أسعد حيدر

6 تشرين الثاني 2019 | 15:18

كتب أسعد حيدر

لبنان والعراق نحو التغيير؟

انتفاضة ١٧ تشرين الأول حققت الكثير رغم أن بداياتها لم تكن توحي بذلك، ولا شك أنه بعكس ‏ما كان متصورا فإن الجيل الصاعد من العمر بين ١٧و٢٥ سنة ليس "مؤدلجا" كما في الأجيال ‏التي سبقته بسبب تراجع الأيدولوجيات وتحديدا الأحزاب اليسارية، إلاّ أنه خلال الايام القليلة من ‏الانتفاضة أكد وأثبت بانه يعرف الكثير وخصوصا ما يريده وما يطمح اليه وانه يملك الإرادة ‏والتصميم، ولكن لا شك أن أعظم ما أفرزته "الانتفاضة" وشكل مفاجأة استثنائية لأنها تبشر ‏بولادة جديدة للمجتمعات اللبنانية كانت في وحدة الساحات والطوائف تحت العلم اللبناني فقط …‏

لكن كل هذا النجاح الذي يشكل فوزا عظيما لن يفرز إنقلابا ولا تغييرا فوريا، وما ذلك سوى ‏بسبب التركيبة الفريدة من نوعها للشعب اللبناني والقائمة على وجود ١٧طائفة تريد أن تكون في ‏صلب تشكل مؤسسات النظام وإلا تسقط الميثاقية ويُغرق لبنان في الفوضى إن لم يكن في حرب ‏أهلية عبثية في الكثير من مجرياتها ونتائجها. وما يعزز كل ذلك تعرّض لبنان كله للغرق في ‏أزمة إقتصادية غير مسبوقة تتطلب سرعة أسرع من الصوت، لاتخاذ القرارات الضرورية لنجدة ‏هذا القطاع سواء عبر مؤتمر "سيدر" أم بالتفاهم مع الأشقاء العرب والأصدقاء لرفده سريعا ‏بالمساعدات الضرورية والملحة .‏

رغم ذلك من الضروري والملح والطبيعي التأكيد على استحالة أن تنتهي هذه الانتفاضة بلا نتائج ‏تساهم وتدفع باتجاه التغيير والتقدم على طريق الخروج من أسر هذا النظام المركب على الفساد ‏المحمي طائفيا. ولا شك أن هذه الانتفاضة تشكل بداية وليس نهاية للتطور. لقد ذاق جيل الشباب ‏الذي بدون شك ستقوم من قلبه طبقة من الكادرات والسياسيين المستقبلية تعلم جيدا طعم نجاح ‏الوحدة وتجاوز العقد الطائفية وفي الوقت نفسه المعرفة الدقيقة لحيثيات ومظاهر الفساد والإفساد ‏في النظام وتركيبته مما يجعلها أكثر حذرا في التعامل مع إغراءات يوميات السلطة، خصوصا ‏إذا ما رافق هذه المعرفة محاسبة قانونية ولو محدودة لبعض الفاسدين والمفسدين . وإذا ما تم ‏التقدم ببعض الإصلاحات وأبرزها صياغة قانون انتخابي يسمح ولو بالحد الأدنى انتخاب مجلس ‏نواب أكثر تمثيلا إضافة الى تحديث في بعض القوانين الضرورية لإطلاق مسارات جديدة لكل ‏مرافق الحياة الضرورية التي تحول أساسا في وقف سرقة الأموال في قطاعات واسعة أبرزها ‏قطاع الكهرباء الذي استنزف الميزانية لسنوات طويلة وركّب ديونا هائلة على الشعب رغم بقائه ‏غارقا في الظلام لساعات طويلة يوميا .‏

الآمال كبيرة لكن المصاعب تزداد والقيود أكثر تعقيدا خصوصا بسبب الترابط النسبي بين الداخل ‏والخارج. وما لم تفصل القوى السياسية إجمالا وخصوصا "حزب الله" بين المحلي والإقليمي فإن ‏التغيير وحتى التطور سيبقيان بعيدا … ولا شك حاليا أن ما يجري في لبنان لا يمكن فصله عما ‏يجري في العراق، خصوصا وأن إيران تشارك في الساحتين مع الولايات المتحدة الاميركية ‏‏"عقدة القطع والوصل" فيهما …‏

