8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

72 ساعة أمام إيران للحل أو الانفجار

خطبة اليوم الجمعة للمرشد آية الله علي خامنئي قد تكون الأهم والأخطر منذ عشرين عاماً. على كلماتها وأحكامها ستجري التطورات المقبلة في الجمهورية الإسلامية. الحكم على مسار الوضع الحالي سيكون اليوم الجمعة، بالمظاهرة التي دعا إليها مير حسين موسوي وخطابه. الجمهورية الإسلامية في إيران تقف أمام مفترق طرق تاريخي وحساس وخطير بدون مبالغة. الخيار مفتوح بين الحل والصدام. بين أن يبقى ما حصل ضوءاً أخضر أمام التغيير، وبين أن ينفجر الوضع وليصبح المستقبل كله مفتوحاً على كل الأخطار والاحتمالات.
منذ بدء حملة الانتخابات الرئاسية، تبين لمختلف القوى من المحافظين المتشددين إلى الإصلاحيين والليبراليين ان حيثياتها تجاوزت الانتخابات نفسها، وان انتخاب موسوي المرشح الإصلاحي والمنفتح على مروحة واسعة من المحافظين المعتدلين، وأحمدي نجاد المحافظ المتشدد وصاحب الخطاب الشعبوي لم يعد هو الاساس. الصراع على هويّة النظام هو المحور والهدف. اختصار ذلك كله هو العمل على تغيير نهج الثورة وتغيير مسار النظام.
التغيير الذي تريده شرائح واسعة خصوصا الشباب الذين ولدوا بعد الثورة وهم ثلثا الشعب الإيراني، لم يتم تعريفه بشكل واضح وثابت ونهائي. حول هدف التغيير تشكلت مروحة شعبية واسعة تختلف في تحديد مضمونها له. يمكن القول ان قوى الإصلاح تريد كما حصل في السابق استثمار المتغيرات بعد استيعابها لتطوير النظام من الداخل وصولاً إلى مَن يريد نسف قوالب النظام كله. المناقشة العميقة لم تحصل بعد. نتائج الانتخابات دفعت باتجاه الحؤول دون هذا النقاش. قوى النظام استغلت هذا الغموض بالدعوة إلى الفرز بين الموسويين والمستقلين والرافضين للنظام الذين اتهمتهم بالتخريب وحتى العمالة لأميركا والانكليز وإسرائيل.
موسوي: الولائي
الدعوة إلى هذا الفصل يعود إلى ان لا أحد يمكنه اتهام مير حسين موسوي بالعمل على إسقاط الجمهورية الإسلامية، فهو ولائي، بمعنى انه لم يرفض ولاية الفقيه حتى الآن، انطلاقاً من تأكيده الدائم منذ البداية، سواء في خطبه أو مناظراته او شعاراته على التزامه بالإمام الخميني وبخطّه أي انه يؤكد مطالبته العودة إلى الينابيع الأولى للثورة.
أصلاً، مجرّد أن رشّح موسوي نفسه للانتخابات حصل الاحتكاك الأول مع المرشد آية الله علي خامنئي. التاريخ المشترك بينهما يؤكد ذلك. وقائع ترشيحه تثبت ذلك. العلاقات بين موسوي وخامنئي تعود إلى بداية الثمانينات عندما كان خامنئي رئيساً للجمهورية وموسوي رئيساً للوزراء بصلاحيات أوسع من الأول. وقع الخلاف بينهما. وقف الإمام الخميني إلى جانب موسوي. بعد استقالته من رئاسة الوزراء، ألغي المنصب، خصوصاً وان هاشمي رفسنجاني كان يستعد لأن يكون هو رئيس الجمهورية. اختار موسوي عبور الصحراء فدخل منزلاً ولم يخرج منه سوى إلى الجامعة ليدرس فيها.
الواقعة الأخرى ان محمد خاتمي الذي كان وزيراً للإرشاد في عهد موسوي، طالب بأن يكون هو مرشح الإصلاحيين فرفض، فترشح خاتمي وفاز ضدّ مرشح المحافظين القوي ناطق نوري. هذه المرة قَبِل موسوي أن يترشح لأنه، كما قال لقادة الإصلاحيين وعلى رأسهم خاتمي، ان إيران في خطر. لذلك حان الوقت للوقوف في وجه هذا الخطر ومنع انحدار إيران نحو الهاوية.
لعل ما قاله بعد إعلان النتائج يؤكد مخاوفه. قال ان ما يحصل يؤسس لقيام حكم ديكتاتوري. إصلاحيٌ موسوي يفعل ما يحلل بطريقة أوضح: صحيح ان المرشد خامنئي يمسك بالقرارات الأساسية خصوصاً الملفات الحساسة والقومية مثل الملف النووي. لكن الفارق كبير بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي. نجاد لا يناقش. ينفّذ حرفياً القرار. موسوي سيتدخل في مناقشة أدق التفاصيل التي يكمن فيها عادة الشيطان.
