8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السيرة النبويّة الشريفة في ذكرى مولد الرئيس الشهيد في مسجد محمد الأمين

... وتبقى عباراتها الأرقّ والأقوى.. تحفر في القلب غصّة تدمع لها المآقي.. افتقدته.. بحثت عنه دامعة في مسجد محمد الأمين.. فلم تجده يستقبل المدعوّين يوم الافتتاح.. لم تره بعينيها.. وما أصعبها من لحظة.
تفوح من حروف عباراتها أصدق المشاعر.. هي رفيقة العمر ورفيقة الدرب. هي التي تسمّرت أمام شاشة التلفزة دامعة متذكّرة ما قاله يوم وضع الحجر الاساس انه سيدعو العالم أجمع...
لم تفوّت مناسبة إلا وخاطبته، وبالأمس في ذكرى مولده، اختارت هديتها الثمينة بذوقها الرفيع.. آيات من الذكر الحكيم وتلاوة مباركة للسيرة النبوية الشريفة في قاعة تحمل اسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كل المحبّين إلى جانبها.. كل العيون لم تنس رفيق الحريري خصوصاً حين تسمع صوتها الحزين.
فأمس، لبّت الجموع الغفيرة دعوة السيدة نازك رفيق الحريري لسماع السيرة النبوية الشريفة عن روحه الطاهرة لمناسبة ذكرى مولده، في الأول من تشرين الثاني. فغصّت القاعة بالمحبّين والشخصيّات الذين قصدوا المكان من كل مناطق لبنان، وافترشوا الساحة المجاورة للمسجد وتحديداً مقر ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونثروا ورودهم البيض وكأنهم كانوا ينتظرون المناسبة.. في عيونهم حزن.. أزاحته عنهم كلمات السيدة الحريري وعباراتها الصادقة.. حضروا فتذكّروا شهيد الوطن، بانيه وباني مساجده.. لكنهم افتقدوه في المكان الأحبّ إلى قلبه، مسجد محمد الأمين.
تقدّم الحضور الحاشد، ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وزير الدولة خالد قباني، وحضر الرئيس حسين الحسيني والوزير ريمون عودة، فيما مثّل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ هشام خليفة، ومثّل شيخ عقل الطائفة الدرزية القاضي غاندي مكارم.
كما حضر الاحتفال العلامة السيد علي الأمين والنواب: مروان حمادة، سمير الجسر وعقيلته، محمد قباني، عمار حوري، وعاطف مجدلاني وشقيق الرئيس الشهيد السيد شفيق الحريري والسيدة هدى طبارة والوزير السابق محسن دلول وعقيلته، ورئيس بلدية بيروت عبدالمنعم العريس وعقيلة مفتي الجمهورية منى قباني، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي وشقيقا السيّدة الحريري زياد وجميل وشقيقتها ناديا وعائلاتهم ومدراء مؤسسات رفيق الحريري التربوية والصحية، وإعلاميون وأصدقاء للسيدة الحريري، وحشد كبير من جمعية نساء المستقبل من مختلف المناطق وأوفياء لنهج الرئيس الشهيد.
كلمة نازك الحريري
استهلت المناسبة بتقديم المقرئ الشيخ خالد سليم يموت وآيات من الذكر الحكيم للمقرئين الشيخين محمد زكريا الطقوش ومحمد البيلي ابراهيم، بعدها استمع الجميع لكلمة مسجلة بصوت السيدة نازك رفيق الحريري قالت فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
كل عام وأنت حيّ في القلب يا رفيق العمر.
كل عام وأنت الحبيب الغالي، واسمك محفور في البال والأفئدة، علماً من أعلام المحبة والعطاء.
انني أطل عليكم اليوم كما في كل عام، في ذكرى مولد رفيق عمري، ويساورني شعور عميق ممزوج بحرقة القلب ولوعة الفراق. هذا الشعور لم يفارقني يوماً وكيف عساي أن أمضي العمر بعيداً عن ذكرى الغالي على قلبي وعلى قلوبكم.
كل عامٍ وذكراك طيّبة يا رفيق،
هي السنة الرابعة والستون من حكاية نجاح، رويتها بحياتك حتى الشهادة وأحيتها دماؤك أسطورة تتناقلها الأجيال.
