لم يهدأ الشارع الإيراني بعد ثلاثة أيام من إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، وباتت التطورات تتوالى ولا سيما بعد سقوط متظاهر قتيلاً بالرصاص وإصابة العديد من المتظاهرين الآخرين أمس في طهران خلال تظاهرة ضمت مئات الآلاف من مؤيدي المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، الذين يرفضون إعادة انتخاب نجاد رئيساً لإيران.
وكما في طهران، كذلك في أصفهان ومدن إيرانية أخرى تطورت المواجهات وتصاعدت الى درجة استخدام القنابل المسيلة للدموع بكثافة، واللافت أيضاً أن التظاهرات أصبحت أكثر تنظيماً ومؤطرة جيداً.
وإلى جادة أزادي في طهران، تدفق أمس طوفان بشري من مؤيدي المرشح مير حسين موسوي على الرغم من رفض وزارة الداخلية منح تصريح بالتظاهر، ضم ما بين مليون ونصف ومليوني متظاهر تجمعوا تأييداً لموسوي الذي يطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية التي أمر المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي الجهاز المشرف على الانتخابات بدراسة شكوى موسوي بشأنها والتحقق منها، مما يطرح تساؤلات حول مدى انعكاس ما يجري في شوارع طهران على الوضع الايراني الداخلي وقدرة السلطات على التعامل مع التظاهرات التي تزداد انتشاراً وقوة يوماً بعد يوم، في حين تصاعدت حدة ردود الفعل الدولية على نتائج هذه الانتخابات، ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى احترام كامل للارادة الحقيقية للشعب، في موازاة مطالبة الاتحاد الاوروبي بالتحقيق في الاتهامات بالتزوير، كما أبدت واشنطن انزعاجها إلى الغاية وباريس قلقها الشديد.
وقد أفادت مصادر مطلعة في طهران امس، ان المواجهة الحالية تتجه نحو التصعيد في الأيام المقبلة ما لم يعمل المرشد على إلغاء فوز أحمدي نجاد وإعادة إجراء الانتخابات، ولا سيما انه نقل عن زوجة مير حسين موسوي تأكيدها نحن ماضون حتى النهاية، في وقت تنوي المعارضة تنظيم تظاهرات سلمية في كل أنحاء البلاد على غرار ما جرى أمس في ساحة ازادي في طهران.
التطور البارز أيضاًَ، أنه بعد أن رفضت السلطات الرسمية في وزارة الداخلية منح موسوي الإذن بخروج تظاهرة تأييداً له رداً على التظاهرة المؤيدة لأحمدي نجاد، احتشد مؤيدوه وتظاهروا من بولفار انقلاب (الثورة) الى ساحة ازادي (الحرية) وهي الساحة التي شهدت كل التظاهرات المليونية منذ مطلع الثورة. ولا شك أنه لم يتم اختيار خط التظاهرة الإصلاحية بالصدفة فالثورة تنتهي بالحرية.
ومرت التظاهرة بهدوء لسببين، مشاركة مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي الذي كان أحد المرشحين الأربعة والذي صدمته نتيجة أصواته حيث حصل على أقل من واحد في المئة وهو الذي كان يعتبر أنه سيسقط أحمدي نجاد وينافس موسوي في الدورة الثانية، كما لوحظ أن الرئيس محمد خاتمي حضر في نهاية التظاهرة وشارك فيها مما يجعل للمعارضة حتى الآن ترويكا قوية لها حضورها وشعبيتها.
والثاني أن السلطات الأمنية المختصة عمدت الى مراقبة التظاهرة عن بعد ولم تحاول أن تتدخل في مسارها أو الاقتراب من المتظاهرين. ويبدو أن السلطات السياسية فضلت ترك التظاهرة برغم عدم الترخيص لها لئلا تقع صدامات أكبر وأخطر خصوصاً وأن عدد المتظاهرين كان كبيراً، وأن العديد من القيادات التي اعتقلت لساعات كانت مشاركة فيها. وقد بادر موسوي في خطابه الى التأكيد على ضرورة استمرار الاحتجاجات سلمياً، ما يؤكد عمل جميع الأطراف على وضع سقف للتحركات، حتى لا يفلت الشارع من يدها. وأفاد شرطي كان يراقب التظاهرة الضخمة لوكالة فرانس برس انها تضم على الاقل مليون شخص ونصف مليون، في حين قال شرطي آخر كان يقف الى جانبه ان عددهم قد يصل الى مليونين.
