3 تشرين الثاني 2019 | 17:05

المكتب السياسي

الشعب .. "قلب الطاولة"!

الشعب ..

كتبت د. ربى دالاتي رافعي (*)

وضعت وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّ معظمها باتفاق الطائف حداً للحرب الأهلية اللبنانية التي استمرّت خمسة عشر عاماً على أساس عدم تغليب فئة على أخرى وعلى أن جميع المواطنين سواسية في الحقوق. وقد نصّ الاتفاق، الذي عُقد في المملكة العربية السعودية سنة 1989، على نزع السلاح من جميع القوى المتقاتلة في الداخل اللبناني واستثنى في حينه حزب الله من هذا الاجراء لاعتباره مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.  

حافظ حزب الله على صفة المقاومة التي كان يجمع عليها اللبنانيون حتى تحريره للجنوب عام 2000. إلا أنه انغمس بعدها في الحياة السياسية اللبنانية ليشارك بالحكومات دون الأخذ بعين الاعتبار فقدانه للالتفاف الوطني الجامع بسبب ولائه للجمهورية الاسلامية الايرانية.

تتالت الأحداث سريعاً في الساحة السياسية اللبنانية بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذي كان عرّاب الطائف، ليقع البلد من بعده بالكثير من المطبّات والتجاذبات. فعلى أثر مشهدية 8 آذار 2005 التي وجّه فيها حزب الله الشكر إلى سوريا، تداعت القوى السياسية السيادية إلى طلب الخروج السوري من لبنان في أكبر حشد عرفه التاريخ اللبناني في ساحة واحدة في 14 آذار 2005. 

ثم توالت الاغتيالات لشخصيات من رموز قوى 14 آذار وكذلك الأحداث الدامية المتنقلة، من الحرب مع اسرائيل في 2006، إلى نهر البارد في 2007 وأحداث 7 أيار 2008، مروراً بجولات الاقتتال في طرابلس التي كانت تشتعل عند كل استحقاق أو فرض نفوذ سياسي، وأيضاً بتمدد بعض المنظمات الارهابية الآتية من سوريا والتي استدعت تدخل الجيش اللبناني للقضاء عليها، وصولا ً إلى تحولات في السياسة الداخلية أثرت على موازين القوى بحيث سمحت لفئة التغلب على فئة أخرى.

لم يكن بإمكان حزب الله رغم سلاحه أن يحكم البلد دستورياً دون شراكة مسيحية، لذلك اضطر لتكوين قوى ٨ آذار المتمثلة بحلفه مع التيار الوطني الحر وبعض الجهات السياسية الموالية لسوريا. بالمقابل أدّت وثيقة التفاهم التي وقّعتها القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر إلى فرط عقد 14 آذار. ربما قاموا بذلك ظناً منهم أنهم ينشئون تحالفاً ثنائياً شبيهاً بالتحالف الشيعي، لكنه انعكس على الواقع كخطأ استراتيجي نتج عنه فقدان التوازن مع قوى ٨ آذار. 

بسبب هذا الاختلال بالتوزان السياسي وتجنباً للدخول بفراغ دستوري لجأ الرئيس الحريري الى طرح التسوية الرئاسية، على أساس شراكة جديدة فعلية وعلى مبدأ لا غالب ولا مغلوب.

لكن حصل خطأ استراتيجي آخر أدّى إلى دق آخر إسفين بنعش قوى 14 آذار، تمثّل بإقرارالقانون الجديد للانتخابات النيابية والذي لم يكن إلا تطبيقاً ملتوياً للقانون الأرثوذكسي، والذي كان من نتيجته غلبة قوى 8 آذار ومن خلفها المحور الايراني على قوى 14 آذار وعلى الهوية العربية للبنان، مما جعل الرئيس الحريري رهينة داخل الحكومة التي يرأسها.

ثم جاء مؤخراً تهديد رئيس التيار الوطني الحر بقلب الطاولة ليعبّر عن توثبه مع حليفه لوضع اليد بالكامل على البلد. إلا أن الضريبة على الوتساب جاءت كالقشة التي قصمت ظهر البعير ففجّرت غضب الشارع اللبناني كلّه وأدّت إلى قلب الطاولة على القوى المهيمنة على السلطة. 

باغت هذا التحرك كل من حاول قلب الطاولة على الرئيس الحريري، بحيث تجاوب مع الشارع وتبنى مطالبه المحقة واستقال من منصبه واضعأ من تبقى في السلطة بمواجهة السيل الجارف للناس وأمام مسؤولياتهم في إنقاذ الوضع الاقتصادي. 

أما مطالب الناس تحت شعار "كلن يعني كلن" والهادف إلى تغيير الطبقة الفاسدة كلها فلا يمكن تحقيقها دستورياً إلا من خلال تغيير القانون الانتخابي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. فالمجلس النيابي هومن ينتخب رئيسه كما رئيس الجمهورية، وهو بدوره يقوم بتكليف رئيس الحكومة بعد تسميته من النواب.


(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

3 تشرين الثاني 2019 17:05