ماذا يحمل الغد لإيران؟
هذا هو السؤال الذي ساد مختلف الأوساط الإيرانية التي قابلت إعلان نتيجة الانتخابات بهذه الطريقة الصدامية والمتحدية بكثير من الحزن والقلق.
الحزن أولاً على ضرب التجربة الديموقراطية، فما يحصل حالياً بعد تسعة انتخابات رئاسية هادئة والكثير من الاستحقاقات الانتخابية يعني أن شرخاً حقيقياً قد حصل، وأن عملية معالجته ليست سهلة لا بل إنها صعبة جداً.
المحافظون المتشددون بزعامة أحمدي نجاد لن يقبلوا بالتغيير كما حصل في واشنطن عندما انهزم المحافظون أمام باراك اوباما، وما يضيف إلى هذا الحزن المزيد من المرارة هو أن القول بفوز احمدي نجاد بنسبة 69 في المئة غير مقبول مطلقاً لأنه غير واقعي، فالمدن الإيرانية وفي مقدمتها طهران اقترعت بكثافة للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الذي سارع إلى إعلان فوزه بعد حصول عمليات للحد من الاقتراع له في الأرياف.
القلق من أن إعلان أحمدي نجاد بالفوز يدفع إيران إلى حافة الهاوية، وهذا الأسلوب في وضع الجميع أمام خطر السقوط في الهاوية أو الانسحاب سياسة يطبقها نجاد بنجاح داخلياً وخارجياً. السؤال: ماذا سيفعل الشارع الإيراني؟ هل يرضخ للنتائج فلا ينزل إلى الشوارع؟ أم أن الثورة المخملية التي حذر منها الحرس الثوري ستقع فتكون إعادة انتخاب نجاد بهذه الطريقة عملية استباقية ومزدوجة ضد التغيير الهادئ والثورة المخملية.
الخطر الآن هو أن الجميع فوق البركان، وأن انفجار البركان أصبح مسألة وقت خصوصاً وأن النتيجة لا تعني فقط موسوي ومؤيديه، بل تعني أيضاً هاشمي رفسنجاني الذي كان حذر المرشد آية الله علي خامنئي في رسالته من إمكانية انفجار الشارع.
اليوم الانتخابات الطويل، بعد ليلة عاصفة ملأت شوارع طهران بالأمطار، بدأت مع قلق أبداه ؛ثيرون وبينهم صحافيون من أن لا يقبل الايرانيون على صناديق الاقتراع. مسؤول اعلامي ايراني رد بثقة: حتى ولو نزل الثلج غداً سيزحف الايرانيون على صناديق الاقتراع، ليؤكدوا الشرعية الشعبية للثورة. ايراني آخر عقّب على الجميع بالقول: سيقترع الايرانيون بكثافة لأنهم يريدون تغيير الأداء. البلاد تقف أمام تقاطع في المسارات الحساسة وحتى المصيرية.
الثامنة صباح أمس، صفا الجو وامتدت صفوف المقترعين الى درجة ان سيدة وصلت في هذه الأثناء انتظرت ثلثي الساعة حتى حان دورها. أرادت بهذا الانتظار التعبير عن التزامها بواجب وطني، لكن الأهم التعبير عن موقفها السياسي النابع من المتغيرات التي تجتاح ايران.
المنافسة الحادة والحارة بين المرشحين: المحافظ المتشدد أحمدي نجاد والاصلاحي مير حسين موسوي، لم تنحصر بالنسبة للايرانيين في الفوز برئاسة الجمهورية، ذلك ان الانتخابات تجاوزت هذا الموقع الذي وان كان الثاني بعد المرشد (أو الرهبر)، فإنه يشكل الصورة الخارجية لايران، وطبيعة ونهج الادارة الداخلية للبلاد. لذلك فقد تجاوز المقترعون قبل الظهر التسعة ملايين. الرهان أن تصل نسبة المقترعين الى سبعين بالمئة بدا قابلاً للنجاح.
ترجمة كل ذلك بالأرقام ان حوالي ثلاثين مليون ناخب موزعون على 450 مدينة كبرى و155 ألف قرية كبيرة وصغيرة قد اقترعوا في 47 ألف مركز اقتراع. الأمر الآخر الذي يجعل من آلية الاقتراع مختلفة، ان الايراني يقترع حيث يكون حتى ولو كان في مركز على طريقه للتنزه مع عائلته.
سبعون بالمئة من الشباب
الترجمة الأهم لهذه الانتخابات، ان سبعين بالمئة من الناخبين هم من الشباب دون الثلاثين سنة، اي انهم ولدوا وكبروا وتعلموا وتثقفوا في ظلال الثورة ومفاهيمها وكل معاركها ومواجهاتها. هؤلاء الشباب هم الذين يريدون التغيير طلباً لحياة أكثر استقراراً على جميع الصعد وأكثر غنى بفرص العمل، فقد تعب هؤلاء الشباب من انتظار فرصة العمل المناسبة براتب مناسب.. ايضاً يريدون حياة أكثر حرية رغم ان الفارق شاسع جداً بين بدايات الثورة واليوم.
هذا التطور هو الذي يصب في صالح المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي. ولذلك فإنّ الكلام ارتفع عالياً في أجواء طهران قبل إقفال الصناديق في السادسة مساء، انه سيتم تمديد مهلة الاقتراع حتى العاشرة ليلاً وان الأخضر (لون المرشح موسوي) قد طغى على كل شيء، وان فوز موسوي منذ الدورة الأولى هو المرجح ما لم يحصل أي طارئ.