هذا الفارق لا يختصر كل شيء. المحافظون المتشددون رأوا في انتخاب موسوي محاولة لطعن أساس النظام. وهو الولاية المطلقة للفقيه. لا شك ايضاً ان المرشد الذي هو الولي الفقيه تلمّس ذلك، لأن خامنئي يعرف موسوي جيداً، فهما من قرية واحدة وعائلة واحدة، والمعروف ان موسوي عنيد وصلب. والدليل انه اختار الجامعة والمنزل على كل المناصب التي عُرضت عليه. بهذه الصفات لا يمكن احتواء موسوي، لكن لا شك كما يقول محافظ معتدل: ان المرشد ارتكب بنالتي وليس مجرد فاول في لعبة كرة القدم القريبة من قلوب الايرانيين وذلك عندما دعم نجاد. خامنئي بموقعه المميز كان يجب أن يبقى العباءة التي يلعب الجميع تحتها. مجرد أن أصبح طرفاً خرجت قوى من تحت العباءة ودخلت في مواجهة معه، سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
المحافظون المتشددون يردّون على لائحة الأخطاء المرتكبة وفي مقدمتها البنالتي بقولهم: لم يكن أمام المرشد سوى دعم نجاد. كل شيء كان يدعو الى إعادة انتخاب نجاد. من ذلك: - المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لم تنته، وما زال بعض الوقت أمام بدء الحوار مع واشنطن. - الحوار من موقع المتشدد نجح مع واشنطن، فلماذا يتم التخلي عنه؟
- لا يمكن ولا يجب تغيير الحصار في وسط المعركة ولذلك يجب أن ينتخب نجاد لولاية ثانية.
من أين لك بالرسالة؟
محافظ متشدد أيضاً قال لنا بغضب انظروا أين وصل الموسويون أو مَن يختبئون في ظلال مير حسين موسوي. انهم يرسلون رسائل قصيرة عبر الهاتف. من بين هذه الرسائل واحدة تطال المرشد عبر نجاد والثانية نجاد نفسه. الرسالة الاولى تقول: نجاد يسأل من أين لزهراء (زوجة موسوي) رسالة الدكتوراه؟. نحن نسألك من أين لخامنئي رسالته؟. المعروف ان السيد علي خامنئي لم يكن قد قدم رسالة ليصبح آية الله. بعد انتخابه مرشداً للثورة أعدت رسالته للحصول على درجة آية الله.
نص الرسالة الهاتفية القصيرة الثانية نحن لا نريد دولة البطاطا. المقصود ما فعله نجاد عندما وزّع موسم البطاطا على القرى النائية قبل الانتخابات للحصول على دعمهم وأصواتهم فيما بعد.
من المهم جداً ان الموسويين لا يريدون الانقلاب على الجمهورية الإسلامية. لكن في العمق يرفضون الولاية المطلقة. ويقول المنتظريون (أي المؤيدون لآية الله العظمى علي حسين منتظري الذي كان خليفة للإمام الخميني وجرى ابعاده في صراع مكشوف على السلطة) الحل هو في العودة الى ما يطالب به الشيخ منتظري وهو نظارة الولاية، أي بدلاً من أن يكون الولي الفقيه مطلق السلطات وله العصمة، فإنه يجب ان يملك حق المراقبة والارشاد. بهذا تستقيم الجمهورية ولا تتحول الى الولاية، أي النظام الديكتاتوري على غرار أفغانستان ـ الطالبان.
تجمع قوى كثيرة في إيران على استحالة فوز نجاد بفارق 12 مليون صوت عن موسوي. لا أحد يهمه استعراض الطرق التي أدت الى هذه النتيجة. للتزوير ألف طريقة وطريقة، ليس مهماً كيف. المهم حصل. القول أيضاً بأن تدخل المرشد والحرس لمصلحة نجاد لا ينتج هذا الفارق، مثلما أن القول بأن موسوي كان سيدخل في دورة ثانية ضد مهدي كروبي قصة مبالغ بها، لذلك يريد الموسويون إلغاء النتائج كلها وإعلان موسوي فائزاً.
من هنا صعوبة الخيار الملقى على المرشد. إذا قبل المرشد إلغاء النتائج سواء لأجل إجراء دورة ثانية أو القبول بفوز موسوي فإن قالباً (تابو) يكون قد سقط. وبالتالي فإن الولاية المطلقة تكون قد اهتزت. وإذا رفض كل شيء وأصر على فوز نجاد، وهو كان قد أكد فوزه متجاوزاً ما كان يجب ان يكون من مهمة مجلس صيانة الدستور، فإن ذلك سيضع إيران على مسار دورة من العنف لا يمكن لأحد تقدير اين ستقف هذه الدورة.