وذكر مصور صحافي ان متظاهرا ايرانيا قتل بالرصاص واصيب العديد من المتظاهرين الاخرين مع انتهاء التظاهرة. وقال المصور الايراني إن مسلحين أطلقوا النار على الناس في الحشد مما أدى الى مقتل شخص وإصابة الكثيرين. وأضاف الشاهد أن الناس في الحشد هاجموا مبنى يضم أعضاء في ميليشيا الباسيج الدينية الذين ردوا بإطلاق النار.
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس ان اطلاق نار سمع مع انتهاء التظاهرة، كما سمع اطلاق عيارات نارية بعدما احرق المتظاهرون اطارات ومستوعبات نفايات في مكان غير بعيد من ساحة ازادي، مع وصول التظاهرة الى وسط طهران.
وافادت صحافية في وكالة فرانس برس ان المرشحين موسوي وكروبي كانا بين المتظاهرين في احدى السيارات. وكان عناصر امن باللباس المدني يواكبون السيارة الرباعية الدفع البيضاء التي كانت تتقدم على وقع سير التظاهرة وفيها موسوي وكروبي الذي لم يكن يرتدي لباس رجال الدين. وقال موسوي للحشود انه مستعد للمشاركة في انتخابات جديدة. واضاف ان صوت الناس اكثر اهمية من موسوي او اي شخص اخر. وردد المحتشدون الذين كانوا يرتدون ملابس خضراء بلون حملة موسوي الانتخابية ويرفعون صورا له موسوي أعد أصواتنا.
وهكذا لم يبق شارع في طهران إلا وجرى فيه إحراق براميل النفايات في وسطه لمنع السير، كما أن باصات عدة أحرقت خصوصاً في بولفار مطهري، وتردد أن عناصر من أجهزة أمنية بلباس مدني قامت بهذه الاعمال الفوضوية.
والمظهر الأخير للاحتجاجات تجسد في إطلاق السيارات أبواقها في شوارع معينة خصوصاً في شمال طهران، خصوصاً عندما تكون الإشارة حمراء لتأكيد الاحتجاج، ما دفع رجال الشرطة والباسيج الى نصب الكمائن ومصادرة الهويات، وقد قيل إن صدامات وقعت وجرى خلالها تكسير زجاج السيارات المعترضة أو المحتجة.
وتمكنت الشرطة الايرانية من اقناع نحو مئتين من افراد عائلات متظاهرين اعتقلوا في اطار الاضطرابات، تجمعوا امام المحكمة الثورية في طهران للمطالبة بإطلاق سراحهم، بالتفرق. وردد الحشد المؤلف بصورة رئيسية من اقرباء معتقلين، هتافات امام ثمانية عناصر من شرطة مكافحة الشغب وستة شرطيين اخرين كانوا واقفين امام مدخل المحكمة. وفي غضون ذلك، أمر المرشد الاعلى للجمهورية السيد علي خامنئي الجهاز المشرف على الانتخابات بدراسة شكوى موسوي. وتقدم موسوي بطعن رسمي الى مجلس صيانة الدستور طالبا الغاء نتائج وامام المجلس عشرة ايام للبت بهذا الطعن.
ونقل التلفزيون الرسمي عن خامنئي قوله لموسوي خلال لقاء بينهما أول أمس انه صدر أمر لمجلس صيانة الدستور لدراسة الرسالة بدقة.
