أقام رئيس "مجموعة فرعون" الوزير السابق ميشال فرعون، احتفالا حاشدا في ساحة النجمة في وسط مدينة بيروت، لمناسبة مرور 150 عاما على تأسيس "مجموعة فرعون"، بحضور نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ممثلا الرئيس نبيه بري، وزير الاتصالات محمد شقير ممثلا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، الرئيس تمام سلام، ممثلي رؤساء الطوائف، النائب عماد واكيم ممثلا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، نواب، سفراء، رئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني وأعضاء المجلس البلدي، مشايخ، مخاتير بيروت وممثلين عن غرف تجارية ونقابية عدة وإعلاميين، بالإضافة إلى شخصيات اجتماعية واداريي وموظفي شركات مجموعة "فرعون" من لبنان والخارج.
كما حضر المطران جورج بقعوني ممثلا بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف الاول العبسي الذي ألقى في المناسبة كلمة متلفزة لوجوده خارج لبنان، مباركا لمجموعة فرعون في عيدها ال150، و"للعائلة صاحبة التاريخ العريق في المبادرة في أعمالها الخاصة في لبنان وعلى مدى الشرق ولأفرادها الذين تميزوا بروح التضحية والعطاءات الكبيرة في الخدمة العامة، على صعيد الوطن والإنسان، من دون تفرقة"، منوها ب"صفات الوزير ميشال فرعون بالحكمة والثقة اللتين يتحلى بهما".
هذا وقد تم اختيار موقع الاحتفال على بعد خطوات قليلة من المنزل الذي ولد فيه المؤسسان ميخائيل وروفائيل فرعون ومن المبنى حيث كان يقع مصرف "فرعون وشيحا"، وذلك لإزاحة الستارة عن مقعد فني عام، من تصميم أناستازيا نيستن المتحدرة من جذور لبنانية والتي فازت بمسابقة خصصت للمناسبة.
بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني ثم دخول "علم الاستقلال الأول" الأصلي الذي وقع عليه ابن العائلة هنري فرعون مع ستة نواب بالشكل الذي اقترحه وقتها وتم تبنيه، تلاه عرض وثائقي يختصر تاريخ العائلة ومساهماتها الكبرى في تاريخ لبنان.
شقير
ثم ألقى الوزير شقير كلمة أكد فيها "أن مناسبة الفرح هذه هي أفضل رسالة من القطاع الخاص، فعلى الرغم من الظروف الصعبة التي نمر بها يبقى القطاع الخاص مؤمنا بالبلد ومستمرا في مواجهة ما نمر به من صعوبات".
وتوجه الى "بعض الوزراء الذين يزايدون في موضوع الضرائب" بالقول "زيحوا عن القطاع الخاص ليستمر هذا البلد، فعلى الرغم من كل شيء ما زلنا مؤمنين ومستمرين وسننهض من جديد بالبلد الى ما كنا نتمناه".
وهنأ شقير فرعون على مرور 150 عاما على تأسيس مجموعة "يفتخر بها جميع اللبنانيين".
فرعون
وتحدث فرعون عن "رحلة البحث في تاريخ من 150 عاما هو عمر المجموعة، وعند متابعة خيوط الرحلة التي بدأها ميخائيل وروفائيل فرعون في العام 1868 في هذا المكان بالذات قبل ساحة النجمة التي تأسست في العشرينات، والبيت والمكتب كانا هنا قرب الكنيسة، تبين لنا بعض الثوابت:
الثابتة الأولى: كانت في الإيمان والمثابرة في العمل ورفض الوقوع في الإحباط عند النكسات والتمسك بروح المبادرة والدينامية وابتداع الحلول، مهما كانت الظروف أو ثمن التضحيات.