ما يزيد من دقة الوضع، أن الشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي مهما قيل فيه وعن عائلته، فإنه ما زال حصناً منيعاً في الثورة وثعلباً في الدولة، قد جرى استهدافه مباشرة علناً. وهو من جهة يريد انهاء مرحلة نجاد، ومن جهة أخرى يريد التحضير لخلافة خامنئي. موقع رفسنجاني يؤهله للتدخل في اختيار الخليفة، لأنه رئيس مجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه ويراقب عمله ويستطيع حتى إقالته. صمت رفسنجاني حالياً لا يعني أنه على الحياد، رفسنجاني ماهر في الحسابات، تدخله يقلب الطاولة نهائياً. الدليل، التهديد بإعدام ابنته فائزة رفسنجاني الناشطة سياسياً وأحد أولاده أيضاً.
البازار والقنبلة الموقوتة
البارز والمهم أن الحراك وصل الى مدينة قم، كل يوم تطول فيه الأزمة يتعمق هذا الحراك ليتحول الى حركة. مدينة قم المقدسة مركز الحوزات وكبار آيات الله. ومنهم موسوي أردبيلي ومكارم شيرازي وجوادي آملي ومحمد جعفر سبحاني ووحيد خراساني وحسين علي منتظري وغيرهم. حالياً تجري بصمت عملية فرز حقيقية لمن هو مع النظام الحالي ومن هو ضده. تطور الأمور سيعمّق الفرز ويحدد الخيارات، الزلزال عندئذ يمكن أن يقع انطلاقاً من مدينة قم. مظاهرة يوم الاثنين التي كنت شاهداً عليها في الساحة الفاصلة بين الفيضية وحوزتها التي كانت يوماً مقراًً للإمام الخميني ومنها انطلق، والشارع الذي يضم مدارس ومكاتب آيات الله خطيرة مهما كانت محدودة، لانه منذ العام الميلادي 1963 في شهر خرداد حسب التقويم الشمسي الإيراني، لم تقع مظاهرة. في حين وقعت الآن وفرقتها الشرطة بسرعة. الانقسام العمودي في قلب الحوزات مهم جداً. ولا شك أن حرب خلافة المرشد آية الله خامنئي، وان كانت لم تقع بعد علناً، فإن عيون آيات الله مفتوحة عليها والعديد منهم يطمع بالحصول عليها. ومن الطبيعي أن كل شيء مفتوح على هذه الحرب، وتحديد المواقع مهم جداً للدخول الى هذه الحرب بقوة.
ولا شك ايضاً، أنه إذا طالت دورة الاعتراض حالياً وفتحت الباب نحو الانخراط في دورة عنف، ستنتج فرزاً طبيعياً في البازار الطرف القوي في البلاد. حتى الآن لم يقل البازار كلمته. كلما طالت الأزمة واضطر رجال البازار الى تعطيل أعمالهم، كلما اندفعوا نحتو اتخاذ موقف محدد مما يحصل. أي تزاوج بين قم والبازار يعني تشكل قنبلة لا يمكن وقف توقيت ساعتها عن الانفجار.
الاعتراض على النتائج بدأ عفوياً. كل يوم يتطور ويستنبط اساليب جديدة. في اليوم الاول نزلت مجموعات صغيرة في مظاهرات طيّارة لا يتجاوز عددها المئات. بعد ذلك أصبحت أكثر تنظيماً وتأطراً فتحولت الى مظاهرات مليونية. من بدايات الثورة استعيد الهتاف على الاسطح الله اكبر. أيضاً ارتداء النساء وحتى الرجال الملابس السوداء حزناً على الشهداء.
الجديد ما فرضه التطور التقني. أي الرسائل القصيرة عبر الهاتف النقال. لذلك جرى قطع الإرسال الهاتفي عن عمد. أيضاً تحول كل مواطن الى مراسل. الشباب صوّروا ويصوّرون بهواتفهم النقالة الشارع والحوادث، والحواسيب تنقل الوقائع الى الخارج. لم يعد يمكن إخفاء ما يجري في الشوارع. أيضاً وهو الأهم، أن مير حسين موسوي بدأ يأخذ موقع القائد الجماهيري، خطابه في ساحة ازادي (الحرية) يؤشر الى ذلك. جوهر هذا الخطاب ما كان الشيخ منتظري يردده لقد حصلنا على الاستقلال ولم نحصل على الحرية.
لذلك السؤال الكبير: كيف سيحصل الإيرانيون على الحرية من خلال النظام الذي استطاع طوال ثلاثة عقود هضم التطورات وصياغة التغيير من داخله، أم انه وصل الى مفترق طرق غير قادر على التغيير إلا من خارجه؟!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00