حلمت بالنجوم فلمستها. تراءى لك لبنان أصغر دولة عظمى، فحققت الرؤيا. نظرت عبر ركام الحروب، لتبني موطناً للسلام والحرية. قلت إننا شعب يؤمن إيماناً عميقاً بالتسامح والعدالة. وأدركت أن رسالة لبنان هي في حماية الديموقراطية الأقدم في العالم العربيّ.
وكان لبنان على شاكلة الحلم الكبير، بلداً متصالحاً مع نفسه ومع العالم، ودولة مبنية على دعامة العيش الواحد، وعلى أسس احترام حق المواطن في العيش الكريم، وفي اختيار مستقبله.
لبنان، يا رفيق، يثبت اليوم، وكل يوم، ما قلته بالأمس: أن الرغبة في العيش المشترك هي رغبة إرادية وليست محكومة بالقانون. فوحدة اللبنانيين الموضوعة على المحك منذ رحيلك، ما زالت منيعة في مواجهة التحديات، لأن شعب لبنان اتخذ قراره، واختار قيام الدولة الموحدة الآمنة، لتحضن أحلام أبنائه وأحفاده، ما دامت الأحلام التي أنبتتها دماؤك ملاذاً للحياة.
كل عام وأحلامك طيبة يا رفيق العمر.
فأنت الحلم والرؤية اللذان يعيشان في قلوبنا، وينيران دربنا لنحقق رسالتك في هذا البلد الحبيب. لم تبخل على لبنان بكل غالٍ وثمين، وقدمت له دماءك عربون محبة. وحسبنا أن نسلك نهجك، فنحمل شعلة الحياة الرغيدة، ونرفع لواء الحرية والاستقلال، للوطن الذي توجت حياتك فيه بالشهادة.
أعزك الله في مثواك الاخير، وجعل الجنّة لك مسكناً. إن ذكراك تبقى معنا ليس فقط في مناسبات كعيد مولدك أو عيد الأب أو كيوم استشهادك. أنت الأب لكل عائلة في لبنان، وأنت الشهيد الذي أريد باغتياله اغتيال الوطن. لا والله فذكراك في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل سنة وفي كل مناسبة وطنية.
وغدا انتماء أبناء هذا الوطن مرتبطاً بحبك للبنان وبتضحيتك في سبيله. إن أعمالك لا تعد ولا تحصى وهي لا تغيب عن فكرنا ونفوسنا وقلوبنا فكل شيء في هذا الوطن من بشر وحجر يذكرنا بك ويقول هكذا كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أريد أن أقول لك أيها الرئيس الشهيد إن اليوم الذي طالما حلمت به جاء، والأمنية التي انتظرتها بفارغ الصبر تحققت بافتتاح جامع محمد الأمين، نعم يا شهيد الوطن، أراودك حلم بناء هذا الجامع وتحقق اليوم. لم يكن هدفك أن تبني بيتاً من بيوت الله فحسب، ولكنك أردت أيضاً أن تثبت أن لبنان رسالة للعيش المشترك وللتنوع والحوار. بني جامع محمد الأمين وقد التصقت جدرانه بجدران كنيسة مار جاورجيوس. وكأني بك تقول للعالم أجمع: هذا لبنان الواحد باختلاف الأديان والطوائف فيه، لأننا نؤمن بإله واحد وبوطن لنا جميعاً، وكلنا لهذا الوطن. بالأمس القريب، تابعت افتتاح جامع محمد الأمين وفي القلب شعور بالفرحة والاعتزاز ممزوج باللوعة والاسى. كنت أفتخر بهذا الإنجاز العظيم، الذي انتظرته طويلاً، وقد شاركتك كل مراحل بنيانه. وكم كنا نلتقي في الرؤية وفي الذوق. وكم كنت أسر عندما أجد نفسي أتكلم بلسان حالك، واشاطرك ما كنت تشعر به وتريده لهذا الصرح الاعز. وعلى رغم الفرحة العارمة، اغرورقت عيناي بالدمع ألماً. تسمرت أمام شاشة التلفزة ورحت أبحث عنك علني أجدك تستقبل الجموع الغفيرة التي أمّت المسجد. تذكرت ما قلته لي يوم وضعت حجر الأساس لجامع محمد الأمين. قلت إنك ستدعو العالم أجمع، من ملوك ورؤساء مسلمين وعرب وأجانب، حتى يشاركونا هذا الحدث الجلل، قرب كنيسة في قلب لبنان النابض، في بيروت الغالية. لم أرك بعيني، وما أصعبها لحظة! ولكنني لمحت طيفك في كل ركن من أركان الجامع. وسمعت رنين صوتك في كلمات المدعوين من المرجعيات الروحية المختلفة. أولئك الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليلبوا دعوة رحلت للاسف قبل توجيهها لهم ولأهلنا وأهل هذا الدار. لقد كنت يا شهيد هذا الوطن الحاضر الأبرز في افتتاح الجامع كما في خدمة دينك وبلدك.