ونقلت وكالة الانباء الطلابية (اسنا) عن ناطق باسم المجلس قوله ان الجهاز المؤلف من 12 شخصا سيلتقي اليوم الثلاثاء موسوي لمناقشة شكواه. واضاف ان وزارة الداخلية ارسلت نتائج الانتخابات الرئاسية امس لدراستها. وقال الناطق ان المجلس سيعقد غدا (اليوم) اجتماعا مع هذين الشخصين (موسوي والمرشح محسن رضائي) للاستماع الى آرائهما وسنطلعهما على طريقة عملنا. واكد ان القرار النهائي سيصدر ضمن المهلة الزمنية التي يحددها القانون، كما دعا خامنئي موسوي الى مواصلة احتجاجه على نتائج الانتخابات ولكن بالطرق القانونية، على ما افاد التلفزيون الرسمي امس.
وقال المرشد الاعلى مخاطبا موسوي يجدر بك ملاحقة المسألة بالطرق القانونية، في اشارة الى تقديم موسوي طعنا رسميا الى مجلس صيانة الدستور طالبا الغاء نتائج الانتخابات.
ووجه المرشد الاعلى الى موسوي تحذيرا مبطنا من الحض على مواصلة التظاهرات التي تلت اعلان فوز احمدي نجاد.
جميع القوى في إيران أدركت خطورة الوضع، وأن دورة العنف إذا ما بدأت واستمرت فلا أحد بإمكانه ايقافها بدون تضحيات وضحايا كثيرة. ولعل استقبال المرشد الخامنئي لموسوي يؤكد نية التهدئة، وما تسرب من اللقاء يؤشر الى ذلك ومنه: قدم شكاوى قانونية مع إثباتات ووقائع لكل ما يتعلق بالضغوط والتزوير، والسلطات القضائية المختصة تتولى معالجة القضية والجميع سيتقبل حكمها، وأن ما حدث في الشارع من صدامات لا يمثلك ولا يعبر عن خطك السياسي. إصلاحي وصف الطلب من موسوي تقديم إثباتاته بأنه طلب تعجيزي لأن الفارق هو 12 مليون ناخب، وهذا الرقم المرتفع جداً يشكل وحده سداً منيعاً أمام أي تغيير في النتائج. ولو كان الفارق مليوناً أو حتى ثلاثة ملايين صوت فإن للبحث نتيجة.
المسألة الثانية أن التظاهرات التي بدأت عفوية وغير منظمة، تبدو الآن وكأنها أكثر تنظيماً وتأطراً وتوجيهاً مما يؤشر الى تشكل قيادات تعرف طبيعة الشارع الإيراني وخريطة مفاصله بشكل جيد. كما أن تعامل المتظاهرين حتى الآن بهدوء مع رجال الأمن حيث قدمت لهم الورود في بعض الشوارع، إلا أن هذا التعامل بدأ يتراجع بعد أن شارك الكثير من رجال الامن في تظاهرة ميدان ولي عصر تأييداً للرئيس الحالي، فقد لوحظ أن رجال الأمن المحشورين في الشاحنات شاركوا في التهليل للمتظاهرين ولرجال الباسيج الذين خرجوا بكثافة بكامل تجهيزاتهم ومسؤوليهم.
اللافت غياب الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني عن الأنظار والسمع. ذلك أن رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء والشريك في التاريخ والنضال مع الخامنئي، كما جاء في رسالته، له موقعه وكلمته. وطوال اليوم رد مكتبه بأنه في مدينة قم ولم يعد الى طهران. ويرى العارفون أنه لن يدخل على خط الوضع إلا بعد اتضاح الصورة أمامه فهو كان وما زال قلعة الثورة وثعلب الدولة.
وهكذا قد تستمر الاحتجاجات خصوصاً وأن ترويكا المعارضة المؤلفة من موسوي وكروبي والرئيس السابق محمد خاتمي دعوا القيادة الى إلغاء النتائج وإجراء انتخابات جديدة، ما يعني أن النظام كله واقع بين سندان إصراره على عدم إلغاء النتائج وتثبيت شرعية انتخاب أحمدي نجاد ومطرقة مطالبة المعارضة بإلغاء النتائج.