بعد أربعين عاما ما زال النظام الإيراني يعيش في "فقاعة" احتلال السفارة الأميركية في ‏‏٤/١١/٧٩ تحت شعار "اليوم العالمي لمقارعة الاستكبار العالمي"، ويتم نفخ التذكير بتلك الذكرى ‏في كل مرة كانت الخلافات مع واشنطن عالية المستوى كما هذا العام الذي تحول الى مناسبة ‏للتصعيد في كسر الاتفاق النووي بعد أن شطبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب . ويبدو أن ‏القرارات الاميركية بفرض عقوبات على شخصيات إيرانية عسكرية ومدنية مهمة أبرزها مجتبى ‏خامنئي ابن المرشد والرجل القوي والغامض والطموح في آلة النظام نتيجة لقربه من والده ‏المرشد اية الله علي خامنئي، وإبراهيم رئيسي رئيس القضاء الطامح ليكون خليفة الرئيس ‏روحاني وحتى خامنئي قد أثارت النظام خصوصا وأنا توافقت مع ارتفاع مستوى المواجهات في ‏العراق تحت شعار: "إيران برة برة" والتي رافقها اعتداءات على منشآت إيرانية خصوصا في ‏البصرة وكربلاء. وقد وصل الأمر في الموقف الشعبي ضد النظام الايراني أنه في مدينة كربلاء ‏التي يزورها ملايين الإيرانيين قد جرى شطب شارع الامام الخميني وكتابة شارع "شهداء الثورة ‏مكانه". وما كل ذلك سوى بسبب صعود الشعور الوطني العراقي الى أعلى مستوياته منذ احتلال ‏الاميركيين للعراق وتسليمه ضمنا لإيران .‏

المرشد خامنئي لم يجد من حل للانتفاضة في لبنان والعراق سوى القول: "إن مطالب الشعبين ‏اللبناني والعراقي تتحقق فقط ضمن أطر الآليات القانونية". وذلك بعد أن قدّم حسين أمير عبد ‏اللهيان لهذه المطالبة بوصفه للانتفاضة بقوله: "هذه هي النسخة الجديدة لإرهاب سياسيي العراق ‏ولبنان ومصيرها الفشل". ومن المضحك المبكي أن يطالب المرشد باعتماد "الاطر القانونية" ‏المغيبة في التعامل مع المطالَب الايرانية الداخلية، بحيث يبدو وضع شخصيتين بحجم الشيخ ‏مهدي كروبي ومير حسين موسوي في الإقامة الجبرية والعزلة التامة منذ عشر سنوات تقريبا، ‏وفرض الصمت والعزلة بسبب مواقفهم السياسية على عشرات السياسيين والمفكرين والصحافيين ‏ومن ابرزهم الرئيس الأسبق والمفكر.‏

محمد خاتمي وعبدالله نوري وشمس الواعظين وتهجير آخرين أبرزهم الشيخ كاديفار … ويبدو أولا ‏حجم الإحراج الى درجة قلق النظام الإيراني مما يجري في الساحتين اللبنانية والعراقية بما ‏يتجاوز المحافظة على الارتباط الشديد بين الوجود والمصالح الاستراتيجية من جهة ومن جهة ‏أخرى القلق الضمني والعميق من انعكاسات الوضعين على الداخل الإيراني المهيأ لانتفاضة ‏واسعة تتجاوز "الانتفاضة الخضراء" لولا الشعور الوطني القوي جدا والخوف من "سورنة" ‏إيران بفعل الخارج .‏

في العراق فهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الرسالة الشعبية للمظاهرات وخطر وقوع ‏مجازر من ذلك (إعلان المتحدث باسم القائد العام: علامات الحرق الممنهج والموثق لجسر ‏الجمهورية مما يشكل تهديدا مباشرا قد يؤدي الى انهياره، علما أن هذا الجسر يربط ساحة ‏التحرير بالمنطقة الخضراء وتمر عليه موجات المتظاهرين) فأعلن أن "التعديلات الدستورية ‏يمكن أن تصل الى تغيير النظام السياسي"، فهل يمكن للبنانيين أن يحلموا بالتوصل الى تعديلات ‏دستورية تنتج التغيير ولو على مراحل …‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

أسعد حيدر

6 تشرين الثاني 2019 15:18