياً إيرانياً سابقاً يقول جازماً: "ليس في السياسة وعلاقات الدول بين بعضها البعض زواج كاثوليكي فهذا غير موجود لأن المصالح تتغير وطبيعة الأنظمة تتغير مثلها في ذلك مثل سياساتها الاستراتيجية". ويشدد مسؤول إصلاحي سابق "إنه على الرغم من كل العلاقات الوثيقة مع سوريا والتي أصبحت تاريخية بمعنى نشوئها وثباتها منذ الثورة، فإن الزواج بين طهران ودمشق يبقى من نوع "زواج المتعة" أي زواجاً موقتاً على الرغم من كل مفاعيله الشرعية". لكن مسؤولاً متشدداً يذهب الى أبعد من ذلك فيقول "إنه زواج إسلامي. والتعددية فيه شرعية".
أما العلاقات مع لبنان، فيتم اختصارها بدقة بالقول: "إنها علاقة الحبيب بالحبيبة". وفي تفاصيل ذلك يعود الى التاريخ وكيفية تشكل الحوزات العلمية والدور الذي لعبه جبل عامل في ذلك. ومن دون الدخول في التفاصيل الكثيرة توالت عبر قرون يشدد أحد الخبراء على القول: لم تتوقف هذه العلاقة. ومثلما تأثرت إيران بجبل عامل فإن لبنان تأثر بحوزات قم. ولذلك فإن السمة الأساسية في هذه العلاقات القديمة هي التبادلية والتواصلية".
المشاركة لا تعني التطابق
ومن التاريخ الى الحاضر، فيؤكد مسؤول سابق على "إن سوريا ليست مهمة بذاتها، إنها الممر الى لبنان وأفغانستان، وهي ليست العراق. نحن نحفظ الدور التاريخي لسوريا مع الجمهورية الإسلامية، خصوصاً منذ بدايات الحرب مع العراق. هذا الموقف الذي منع تحوّل الحرب العراقية ـ الإيرانية، الى حرب عربية ـ فارسية، ولكن إرادتنا في استمراريتها لا تعني مطلقاً أننا ننسى أو نتناسى كل ما يحيط بها، ولا التحولات التي دخلت عليها، وعلى طبيعة التوازن فيها. ومن الطبيعي في أي علاقة استراتيجية أنه مهما كانت المشاركة في الثوابت كبيرة فإن ذلك لا يعني بالضرورة التطابق".
وقواعد هذه العلاقة تبدأ من الحرب مع العراق لكنها دائماً تقوم على خصوصية العلاقة مع لبنان. ويقول خبير إيراني مطلع وقريب من المتشددين: "العلاقات مع سوريا لا يمكن أبداً أن تكون على حساب لبنان. وإيران لا يمكن لها أن تبيع لبنان لسوريا". وفي محاولة لوصف هذه العلاقة، يقول المصدر نفسه: "لبنان هو أحد فصول تنوع علاقاتنا الخارجية. ومع لبنان فإن هذه السياسة تتميّز بالتنوع والتوازن. أما العلاقة مع سوريا فإنها على خط واحد محكومة بالطبيعة المحددة والمحدودة. والعلاقة في لبنان على الرغم من الخصوصية والمتميّزة مع الشيعة وحزب الله فإنها تسعى وتعمل لأن تكون مع جميع الأطياف اللبنانية، ولذلك فإننا نرى دائماً أن لبنان المتنوع يقوم على التفاهم. ولبنان القوي يعني لبنان الموحد، مضيفاً لذلك أيضاً تنسق طهران مع السعودية للحؤول دون دخول ثقافة العراق الطارئة أي الخلافات المذهبية الى لبنان".
