طهران. الخميس. الثالثة فجراً. عشرات الآلاف من الإيرانيين ما زالوا منتشرين في الساحات المتباعدة كيلومترات عدة بين ميدان باستور وميدان ولي عصر. البعض في السيارات التي تحمل صور المرشحين وألوانهم والكثيرون يهتفون وأحياناً يرقصون. التداخل بين الجماهير المتنافسة مذهل أحياناً. لا الشعارات ومنها القاسي جداً تثيرهم فلا كلمة نابية. المنافسة حارة وحادة جداً، لم تشهدها طهران منذ عقود، لكن وسط جو من الهدوء النفسي العجيب.
الأخضر والأحمر هما اللونان الطاغيان. إنهما لونا مير حسين موسوي وأحمدي نجاد الرئيس المرشح لولاية ثانية. الآخران الشيخ مهدي كروبي ومحسن رضائي حاضران لكنهما وكأنهما يخوضان معركة على حدة لمعرفة مَن هو الثالث والرابع.
التنافس لا ينحصر في الهتافات والألوان والشعارات. أطنان من الورق انتشرت في الشوارع والساحات. منها ما يتضمن شعارات المرشحين ومنها ما يحمل كلمات من شخصيات معروفة سواء كانت سياسية أو فكرية أو فنية تدعم هذا المرشح أو ذاك.
التغيير هي الكلمة السحرية المشتركة لدى المرشحين الثلاثة مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي. التغيير لا يطال شخص أحمدي نجاد فقط وإنما يطال كل المجالات من الشؤون الداخلية إلى الاقتصاد إلى العلاقات الخارجية لإيران. هذه المطالبة تبقى تحت خيمة واحدة هي المرشد آية الله علي خامنئي وفي خط الإمام الراحل الخميني. الفارق يبقى في حجم المناشير الموزعة. نجاد دائماً في صور كبيرة بين الإمام الراحل والمرشد الحالي. موسوي يؤكد في كلمة مطبوعة له التزامه ولاية الفقيه لكن في منشور صغير جداً. في حين ن المنشور الذي يحمل صورته تحت رعاية الخميني أكبر بعشر مرات. الأمر متروك للناخب الإيراني أن يختار بين الأصولي التاريخي والمحافظ المتشدّد الحالي.
الجديد في هذه الحملة الانتخابية كان المناظرات المتلفزة، بين نجاد ومنافسيه الثلاثة، ويبدو أنه خسر اثنتين منها بالنقاط. الوضع الاقتصادي شكل عقب أخيل لدى نجاد. ورضائي الدكتور في الاقتصاد كسب نقاطاً عدة بسبب عرضه الموضوعي والأرقام الجدّية التي واجه بها نجاد. لذا ركزت المنشورات على الأرقام البيانية، التي تشدد على أن إيران أضاعت ثروة تصل إلى 275 مليار دولار في أربع سنوات ولم تتخلص من ارتفاع التضخم والبطالة والواردات. إيران ذات اقتصاد أحادي ولم تضع سياسة استثمارية تدخلها في نظام اقتصادي تعددي.
الحملة وصلت إلى تبادل الرسائل الهاتفية. من بين هذه الرسائل القاسية حول الوضع الاقتصادي أن الأرقام الاقتصادية لاحمدي نجاد هي للطفل محمود الذي لا يزيد عمره على أربع سنوات. نجاد يرد أن ذلك غير صحيح ويكفي أننا لم نخسر شيئاً في كارثة الأسواق المالية. لا أحد يشير إلى الودائع والاستثمارات في بعض الدول وحقيقة خسائرها.