الجديد في كل هذه الأحداث، أنه حتى ولو هدأت الأمور وتراجعت التظاهرات، فإنه لأول مرة بعد الثورة تتشكل معارضة سياسية من داخل النظام ومؤسساته. فهل يستطيع النظام كما اعتاد في السابق احتواء التطورات واستثمار مردودها لمصلحته عبر تطوير نفسه بنفسه، أم أن الأوان فات؟!
من جهة أخرى تواصلت ردود الفعل الدولية على الانتخابات الايرانية أمس، لكنها اتخذت أمس منحى تصعيدياً، فقد دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون امس في تصريح صحافي الى احترام كامل للارادة الحقيقية للشعب في ايران.
وقالت وزارة الخارجية الاميركية انها منزعجة للغاية إزاء ورود تقارير تفيد بوقوع اعمال عنف ومخالفات في التصويت في الانتخابات الايرانية وحضت طهران على اجراء تحقيق شامل في مزاعم حدوث مشكلات في الانتخابات.
وأكد الناطق باسم الوزارة ايان كيلي نحن منزعجون بشدة إزاء ورود تقارير بوقوع اعمال عنف واعتقالات ومخالفات محتملة في التصويت.
وأعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس عن القلق الشديد ازاء الوضع في ايران، وبعدما ندد بـاعمال العنف ضد المتظاهرين دعا الى تقديم ايضاحات كاملة عن نتائج الانتخابات. واورد بيان للرئاسة الفرنسية ان ساركوزي يدين اعمال العنف ضد المتظاهرين واعتقال المعارضين والشخصيات السياسية والقيود على الحريات العامة.
واذ شدد الرئيس الفرنسي على ان العديد من مرشحي المعارضة رفضوا العملية الانتخابية، تحدث عن اعمال تلاعب. واضاف سيكون من غير المقبول ان تكون اعمال تلاعب شابت نتائج الانتخابات، ضد الارادة التي عبر عنها الشعب الايراني بديموقراطية. ينبغي تقديم ايضاحات كاملة حول هذا الوضع.
وطلبت فرنسا من ايران عبر سفيرها في باريس، حماية سفارتها في طهران التي استهدفتها تظاهرة معادية أول من أمس، وفق ما اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس.
واورد بيان للمتحدث باسم الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه ان الخارجية استدعت أمس السفير الايراني في باريس سيد مهدي ميرابوطالبي، وبعدما تبين انه غير موجود قامت الخارجية بابلاغه الرسالة بواسطة المستشار الاول في السفارة.
وقال شوفالييه اعربنا للمستشار الاول عن قلقنا حيال المزاعم عن حصول مخالفات في الانتخابات التي حصلت في ايران، وعن املنا ان يتم درس الشكاوى المقدمة بامعان.
واضاف شددنا ايضا على وجوب ان تحمي قوات الامن الايرانية سفارة فرنسا التي استهدفت (أول من) امس بتظاهرة معادية.
ودعا الاتحاد الاوروبي أمس السلطات الايرانية الى التحقيق في الاتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية والامتناع عن اي اعمال عنف ضد المتظاهرين مبديا استعداده لاستئناف الحوار مع طهران بشان برنامجها النووي. واعربت المفوضة الاوروبية المكلفة الشؤون الخارجية بنيتا فيريرو فالدنر عن الامل في ان تدرس (السلطات الايرانية) كافة الشكاوى حول المخالفات واظن ان ذلك اقل ما يمكن ان يقال. واعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند لدى وصوله الى اجتماع نظرائه الاوروبيين في لوكسمبورغ ان شكوكا جدية جدا اثيرت حول حرية ونزاهة عملية فرز الاصوات التي تثير قلقا حقيقيا وسنتابع الوضع عن كثب لجمع اكبر قدر من المعطيات.
من جهتة اعرب الممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا عن القلق من الصور الاخيرة التي رايتها والاخبار الواردة من طهران. واملي ان يتم احترام ارادة الشعب. واضاف سولانا الذي يقود المفاوضات مع ايران حول برنامجها النووي باسم الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) على كل حال سنواصل التزامنا تجاه الشعب والقادة الايرانيين. وأوضح آمل عقد لقاء قريبا وما ان تشكل حكومة سنقيم اتصالات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.