الثابتة الثانية: هي بيروت، حب بيروت، خدمة بيروت والإيمان بمستقبل بيروت، منذ ان كانت ضمن ولاية الشام الى ان أنشئت ولاية بيروت في 1880 تمتد على الشاطئ من اللاذقية الى عكا، بتطور مرفئها، ومؤسساتها ومستواها الحضاري، قبل ان يبدأ التحرير عندما اصبحت عاصمة الانتداب، عازمة ان تكون ايضا عاصمة لبنان المستقل دون أن تعلم الاطماع المتصاعدة عليها. ففرض أهلها احترام الإرادة الشعبية للاستقلال في هذه الساحات، بمظاهرات كبيرة وعبر رسم وتبني النواب السبعة في المجلس المحاصر ومن ثم كل لبنان علمها الأول، رمز السيادة والاستقلال اللبناني.
حب بيروت، ولو كانت مجروحة، كما ظهرت في جسمها الجراح الكثيرة منذ الحرب اللبنانية.
وحب العطاء لبيروت التي تستحق ان نعطيها أكثر من أن نأخذ منها، كما فعل الرئيس رفيق الحريري ويفعل دولة الرئيس سعد الحريري، فبيروت وأهلها بحاجة الى الكثير الكثير من الاهتمام، في وقت لا يرى فيها البعض إلا مركزا للنفوذ او الكباش.
أما الثابتة الثالثة: فهي واجب الانخراط في الشؤون العامة بكل أشكالها، من اجل بيروت وأهلها ولبنان والايمان بالهوية العربية، ووضع أي نجاح أو طاقة في خدمة المصلحة العامة وليس العكس، ليبقى الضمير حيا في كل عمل ينجز، إن كان في القطاع الخاص او في خدمة المجتمع.
ولم نر خلال الرحلة انقطاعا لهذه الروحية والاداء عبر الأجيال، منذ 1868 حتى اليوم، ولو كانت على حساب مصالح أو منافع خاصة".
أضاف: "نرى عند الكثيرين، وعند الرئيس الحريري في مشروع "سيدر"، الإيمان والعزم والشجاعة والصمود لتجاوز صعوباتنا الكبيرة، ونرى ايضا الألم والقلق واحيانا الغضب، لأننا نعرف أنه إن لم تكن هناك يقظة ضمير جامعة للترفع عن المصالح الفئوية والضيقة، والمضي قدما بإصلاحات كبيرة ووقف الهدر والفساد، ستدفع بيروت، وسيدفع لبنان واللبنانيون، من دون تفرقة، ضريبة جديدة قاسية من تخبط ومشاكل اقتصادية واجتماعية وأزمات تؤدي مجددا الى الهجرة بعد ضريبة الدم التي توقفت مع اتفاق الطائف".
وتابع: "إن لم نلتزم فعلا تحييد لبنان عن سياسة المحاور، سندفع ايضا ضريبة الوقوع في آلام كبيرة بدل أن نسلك طريق النمو واستكمال الحوار الوطني، وتفعيل دور لبنان التلاقي والرسالة للعالم لتعود بيروت منارة الشرق والعاصمة العربية للسياحة والفن والثقافة والاستشفاء والتعليم والحضارة".
عيتاني
وتوجه عيتاني بالتهنئة الى فرعون والمجموعة، "لمساهماتهما الكثيرة عبر السنوات في بيروت التي أعاد بناء وسطها الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، شاكرا المجموعة على المقعد الفني العام الذي تم تقديمه للعاصمة.
وأكد "أن مشاريع كثيرة للبلدية باتت على سكة التنفيذ وسيشهد أبناء العاصمة وسكانها تطورا ملحوظا في أكثر من مجال".
في الختام، تم تدشين المقعد الفني العام الذي أهدته المجموعة إلى مدينة بيروت والذي أرادته العائلة تكريما لمؤسسي إحدى أقدم المجموعات التجارية في البلاد والمنطقة.
