من جديد عمّت الفرحة جنبات الصرح العلمي الكبير، في جامعة الحريري الكندية في المشرف، إيذاناً باستئناف تخريج كوكبة من خرّيجيها بعد ثلاث سنوات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذي كان حريصاً دائماً على المشاركة في هذا التقليد الأكاديمي إلى جانب السيدة نازك في هذا الصرح الكبير.
وعلى الرغم من غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري جسداً إلا ان طيفه كان الحاضر الاكبر في الصرح الكبير، صوتاً وصورة وروحاً من خلال الكلمة التي ألقتها السيدة نازك رفيق الحريري عبر الهاتف في الاحتفال الذي أقامته الجامعة برعايتها ممثلة بالسيدة هدى بهيج طبارة.
طيف الرئيس الشهيد وبصماته وكل ما آمن به من أجل الشباب اللبناني، كان مشعّاً في باحة الجامعة التي رفعت صورته عالياً ومن خلال فيلم وثائقي يؤرخ لأبرز المحطات التي واكبها الرئيس الشهيد في بناء هذا الصرح العلمي الكبير.
الحضور
مثّل النائب عمّار حوري رئيس "كتلة المستقبل" النائب سعد الحريري وحضر الاحتفال وزيرة التربية الوطنية بهية الحريري ووزير المهجرين ريمون عودة والرئيس السابق للجامعة، مدير عام مؤسسة رفيق الحريري مصطفى الزعتري والمدير العام رئيس مجلس ادارة تلفزيون "المستقبل" سمير حمود ومنسق أطباء "المستقبل" الدكتور فيصل شاتيلاً وأمين عام الجامعة العربية عصام حوري ومستشارون سابقون للرئيس الشهيد ومدراء مدارس وأعضاء الهيئة الادارية في الجامعة وأولياء الطلاب.
استهل الاحتفال بالنشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت لروح الرئيس الشهيد ثم تحدث رئيس الجامعة الدكتور عبدالرحمن ارقدان فشكر للسيدة الحريري رئيسة مؤسسة رفيق الحريري ورئيسة مجلس امناء الجامعة اهتمامها الدائم ونوّه بما تبذله من جهود من أجل رفع مستواها.
وقال: "مضى تسع سنوات على ولادة هذا الصرح والجامعة تتقدم في إنجازاتها، وأبرزها العمل على أن تكون جامعة لبنانية وطنية بامتياز والاستمرار بدعم الأقساط الجامعية للطلاب من قِبَل أسرة الرئيس الشهيد من خلال تحمّل نصف قيمة الأقساط المطلوبة، بالاضافة إلى وضع خطة جديدة لمتطلبات سوق العمل والسعي إلى توسيع المباني الحديثة واستحداث فروع للجامعة على كافة الأراضي اللبنانية".
وخاطب ارقدان الخريجين فدعاهم إلى التفاؤل وطلب منهم أن يكونوا سفراء لجامعتهم كما وجّه تحية اعتزاز للأسرى المحررين وللشهداء مثمناً "ان تكون هذه المناسبة مصباح هداية للوحدة الوطنية".
نازك الحريري
ثم كانت كلمة للسيدة نازك الحريري عبر الهاتف تحدثت فيها عن مشروع الرئيس الشهيد وما كان يريده دائماً من خير للبنان ولشبابه.
وقالت: "يا أحبتي، في مثل هذا اليوم، أذكر وقفة رفيق عمري وهو يناشدكم بكلماته التاريخية: 7-7-أنا أقول لكم اعملوا بالمثل الذي تعلّمناه في صغرنا. لا تصدق ما تسمعه أذناك، وصدق نصف ما تراه عيناك، واترك النصف الثاني للعقل. فاستعمالكم للعقل سيكون هو المصفاة التي ستؤدي في النتيجة إلى معرفة الحقيقة التي يحاول كثيرٌ من الناس في هذه الأيام ... طمسها عنكم".