الطريف في كل هذه الحملة أنها تجري فعلياً على وقع الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن المرشحين الأربعة يبذلون جهدهم لنمنمة هذا الملف كي لا يقال إن لواشنطن موقعاً في الانتخابات وفي الخيار الشعبي الإيراني. في الواقع كما يعترف الجميع أن هذا الملف هو الوجه الآخر أو النصف الآخر للملف الاقتصادي. فماذا يُقال هنا بعيداً عن الشعارات والمناظرات؟
يتندر الإيرانيون بأنه عندما انتخب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية خرجوا بصيغة تفيد أن ترجمة اسم أوباما بالفارسية أو با ما تعني هو معنا. والسؤال المكمل لذلك هل سنكون معه وكيف؟
يؤكد مصدر إيراني مطلع أن طهران تلقت رسالة مباشرة وليس بالواسطة من الإدارة الأميركية الأوبامية تؤكد رغبتها وقرارها بالحوار معها بدون شروط مسبقة. وأن أوباما أكمل ذلك بالقول علناً إنه لا يريد إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وكانت هذه المرة الأولى التي يعترف بها رئيس أميركي بالجمهورية الإسلامية. ويضيف المصدر أنّ الحوار سيكون مع أحمدي نجاد أو مع غيره أي مير موسوي. في الحالتين تحت إشراف وإدارة المرشد آية الله علي خامنئي الذي يصرّ على إبقاء هذا الملف في يده.
الحوار موجود في المبدأ
هذا القرار يعني أن المبدأ موجود. الخلاف هو حول النهج والأسلوب. لا بل يذهب المصدر المطلع إلى أن الحوار يمكن أن يبدأ من الأسبوع الأول بعد انتخاب نجاد في حين سيتأخر أسابيع عدة إذا ما انتخب موسوي. ما يدفع باتجاه الحوار أن الملف الإيراني أصبح خارج النقاش بعد أن أكدت إيران أنها لن تعود إلى الوراء لأنه لا يمكن الطلب من طالب حصل على الدكتوراه في المعرفة النووية العودة إلى الدراسة الثانوية، فإيران أكملت دورة المعرفة العلمية ولديها كامل الإمكانات التقنية.
بعد أن يعترف المصدر الإيراني بأن السياسة الأميركية لم تعد صدامية كما كانت في عهد جورج بوش مما اقتضى وتطلب وجود أحمدي نجاد، فإنه يشدد أيضاً على أن الأميركيين لن يتخلوا عن مصالحهم، وهذا طبيعي جداً، لذلك فإن عملية التفاهم تتطلب الضغط بعدة وسائل من أفغانستان إلى فلسطين. وإذا كان موسوي يتحدث عن ممانعته لسياسة دعم الممانعة التي اتبعها نجاد، فإنه إذا ما انتخب رئيساً، ودخل إلى مجلس الأمن القومي واطلع على أسرار الملفات سيرى أن دعم قوى الممانعة ليس مسألة ايديولوجية وإنما هو لأسباب تتعلق بصلب الأمن القومي الإيراني. إذ أن إيران عندما تفاوض لا يمكنها التفاوض ويداها خاليتان من الأوراق خصوصاً الساخنة منها. ويضيف المصدر المقرّب من المتشدّدين أن الرئيس السابق خاتمي الذي كانت لديه تحفظات على السياسة الخارجية قبل ودعم سياسة مدّ حزب الله وحماس بكل وسائل القوة. وعندما خاض حزب الله حرب 2006 إنما كان ذلك بالسلاح الذي تلقاه أثناء ولاية خاتمي وليس بعدها.
إيران مترددة حول طريقة مقابلة انفتاح أوباما والولايات المتحدة الأميركية بالانفتاح عليها. لكن يبدو أنه حتى المترددين يؤكدون أنهم لا يريدون إضافة لبنة واحدة إلى الحائط القائم بين بلادهم وأميركا. وكما يبدو فإن المرشد آية الله علي خامنئي وهو يدير ملف العلاقات مع واشنطن يريد أيضاً ضمانة بعدم النشاط في كل ما يتعلق بمسألة ولاية الفقيه، وهذا يدخل في الإطلالة على المستقبل أكثر مما هو متصل بالحاضر، خصوصاً وأن هذا ملف حساس جداً، والإجابة حول مَن هو الخليفة معقدة جداً ولا إجابة حالية مباشرة، مما يفتح الباب نحو المزيد من الأسئلة إلى ما بعد.