وكانت المجموعة قد أطلقت مسابقة فنية لابتكاره بالتعاون مع بلدية بيروت و"سوليدير"، ودعت المبدعين اللبنانيين الشباب للتفكير في الأماكن العامة من خلال تصميم وتنفيذ قطعة فنية فريدة ترمز للحوار بين المواطنين والتلاقي في قلب المدينة، مستوحاة من روح المبادرة لشركة عائلية تمكنت، على مدى 150 عاما، من تعزيز النشاط الصناعي والاقتصادي في لبنان. إضافة إلى تكريم رواد "مجموعة فرعون" الذين، ومن خلال صناعة الحرير وتجارته، أسسوا مجموعة نشطت في لبنان والمنطقة، في مجالات المال والتجارة والنقل البحري والتأمين لتشمل في ما بعد المنتجات الصيدلانية والكيميائية والزراعية، وتشتهر بعد ذلك بشغفها بالخيول العربية ومساهماتها في الشأن العام والمجتمعي والسياسي.
وختاما وزع على المشاركين كتاب بعنوان "150 عاما... روح المبادرة والالتزام المدني" يعرض تاريخ العائلة والمجموعة، منذ إنشائها في العام 1868 وحتى يومنا هذا.
نبذة عن عائلة فرعون
في أواخر القرن التاسع عشر، أنشأت الشركة مؤسسة تجارية مزدهرة للسلع المصنعة والشرانق والحرير في لبنان وسوريا. ونجحت أيضا في ذلك الوقت في إقامة علاقات تجارية مع فرنسا وإيطاليا بشكل أساس. وبهدف تأمين تمويل صناعة الحرير وتجارته، أسس ميخائيل وروفائيل فرعون أيضا عام 1876، بالتعاون مع عدد من الشركاء، شركة مالية كبرى لتصبح بعد سنوات قليلة، وتحديدا عام 1882، أقدم مصرف خاص في بيروت هو "بنك فرعون وشيحا"، والذي بقي حتى عشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، من أكبر مالكي العقارات في لبنان.
في أوائل القرن العشرين، وسعت الشركة التي اصبحت "ر. فرعون وابنائه" نطاق نشاطاتها في مجالي استيراد الفحم والنقل البحري على امتداد ساحل محافظة بيروت الذي كان يصل آنذاك الى اللاذقية في الشمال، ونابلس في الجنوب وبذلك، ساهمت الشركة في تطوير مرفأ بيروت الذي شاركت في إدارته على مدى قرن. إلا أن هذه النشاطات تراجعت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وتسببت بخسائر كبيرة للمجموعة. ولكن ما أن انتهت الحرب، أسست عائلة فرعون شركة نقل في فلسطين وشاركت في إنشاء ميناء حيفا. غير أن المجموعة أجبرت بعد ذلك على مغادرة فلسطين والعراق في العام 1946. واستثمرت في مصر وعززت نشاطها التجاري مجددا في لبنان وسوريا، في مجالات التأمين والوكالات البحرية، واستيراد المنتجات الصيدلانية وتوزيع غاز البوتان الذي حل تدريجيا محل الكيروسين في المطابخ.
كذلك، تعرضت المجموعة لنكسة أخرى في أواخر الخمسينيات مع تأميم الشركات الخاصة في مصر وسوريا. عندها قامت مجموعة فرعون بتكثيف نشاطاتها في لبنان، حيث كان البلد في عز ازدهار اقتصادي في ذلك الوقت. بعد إغلاق قناة السويس في العام 1967، قررت المجموعة العمل مع دول الخليج الناشئة. ثم واصلت نشاطاتها في لبنان طوال الحرب الأهلية من خلال مكاتب تقع في باريس وقبرص.
وفي نهاية الحرب اللبنانية، أعادت العائلة فتح مكاتبها في بيروت حيث واصلت عملها منذ ذلك الحين.
تبوأ عدد من أبناء العائلة، عبر التاريخ، مواقع رسمية عدة، وشاركوا في مجالس تمثيلية منتخبة خاصة في بيروت وايضا في البقاع والجنوب قبل الاستقلال وبعده، في مناصب نيابية و وزارية.