أيها الأحبة، اليوم، أذكر شهيدنا الغالي في المناسبة الأولى للتخرّج من جامعتكم وهو يناشدكم الوفاء للعلم، كما هو أوفى بحق التعليم عليه من أجلكم. إني بعد استشهاده للوطن، أحمل وفاءه لمستقبلكم العلمي رسالةً لعمري. رحمات الله عليه كم كان محبًّا للعلم والمعرفة، وكم كان مخلصاً لجيلكم وتحصيله أعلى درجات التعليم من أرقى الجامعات في وطننا. هو حقّق وعده وأنتم ما قصّرتم عن وعدكم له. لذا بوركت جهودكم وتهنئتي من القلب لكم على إنجازكم في هذا العام الأغر.
أضافت: "يا أحبّتي، ثلاث سنوات مضت على رحيل الرئيس الشهيد، وما زلت أحمل رسالته الإجتماعية والصحية والإنسانية، وكذلك التربوية. بدأ رفيق الحريري مسيرة إعادة الإعمار في لبنان ببناء الإنسان اللبناني، والشباب اللبناني تحديدًا. فقد آمن بأنّ الأوطان المتقدمة تبنى بسواعد مجتمعاتها الشابة، وتحصّن بالعلم والمعرفة وبالصروح التربوية والثقافية. وفي العام 1984، أطلقت مؤسسة رفيق الحريري مبادرةً تعليميةً واسعة النطاق، استفاد منها 35 ألف طالب أكملوا تحصيلهم الأكاديميّ في جامعات مرموقة في لبنان والخارج، ولا سيما في أوروبا وشمال إفريقيا وأميركا وكندا.
ثمّ انتقل من بناء البشر إلى الحجر. فجمع أصدقاء لبنان في العالم، بفضل شبكة علاقاته وصداقاته. وفي كانون الأول 1996، شارك في رعاية أول مؤتمر دولي خصص لمساعدة لبنان، ثمّ تلاه اجتماعان دوليان مهمان، باريس1 في 27 شباط 2001 وباريس 2 في 23 تشرين الثاني 2002، وقد تحققا بفضل جهود الرئيس الحريري ومساعي صديقه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. أما الهدف فكان إلتماس مساعدة المجتمع الدولي للبنان في تحقيق نهضته الإقتصادية.
وبعد اغتيال الرئيس الشهيد، أنجز الرئيس شيراك ما وعد به صديقه، فأكمل المسيرة الدولية الداعمة للبنان بمؤتمر باريس3، الذي قرّرت الدول جمعاءْ تسْميته بمؤتمر رفيق الحريري نعم هكذا قررت الدول جمعاءْ تسْميته بمؤتمر رفيق الحريري وتمكّن من جمع دول العالم حول بلدنا، بحمد الله وكأنّ رفيق الحريري لم يغب. بل ثبت أنّ ذلك القائد الفذّ، بما يحظى به من مصداقية وسيرة حسنة، ما زال حاضرًا في أذهان زعماء الدول وشعوبها. ولم يبخل المجتمعون في باريس على لبنان، ولا على ذكرى رفيق الحريري بالدعم المادي والمعنوي. فكان اندفاعهم لا نظير له في الكرم والعطاء، والفضل لله".
وتابعت: "أيها الأحبة، إنّ مؤسسة رفيق الحريري الإنسانية تخدم الشعب اللبناني أكاديميًا وصحيًّا واجتماعيًّا. ولعلّها أكثر ما يرمز إلى الرئيس الشهيد. ولكنّ دورها لا يمكن أن يكون حصريًّا في ضمان استقرار لبنان والحفاظ على سلامته. فالمؤسسة وغيرها من جمعيات المجتمع المدني، تساند حكومة لبنان المنتخبة ديمقراطياً في تطبيق برنامج "باريس3" والخطة الحكومية الرامية إلى النهوض بالبلد اجتماعيًّا وصحيًّا واقتصاديًّا وإصلاحيًّا. إنّ الدولة هي الأساس. والحكومة هي الأساس. ومؤسساتنا الدستورية هي الأساس. وأنتم، أبناء لبنان، مدعوون للعمل جنباً إلى جنب مع فعاليات القطاعين العام والخاص، من أجل الحفاظ على الدولة والمؤسسات في لبنان. هو حلم رفيق الحريري، وهو عهدنا له".