حماوة الحملة الانتخابية في إيران هذه المرة تعود إلى أنه لا يوجد رقم صعب بين المرشحين الأربعة. كل واحد منهم يملك نقاط قوة ونقاط ضعف. في الحلقة الأولى أحمدي نجاد، الذي نجح في أن يلعب الدور الذي يجيده وهو المذياع النفسي للجمهورية في مرحلة صعبة كانت تجري تحت مظلة حرب معلقة. وهو وإن كان بسيطاً جداً فإن لخطابه الشعبوي صدى قوياً لدى طبقة معينة بسيطة ومتعلقة بالثورة بمفهومها الأول. لكنه بالتأكيد ليس له أي تأثير وصدى لدى الطبقة المتوسطة والشرائح المثقفة، إضافة إلى فشله الاقتصادي. قد يكون نجاد الرجل المناسب إذا استمرت المواجهة مع واشنطن، أما إذا غابت فإنه سيتحول إلى قيد لنفسه ولحكومته.
أما مير حسين موسوي، فإن انفتاحه على الشباب والنساء (تساعده في ذلك زوجته المثقفة ورئيسة الجامعة) ونظافة يده وعدم انغماسه، رغم أنه من الرجال الأوائل في الثورة والدولة، في القضايا السياسية الصغيرة. إنقاذ الاقتصاد الإيراني نقطة قوته لأنه سبق له أن نجح في إدارة الاقتصاد الحربي أثناء حرب العراق وإيران. واستناداً إلى استفتاءات عديدة بعضها غير منشور لأنه خاص يشير إلى أن موسوي سيحصل على نسبة 60 في المئة من الشباب في الانتخابات، علماً أن سبعين في المئة من الناخبين هم من الشباب الذين لم يتجاوز عمرهم 30 سنة، أي نحو 30 مليون ناخب.
الشيخ مهدي كروبي يعتبر نفسه المنافس الثاني في مواجهة موسوي في الدورة الثانية، ولذلك يكمل حملته، وهو جريء جداً، له حضوره فقد سبق أن كان رئيساً لمجلس الشورى. ويلاحظ أن الرافسنجانيين أعلنوا تأييدهم له مثل كرباستجي رئيس بلدية طهران سابقاً، والشيخ كديوار وجميلة كديوار مع زوجها عطا الله مهاجراني وزير الثقافة السابق وعبدي إلى جانب المفكر علي سروش وغيرهم.
أما محسن رضائي الذي يطلق عليه اسم نابليون إيران فإنه أثبت حضوره في المناظرات خصوصاً في الاقتصاد فلم يبق مجرد الجنرال القديم الذي قاد الحرس الثوري وتولى وزارة الحرس. لكن المشكلة أن الإيرانيين لا يريدون رؤية جنرال ولو سابق رئيساً للبلاد، خصوصاً وأن يد الحرس الثوري طويلة وفاعلة في كل الدولة الإيرانية.
الاستفتاءات أصبحت ممنوعة، لكن بعضها الذي لم يُنشر يقول إن مير حسين موسوي سيحصل على 55 في المئة من أصوات الإيرانيين، وإن ذلك ممكن في حال حصول تسونامي شعبي جديد. فالضغوط والتوجيهات تبقى مؤثرة حتى الوصول إلى صندوق الاقتراع، وعندئذ ينتخب الإيراني بكل حريته. ألم يحصل أن محسن رضائي عندما كان قائداً للحرس أن أعطى توجيهاته إلى أعضاء الحرس بالاقتراع لمصلحة المرشح المحافظ ناطق نوري فانتخب 60 في المئة من الحرس محمد خاتمي؟
السؤال الكبير هل ينجح مير حسين موسوي في الدورة الأولى بالضربة القاضية، أم ينتظر إلى الدورة الثانية، مما يفتح الباب للكثير من المناورات السياسية طوال الأسبوع الفاصل بين الدورتين؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.