فمجموعة وعائلة فرعون تحتل حتى اليوم مكانة مهمة في المشهد الاقتصادي والاجتماعي في بيروت، الى جانب الدور الخاص الذي تلعبه على المستوى السياسي اللبناني. ولم يكف اعضاؤها عن المساهمة في تنمية لبنان وعاصمته على مدى السنوات المئة والخمسين إذ لعبوا دورا اساسيا وناضلوا سعيا الى الاستقلال، وجندوا، منذ الثلاثينات، كافة القوى والعلاقات العائدة للمجموعة في لبنان والمنطقة في سبيل هذه القضية. وعملوا أيضا بلا كلل من أجل ضمان انتخاب الرئيس الشيخ بشارة الخوري، الذي كان متزوجا من حفيدة رافاييل يوسف فرعون، ومستشارا من خلال مكتبه المحاماة لكثير من مصالح العائلة قبل الرئاسة.
هنري فرعون شخصية سياسية بارزة في رحلة استقلال لبنان، وفي انتصار معسكر الاستقلال في انتخابات عام 1943 وتأسيس الجامعة العربية.
بالاضافة إلى ذلك، كان أفراد العائلة ومسؤولو الشركة حاضرين بقوة في مختلف الأنشطة في المجالات الصحافية والثقافية والاجتماعية والرياضية والتعليمية. وشغلوا، منذ إنشاء مجلس إدارة "ولاية بيروت" عام 1888 وحتى اليوم، وظائف عامة، بلدية، برلمانية، ووزارية. ومنذ العام 1892، كان ميخائيل يوسف فرعون (1892) ويوسف رافاييل فرعون(1901) وفيليب رافاييل فرعون (1911)اعضاء منتخبين في مجلس إدارة "ولاية بيروت"، كما كان يوسف فرعون أيضا عضوا منتخبا بمجلس قضاء البقاع العزيز (1881)، حيث نشأت خلافات مع سلطات الولاية خلال الحرب العالمية الأولى. وكان ميشال رفاييل فرعون وألبرت رفاييل فرعون وبيار ميخائيل فرعون ايضا أعضاء في مجالس بلدية. وكان هنري فيليب فرعون نائبا لدورات عدة في بيروت والبقاع ووزيرا لحكومات متعددة، وبيار ميشال فرعون نائبا عن قضاء جزين ووزيرا في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1995. كما دخل ميشال بيار فرعون المعترك السياسي منذ العام 1996 نيابة ووزارة لحكومات خمس ترأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس تمام سلام والرئيس سعد الحريري.
تبقى عائلة فرعون حتى اليوم معروفة بشغفها وتمسكها بهويتها العربية والفن العربي وحماية الخيول العربية وهم من كبار أصحاب الخيول العربية، وتولوا ادارة مضمار سباق الخيل في بيروت لعقود عدة.
تعود مكانتهم المهمة في طائفة الروم الملكية الكاثوليكية إلى زمن ولادته في أوائل القرن الثامن عشر في جسمه الكنسي والمدني، في لبنان وبلدان عدة. كما عرفوا لاعتدالهم وانفتاحهم على جميع العائلات الروحية المسيحية والاسلامية.
من ناحية أخرى، تواصل "مجموعة فرعون" نشاطاتها في مجال التجارة وتوزيع الأدوية في الكثير من البلدان من خلال مجموعة Pharaon Healthcare التي تأسست في الأربعينات. وكانت بدأت بأنشطة التأمين للمجموعة وتوسعت في الكثير من البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا تحت راية Libano-Suisse.
كذلك في المجال الطبي، مع Globemed التي تقدم التغطية الصحية لملايين من الناس في المنطقة، وتضم أكثر من 2000 موظف موزعين على 14 دولة حول العالم.
هي حكاية عائلة تشكل جزءا من تاريخ لبنان، بنجاحاته وإخفاقاته، بحروبه وفترات الازدهار فيه. حكاية لن تنتهي مع الاحتفال بمئة وخمسين عاما، بل هي محطة لانطلاقة جديدة، لسنوات كثيرة أخرى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.