أسعد حيدر

17 تشرين الأول 2019 | 11:54

كتب أسعد حيدر

طيران فوق "عش الدبابير "!

طيران فوق

الحرائق التي تلتهم بعض أحراش لبنان وأملاك لبنانيين على أبواب الشتاء وأثناء أزمة إقتصادية تُهدّد كل اللبنانيين، تبدو محدودة وصغيرة أمام الحرائق التي تجتاح خريطة المنطقة من المحيط الى الخليج …ولو جرى التحليق فوقها على اي علو ممكن او حتى مسموح به، فإن المشهد سيكون مأساويا لانه مثل طيران فوق "عِش من الدبابير" التي تتقاتل فيما بينها حتى الموت، تماما كما حدث في الايام الاخيرة لـ"ممالك الأندلس " …

اذا ما أخذ بعين الاعتبار فارق الزمن وحتى الجغرافيا وبطبيعة الحال الظروف والأشخاص، فإن اكثر من "ملك " قادم على صهوة حصانه مدعيا حقه بوضع يده على "حصته" لأنه بذل الكثير من جنده وماله للوصول الى ألابواب الداخلية لهذه الارض التي لم يعرف الرجال القتال دفاعا عنها بقدر ما أجادوا التقاتل فيما بينهم …

توجد حاليا ثلاث دول ممزقة ورابعة محاصرة. سوريا والعراق واليمن، مثال صارخ على تمزقها والاطماع بها. سوريا كلما تقدمت خطوة نحو الانعتاق من الحروب، كلما تكاثر الطامعون بها. بلا شك أن "القيصر" هو الاقوى وهو اليوم الذي "يرسم المسارات "، ويتابع ويشرف ويدقق في تنفيذها خطوة خطوة . قد لا يكون وحده على الأرض خصوصا مع وجود الإيراني الذي يؤكد يوما بعد يوم أنه استثمر الكثير من قوته العسكرية والمالية وليس مستعدا للخروج عاريا من "حفلة " الامساك بحصة تعوّضه أتعابه تحت شعارات بعضها معمد بالدماء خصوصا على صعيد المقاومة والتحرير (علما أن تحرير فلسطين قد ابتعد شمالا وصولا الى حلب ). كما أن الأميركي حتى ولو انسحب منارة المعارك فإنه اصبح يعرف كيف يبقى بعيدا وقريبا في الوقت نفسه كما هو الآن في قاعدة التنف .

القوية الآن هي تركيا التي تعمل مهما كانت الكلفة على خلق "حزام آمن" من الأكراد وضدهم الذين كما جرت العادة منذ "جمهورية مهاباد" أن تثبت الحلول على "جثة أحلامهم" وموقعة بدمائهم. الآن يدفعون ثمن انقيادهم للثقة بالأميركي. الرئيس ترامب أخرج من التاريخ حجة لم تخطر على بال احد وهي أن الاكراد لم يدعموا الأميركيين في الحرب العالمية الثانية (الأكراد لم يشاركوا في معركة النورماندي وهذا صحيح؟؟) . أخيرا نجحت تركيا في وضع رجلها أمام طاولة "الكاتو" السورية … المبكي - المضحك أن سوريا الممزقة على طاولة التقاسم يقف أمامها من يهتف أن الرئيس بشار الاسد قد انتصر وأن سوريا أصبحت حرة ومستقلة وتملك كامل السيادة على أراضيها فهلمّوا لنضع يدنا بيده وتتشارك في الإعمار والبناء لولا عدة قواعد عسكرية روسية وأمركية موجودة لمدة تسعة وتسعين سنة فقط واُخرى أوروبية لتعزيز الأمن والاستقرار والسيادة …

أما العراق فيا ويله من اشتباك الاطماع والمصالح بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية في إيران. لكن في عز هذا الاشتباك تستيقظ الوطنية العراقية وتنهض بكلفة غالية قد لا تتحقق غدا امتلاكها لكامل السيادة ولكن المسيرة بدأت مع معرفة كاملة لحجم كلفتها شعبيا . قد يكون رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قد تراجع وخسر الكثير من رصيده، لكن رغم ذلك ومن خلال تحرك الشارع العراقي خصوصا الشيعي منه قد أضاء الأخير "شمعة في الليل" المخيم على العراق منذ أربعة عقود، وليس فقط منذ ١٦عاما … العراق مازال أرضا مفتوحة على كل المفاجآت، وما لم يستق ومع سوريا ويعود التوازن لهما فلا توازن في المنطقة ولا خواتم دقيقة ونهائية حتى ولو كان القيصر وبالتفاهم مع الأميركي الذي لا يريد أن يلوث يديه بدماء ووحول المنطقة طالما انه قادر بعد ان ثبت مبدأ تسديد الكلفة على كاهل طالب المساعدة .

اليمن حالة ليست مستعصية لكنها مكلفة جدا. العثور على حل لها أصبح ملحا اليوم أكثر من الأمس وغدا أكثر من اليوم. الحرب فيها ليست قدرا. إيران حصتها من حصة الحوثيين تماما كما في لبنان حصتها من حصة "حزب الله" في السلطة . الوكيل أقل كلفة من الإنخراط على الارض بالتفاصيل المحلية، خصوصا إذا كان الوكيل بحاجة الأصيل يوميا .

رغم كل مظاهر القوة والاستقواء للقوى الإقليمية على القوى المحلية فإن الثلاثة ليسوا بخير. إيران تعاني من الحصار الأميركي وأزمتها تكبر وتتضخم رغم إعلام "الميكرفون" الذي لا مثيل له سوى السوفياتي منه، حول انتصاراتها في كل الميادين خصوصا العسكرية وانتاج الأسلحة المتطورة رغم الأزمة الاقتصادية التي تتعمق الى درجة حاجة الايراني للكثير من حاجياته الأولية التي كان يحصل عليها طبيعيا وبدون مشقة. هذا النظام يراهن على عدم التجديد لترامب حتى يؤكد انتصاره علما أن لا شيء حتى الان يؤكد أن بديله سيكون اكثر رأفة او تفهما وتعاونا منه . وما لم تقرر إيران ماذا تريد: دولة قوية ومحترمة ام امبراطورية (مهما اختلفت تسميتها ونظامها) فإن أزماتها لن تنتهي وسيبقى الشعب الايراني يدفع ثمن هذا الصراع حتى النهاية

بدورها فإن وضع تركيا أكثر تعقيدا فهي تعاني من أزمة داخلية وخارجية معا عنوانها البحث عن هوية نهائية. تركيا الأردوغانية تبحث عن هوية لها يتداخل فيها التاريخ مع الجغرافيا. كما أن تركيا اليوم وغدا ممزقة بين الجنوح النهائي نحو أروبا مع كل تكاليف هذا الانزياح العالية جدا، أو الاندماج مع جنوبها المشرقي وشرقها الآسيوي الذي كان جزءا من الاتحاد السوفياتي ؟

هذه الارض كانت وستبقى أرض الزلازل … لتستقر ولا تدع أحدا يستقر عليها٠ أهلها فقط ومهما تكاثر المتقاتلون عليها لاقتسامها، ونزفت حتى الموت، تعود لتحيا حتى ولو علقت على خشبة …

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

أسعد حيدر

17 تشرين الأول 2019 11:54