انتفاضة ١٧ اوكتوبر ( تشرين ثاني) استثنائية في تاريخ لبنان
. الصبايا والشباب الذين ملؤا الساحات والشوارع في بيروت وكل المدن اللبنانية ، عبروا طوائفهم وأعطوا للبنان الذي يحلم به اللبنانيون منذ عقود طويلة حضورا سواء تجسد في التغيير ام لم يتجسد لن يطاح به من تاريخ لبنان مهما طال الزمن . ايضا وهو مهم جدا حاليا وللمستقبل ، أكد المنتشرون في الساحات والشوارع ،في الوقت المناسب ان "رماد" ثورة ١١اذار في سوريا الذي جعل الكثيرين يعتقدون ان بشار الاسد انتصر وانه باق الى الابد وانه قادر على اعادة لبنان الى "زمن عنجر" ، ليس سوى طبقة تغطي الولادة الجديدة للتغيير … ها هي تونس تتابع مسيرتها الديموقراطية بعد ولادة صعبة لكنها ناجحة . ايضا ها هو السودان ينهض بعد حكم البشير السيء الذكر الذي دام ثلاثين عاما بعد ان قبل "العسكر" تقاسم السلطة مع المدنيين . بدورها الجزائر التي يبدو مخاض ولادة ربيعها طويلا ولكنه آت لا ريب فيه بسبب شبابها الذين سئموا حكم "العسكر" وسرقاتهم ورفضوا الانجرار الى السلاح والعنف حتى لا يكون ذلك "المركب" الذي ينقذ "العسكر" ولو في عبوره بحرا من الدماء كما حصل في "العشرية السوداء "وكما حصل في سوريا في مقتل نصف مليون سوري وتهجير عشرة ملايين في اربع رياح الارض .
حتى الان ما يجري في لبنان رغم جماله ليس ثورة حتى يسقط النظام . من الواضح ان إسقاط النظام في لبنان غير ممكن واصلا لم يطالب به احد ، وهذا ليس بسبب "العسكر" (علما انه يحمي الشباب وكانه يحمي نفسه ) وانما بسبب خصوصية النظام نفسه ، الذي لا مثيل له في العالم . النظام اللبناني المعقد هو وليد التركيبة الاكثر تعقيدا في العالم … في لبنان ١٧ طائفة لا يمكن شطب واحدة منها مهما كان عددها محدودا الى جانب ان يكون للكبار مميزاتها وموقعها ولا يمكن لواحدة مهما علا شانها وتضخمت قوتها، يضاف الى ذلك وجود عنصر قديم ومتجدد يمكن ان يطلق عليه "الباب العالي" والذي حسب حضوره في الساحة الدولية يكون له كلمته في قوة او ضعف من يحضنه في السلطة ، لذلك الحاضن والمحضون يتغذيان من بعضهما البعض .
هذه الخصوصية الشديدة التعقيد هي التي تجعل النظام اللبناني هشا وصلبا في الوقت نفسه، مثل "التؤام السيامي " . لا يعني هذا صرخة يأس ولكن توصيفا لواقع صعب جدا . تغيير النظام مستحيل ، لكن تطويره ممكن . يجب صياغة نظام انتخابي حديث وان يقدم الشباب الذين عبروا طوائفهم في ١٧ أوكتوبر على ترجمة عملية العبور الضخمة في تحطيم "خط الطائفية والتبعية" وذلك في اختيار نواب اكثر تمثيلا لهم ولطموحاتهم على قاعدة العمل بنظام انتخابي حديث . من المهم جدا ولادة أصوات مسموعة من قلب الساحات والشوارع ،خصوصا وانه حاليا تعيش مختلف القوى مأزقا يتضمن خصوصيتها .
ايضا وهو مهم جدا ان العلة ليست فقط في النظام السياسي ، وانما ايضا في قلب النظام الاقتصادي و لا شك ان هذا النظام مريض جدا ، وهويتحول يوما بعد يوم من "مرساة للسفينة"الى ثقل يجذبه اكثر فاكثر نحو الغرق … يقوم هذا النظام على ركائز :
• النظام المصرفي الذي قام وازدهر في جزء أساسي منه على السرية المصرفية معززة بثقة المودعين بالمصارف مما دفعت الكثيرين من غير اللبنانيين ايضا الى ايداع اموالهم في مصارفه …هذه الميزة انهارت مع اقتحام الولايات المتحدة الاميركية السرية سواء في لبنان او سويسرا لألف سبب وسبب . لذلك يجب العمل على تجاوز هذه الثغرة في "السفينة" المصرفية عبر العمل على استعادة الثقة ( طبعا الخبراء اقدر مني على توضيح الصورة من حيث اسبابها وشروط علاجها )
• السياحة. لبنان يملك الكثير من أسباب تجعل من هذا القطاع رافعة أساسية للاقتصاد اللبناني لكن باختصار شديد فان الآسباب التي جعلت من هذا القطاع ناجحا تراجعت مكانتها . يجب الاستفادة من تجارب الاخرين وخصوصا تركيا لإعادة احياء هذا القطاع وللخبراء دورهم في ذلك .
توجد ايضا ركيزة رديفة لما سبق وهي قطاع الزراعة … للأسف تحولت الزراعة الى "ثقب اسود " يبتلع مجتمعا كاملا وقسما مهما من العائدات المالية . يمكن ايراد أسباب كثيرة أنتجت ما يشبه الكارثة خصوصا في البقاع الشمالي ومنطقة عكار ، وما لم تجد الدولة بعد دراسات سريعة لزراعات بديلة فان الكارثة ستنفجر مسببة اخطار اين منها كل ما سبق .
لم يعد الاسبرين الدواء الذي يمكن ان يوقف الالتهابات الخطيرة المنتشرة في جسم لبنان . حان الوقت ليسمع "قادة الطوائف" الأصوات العالية لانتفاضة ١٧ اوكتوبر قبل فوات الاوان
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.