ويذهب مصدر إيراني في تأطيره للعلاقات بين طهران ودمشق وبيروت الى القول: إيران كانت مكبلة أثناء الوجود السوري في لبنان. كان كل شيء يمر عبر دمشق، ألم يكن أي مسؤول عربي أو غربي يدخل الى لبنان عبر مطار دمشق أو المصنع؟ بينما الآن يدخل الجميع ونحن منهم عبر مطار رفيق الحريري الدولي؟
هذا الوضع الذي يؤشر الى نوع من الاستقلالية في التعامل الإيراني مع لبنان لا يعني مطلقاً "شطب العلاقة السورية مع لبنان، وربما من أسس هذا التعامل أن طهران لا يمكنها التغافل عن العامل الجغرافي لأنها في ذلك تؤسس لانفصال وطلاق مع العراق. ولذلك يقول مسؤول إيراني "من حق سوريا أن تفكر بوجود سياسي لها في لبنان. فالجغرافيا والتاريخ والمصالح والاشتراك في مواجهة الصراع مع إسرائيل تفرض ذلك. لكن العودة الى الماضي أصبحت من الماضي". وفي تفسير استحالة هذه العودة يقول المسؤول: "إن عودة سوريا عسكرياً وأمنياً الى لبنان أصبحت من الماضي. ومن حق لبنان أيضاً أن يفكر باستقلاله. والواقعية السياسية تفرض على دمشق وبيروت صياغة علاقات طبيعية مختلفة عن الماضي. ومن ذلك أن إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين هي من طبيعة العلاقات الجديدة مهما كانت متميّزة". وينهي المصدر بقوله: لبنان بلد مفخخ ومفتوح على جميع الدول فلما لا تقوم هذه العلاقات مع سوريا.
ويكشف مصدر إيراني مسؤول "إن طهران لا ترغب على الرغم من الطلب منها بالتوسط بين بيروت ودمشق لأن للطرفين مطالب دقيقة وحساسة وعلى الرغم من ذلك حاولنا لكن تعقيدات الوضع، والتصعيد في المواقف في بعض الأحيان حال دون ذلك".
"حزب الله" الحاضرالدائم
ولا شك أن الهاجس الكبير والأساسي في علاقات طهران مع لبنان هو "حزب الله" الى درجة أن مصدراً إيرانياً يقول: "نحن نستثمر علاقاتنا مع سوريا لخدمة حزب الله". ويضيف خبير إيراني: إن العلاقة مع حزب الله تتم بكل الطرق. إيران لا تريد أعداء لها في لبنان. وهي تدعم لبنان القوي والهادئ حيث سلمه الأهلي أساس قوته، حتى أيضاً لا يقع تحت سطوة الولايات المتحدة الأميركية ويتم استخدامه ساحة ضدنا.
وعن طبيعة العلاقات مع "حزب الله"، خصوصاً في ظل مخاطر المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، يقول مصدر إيراني: "إنهم في حزب الله يعرفون ظروفنا وظروف المنطقة وهم يعلمون ماذا يفعلون. نحن لا نتدخل معهم في بناء الأمور التفصيلية. وهم يعلمون أيضاً أننا لن نتخلى عنهم. وهو حاضر دائماً أمامنا".
وإذا كان حزب الله الحاضر الدائم، فماذا عن سوريا، خصوصاً مع تطور طبيعة علاقات المواجهة والتفاوض مع واشنطن، يقول مصدر إيراني: سوريا معنا وليس من مصلحتنا المساومة على سوريا لأن ذلك يعني سحب ورقة قوية من يدنا. فسوريا في الاستراتيجية الإيرانية هي "ذراعها" في المشرق. طبعاً هذا الحضور لا يعني المشاركة على الطاولة في التفاوض والأمور ما زالت في بداياتها".
القلق على لبنان سائد في طهران. والإيرانيون على مختلف توجهاتهم، يعترفون بأن لبنان كان وما زال "رئة لهم يتنفسون عبرها". ويقول مسؤول إيراني "لبنان مهم جداً بالنسبة لإيران وتطوير العلاقات مع سوريا، كان جزءاً أساسياً وكبيراً منه بسبب لبنان".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00