وقالت: "لا يسعني أن أنهي كلمتي قبل أن أجدد معكم المطالبة بالحقيقة، والمطالبة بالعدالة. إنّ قيام المحكمة الدولية ليس مطلبًا فرديًا لعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل هو حقٌّ لكل لبنان، لأنّه السبيل إلى وضع حد للإفلات من العقاب، وإنهاء مسلسل الإغتيالات الآثمة التي تسفك دماء شعبنا الغالي. إنّ إحقاق الحق هو الكفيل بكف يد الإجرام عن لبنان والطريق إلى إعادة الإستقرار إلى ربوعه، وإلى ربوع المجتمع العربي والعالم بأسره".
أضافت: "كان لرفيق الحريري همٌّ ثلاثي الأبعاد: لبنان والعرب والأسرة الدولية. فإن أصيب أحدها بمصيبة، اهتز كيانه. ومصاب العالم برفيق الحريري كبيرٌ، كبير. نحن لا نريد أن نتهم أحدًا بالظن، بل نترك للعدالة مجراها وللمحكمة الدولية أن تقدم البينة وتطلق الأحكام المناسبة. فالمحكمة ليست كما يحاول البعض أن يصورها وسيلة ترهيب لهذا أو ذاك. فمن حقنا أن نعرف من قتل رفيق الحريري، ومن حقكم أن تعرفوا من قتل ذاك الذي سهر على بناء مستقبلكم وعمل على جمعكم تحت هذا الصرح العظيم. واعلموا أنّ رفيق الحريري أوصانا بجمع الناس لا بتفريقهم، ونحن نصون الوصيّة".
وختمت السيدة نازك الحريري قائلة: "إذا كان من كلمات تختصر كل الكلمات يبقى عليّمناشدتكم للإستمرار والتقدّم على درب العلم والمعرفة لأنّ في ذلك وفاءكم الحقيقي لكم ولشهيدنا الغالي ولبلدكم. لا تصدقوا ما تسمعه آذانكم وصدقوا نصف ما تراه أعينكم واتركوا النصف الثاني للعقل. فاستعمالكم للعقل هو الطريق التي ستؤدي بكم في النهاية إلى معرفة الحقيقة مهما حاول الكثير من الناس في هذه الأيام طمسها عنكم. فالحقيقة هي التي ستحرركم وتقود طريقكم إلى العلم والمعرفة.
إنّ رحيل رفيق عمري هو الحزن الذي يعتصر فؤادي، وهو الأسى الذي ألمّ بي وبنا جميعًا، ولكن وجوده أصبح أكثر تأصّلاً في نفسي وروحي وكياني وقلبي، وإنني على يقين بأنكم تشاركونني الشعور نفسه، إنني أكتب له وأكتب عنه وهو حاضرٌ في ذهني، ومسيرته ونهجه يجسّدان الطريق الذي شقّه لنا، حتى يسهّل علينا مسيرة النهوض ببلدنا الحبيب، وليكون لنا كيانٌ في وطن سيّد مستقلّ هو، لبناننا، رحم الله شهيدنا الكبير الرئيس رفيق الحريري.
عشتم وعاش لبنان ووفّقكم الله في مستقبلكم".
بعدها ألقت الطالبة آية اسماعيل كلمة باسم الخريجين شكرت خلالها للسيدة الحريري اهتمامها بشؤون صرحهم الأكاديمي الكبير.
عودة
وتحدث ضيف الاحتفال وزير المهجرين وعضو مجلس أمناء الجامعة د. ريمون عودة، فعبّر عن اعتزازه بوجوده وحديثه في الاحتفال، وأعرب عن سعادته خصوصاً وأن هذه المؤسسة تعني له الكثير حيث لعبت دوراً بارزاً في العلم والمعرفة.
وتناول مسألة إنشاء مؤسسة الحريري وإنجازاتها وما قدمته للشباب اللبناني. وهنّأ الخريجين وطالبهم بالتفاؤل في وطنهم ونوّه بدور المجتمع اللبناني المغترب.
توزيع الشهادات
بعدها وزّعت وزير التربية والتعليم العالي بهية الحريري الشهادات على الخريجين.
وتخلل الاحتفال توزيع درعين سلمهما ارقدان لكل من عضوا مجلس أمناء الجامعة الوزير عودة ولمدير مؤسسة رفيق الحريري مصطفى الزعتري الذي أعرب عن سعادته بتخريج كوكبة جديدة من هذا الصرح.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.