أما الذي أثلج صدري فهو ولدنا الحبيب سعد الذي تولى هذه المهمة الصعبة، فاستقبل جموع المدعوين، وفي عينيه دمعة حسرها في نفسه لأنه أراد أن يمثل أباً تعجز الكلمات عن وصفه من فخر وإعتزاز.
فهو خير بركة وخير تمثيل يا رفيق عمري. ولقد قرأت ما في نفسه وهو يحدق في أركان الجامع وفي سقفه، ويدرك كم لزمك من جهد وعمل لتنجز هذا البناء العظيم. وكأنه يقول لماذا حكمتم علينا أيها الظالمون باغتيال والدنا الحبيب؟ إن اغتيالك يا شهيدنا هو اغتيال للوطن ولشعب لبنان والشعوب العربية ولسائر شعوب العالم المحبة للسلام والحرية. ومنذ اغتيالك وهم يسعون جميعاً لمعرفة الحقيقة, ما يدل على انك لا تعني شخصاً واحداً، وإنما أنت شخص في شعب وشعب في شخص.
في عيد مولدك، لك منّا الدعاء بأن يجعل الله مثواك جنّة الخلد. ولنا منك أن تبقى معنا بحبك وعاطفتك، لنكمل نهجك ورسالتك الوطنية، مع دعائنا لله عزّ وجل بأن يرعانا في ما نصبو إليه إن شاء الله.
أما سلوانا بعد رحيل من هو رفيق دربي وعمري ومن كان ليهون علينا الصعاب التي نجتازها اليوم، فإن الله يعلم بعباده الصالحين وإنه منصف لعباده المظلومين.
وأنني ادعوه سبحانه وتعالى أن ألقاكم في أرض الوطن بعد الغياب المرير، لأن الكلمات لم تعد تكفي لتنقل اشتياقي لكم وللبنان الحبيب.
وكل عام وذكراك طيبة يا رفيق العمر.
يذكر أنه رافق إلقاء كلمة السيّدة الحريري، فيلم وثائقي عن الرئيس الشهيد ومسيرة الاستقلال قبل استشهاده وبعده.
السيرة النبوية
ثمّ استمع الجميع للسيرة النبوية الشريفة بصوت المقرئ الشيخ خالد يموت وفرقته. واختتم الاحتفال برفع الدعاء عالياً لكشف قتلَة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ورافق المناسبة توافد الحشود والمحبين والأوفياء الى ضريح الرئيس الشهيد وتلاوة الفاتحة. فوصل وفد من نساء المستقبل من بيروت والبقاع الأوسط والشمالي والغربي، ومن عكار وطرابلس، وتلوا الفاتحة لروحة الطاهرة ووضعوا أكاليل من الورود.
كما أمّت الضريح وفود شعبية ووجوه دينية وكل من استمع لتلاوة السِيرة النبوية الشريفة.
وزُيّنت المناسبة بإكليل من الورد الجوري الأحمر الذي تصدّر باحة الضريح، موقّعاً من السيّدة نازك بعبارة اتّخذتها في المناسبة لك الولاء في يوم الوفاء.. كل عام وأنت حبيبي.. نازك رفيق الحريري..


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00