مير حسين موسوي القادم إلى مقدمة المسرح السياسي بعد غياب طويل، عرف كيف يخاطب الجميع. قدّم نفسه كمرشح مستقل مع أنه أقرب إلى الإصلاحيين. إلى درجة ان مراقباً إيرانياً قال: موسوي مثل البطيخة لا يعرف أحد لونها وطعمها حتى تفتح بعد الفوز. كما انه عرف كيف يخاطب الشباب، وساعدته في ذلك زوجته زهرا رهنورد رئيسة جامعة الزهراء السابقة. وهو ما شكل حدثاً سياسياً كبيراً، إذ لم يسبق أن تدخلت زوجة مرشح رئاسي في المعركة الانتخابية مثل زوجة موسوي، مما أضاف على رصيده لدى الشباب والنساء مصداقية واضحة.
الحدث الآخر انه مع تقدم ساعات الاقتراع، ارتفع أيضاً رصيد الشعارات رغم ان الدولة قطعت عن الأجهزة الأمنية خط ارسال (SMS) لمنع الإشاعات والإشاعات المضادة، لكن أبرز ما حصل ان شعاراً انتشر بسرعة الصوت في طهران يقول: أحمدي نجاد لقد عملت كثيراً طوال أربع سنوات وتعبت، حان الوقت لترتاح.
رفسنجاني في قلب المعركة
بعيداً عن المجريات السريعة للاقتراع وللتوجيهات الشعبية، فإنّ خصوصية الانتخابات، والصراع على الرئاسة جاءت من الصراع على هويّة النظام. ذلك ان الحسم بمسألة الحوار مع واشنطن يفرض، مهما بلغت درجة الممانعة كما يرى مصدر مقرّب من الإصلاحيين، تغيير مسار النظام. لذلك فإنّ المناخ الشعبي ومختصر التغيير يقوم على تكسير القوالب المشكّلة. علماً ان هذا كله كان جزءاً من حملة الرئيس محمد خاتمي ومن رئاسته. لكن رغم كل ما فعله لدفع عملية التغيير، فإنّ المؤسسة السياسية للثورة نجحت في استيعاب مساره.
التطور الثاني، ان الحرس الثوري اضطر، بعد ردود الفعل على موقفه الأولي بالتخوف من وقوع ثورة مخملية لتغيير النظام وبعد ظهور دعوات في بعض المواقع الالكترونية تعتبر ان الاصلاح يتطلب الدماء، إلى إصدار بيان رسمي يؤكد فيه انه لا يتدخل ولن يتدخل في الانتخابات الرئاسية وان ما صدر ضده من اتهامات ظالم وكيدي، لكن بعد ساعات من الاقتراع اعترض موسوي على تدخل الحرس، فقد تيقن ان اوراق الاقتراع انتهت قبل ساعات من اقفال الصناديق، كما عثر على حبر يذوب بسرعة خاصة في القرى النائية.
التطور الثالث والأخير، هو دخول هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء (الذي ينتخب الولي الفقيه ويراقب نشاطه) ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، على خط المعركة الانتخابية بعد ان أقحمه احمدي نجاد، ولخوض المعركة علناً لازاحته، ذلك ان نجاد الذي لم يغير مضمون وشكل خطابه الشعبوي، هاجم الفساد وشخّصه برفسنجاني وعائلته. وبعد أن رفض التلفزيون منح الفرصة له للرد على هجوم نجاد، وجّه رفسنجاني كتاباً الى المرشد آية الله خامنئي جرى تداول نصه علناً. في هذا الكتاب جملة مثيرة جداً، اذ يذكّر رفسنجاني المرشد بأن اربع سنوات مضت من الهجوم عليه ولذلك فإن ما قاله نجاد ليس جديداً. ولذا فإن:
ـ الناس لن يسكتوا وان الضغوط عليه للرد قوية من الشارع والنخب والمقربين منه.
ـ أنا وأنت (اي خامنئي) آخر من تبقى من الرعيل الأول المرافق للامام الخميني.
ـ اذا لم تضع لذلك حداً من باب الحرص على الثورة، فإن الشارع يمكن أن ينفجر.
هذا المضمون للكتاب ـ الرسالة، وان جاء بقالب من التهذيب واللياقات الايرانية، فإنه أشّر الى نهج جديد للتخاطب، اذ انه كان علنياً ومشدداً على الشراكة في السلطة مع أن ولاية الفقيه تلغي ذلك. وانه تضمّن تحذيراً من انفجار الشارع وهو تحذير خطير جداً.
بعد ذلك، صدر بيان من مكتب المرشد ينفي فيه الشائعات بأنه وجّه رداً على رسالة رفسنجاني. ومن ثم جاء اللقاء بين آية الله خامنئي ورفسنجاني لمدة ثلاث ساعات لم يتسرب عنه سوى ما نقل عن رفسنجاني بأنه راضٍ عن اللقاء. علماً ان هذا التعبير المهذب لا يترجم شيئاً عن مضمون هذا الرضى.
الاصلاحيون يرون ان الانتخابات الرئاسية الحالية هي معركة كسر عظم مع المحافظين المتشددين. وانه مثلما خرج جورج بوش والمحافظون المتشددون معه، يجب أن يخرج نجاد والمحافظون معه، وانّ حان الوقت لنهج جديد للتعامل في الداخل والخارج، فالناس لم يعودوا مستعدين للسكوت أو قادرين عليه.
خلال التجول على مراكز الاقتراع، كان حاملو الرايات الخضراء والمزيّنون لمعاصمهم ورؤوسهم بالأشرطة الخضراء (رمزاً للتغيير بعيداً عن البرتقالي حتى لا يقال انهم صدى للثورات البرتقالية في دول أوروبا الشرقية) يقولون: لقد قمتم بالتغيير في لبنان. نحن ايضاً سنقم بذلك، فللتغيير مسار واحد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.