انتفاضة ١٧ تشرين الأول حققت الكثير رغم أن بداياتها لم تكن توحي بذلك، ولا شك أنه بعكس ما كان متصورا فإن الجيل الصاعد من العمر بين ١٧و٢٥ سنة ليس "مؤدلجا" كما في الأجيال التي سبقته بسبب تراجع الأيدولوجيات وتحديدا الأحزاب اليسارية، إلاّ أنه خلال الايام القليلة من الانتفاضة أكد وأثبت بانه يعرف الكثير وخصوصا ما يريده وما يطمح اليه وانه يملك الإرادة والتصميم، ولكن لا شك أن أعظم ما أفرزته "الانتفاضة" وشكل مفاجأة استثنائية لأنها تبشر بولادة جديدة للمجتمعات اللبنانية كانت في وحدة الساحات والطوائف تحت العلم اللبناني فقط …
لكن كل هذا النجاح الذي يشكل فوزا عظيما لن يفرز إنقلابا ولا تغييرا فوريا، وما ذلك سوى بسبب التركيبة الفريدة من نوعها للشعب اللبناني والقائمة على وجود ١٧طائفة تريد أن تكون في صلب تشكل مؤسسات النظام وإلا تسقط الميثاقية ويُغرق لبنان في الفوضى إن لم يكن في حرب أهلية عبثية في الكثير من مجرياتها ونتائجها. وما يعزز كل ذلك تعرّض لبنان كله للغرق في أزمة إقتصادية غير مسبوقة تتطلب سرعة أسرع من الصوت، لاتخاذ القرارات الضرورية لنجدة هذا القطاع سواء عبر مؤتمر "سيدر" أم بالتفاهم مع الأشقاء العرب والأصدقاء لرفده سريعا بالمساعدات الضرورية والملحة .
رغم ذلك من الضروري والملح والطبيعي التأكيد على استحالة أن تنتهي هذه الانتفاضة بلا نتائج تساهم وتدفع باتجاه التغيير والتقدم على طريق الخروج من أسر هذا النظام المركب على الفساد المحمي طائفيا. ولا شك أن هذه الانتفاضة تشكل بداية وليس نهاية للتطور. لقد ذاق جيل الشباب الذي بدون شك ستقوم من قلبه طبقة من الكادرات والسياسيين المستقبلية تعلم جيدا طعم نجاح الوحدة وتجاوز العقد الطائفية وفي الوقت نفسه المعرفة الدقيقة لحيثيات ومظاهر الفساد والإفساد في النظام وتركيبته مما يجعلها أكثر حذرا في التعامل مع إغراءات يوميات السلطة، خصوصا إذا ما رافق هذه المعرفة محاسبة قانونية ولو محدودة لبعض الفاسدين والمفسدين . وإذا ما تم التقدم ببعض الإصلاحات وأبرزها صياغة قانون انتخابي يسمح ولو بالحد الأدنى انتخاب مجلس نواب أكثر تمثيلا إضافة الى تحديث في بعض القوانين الضرورية لإطلاق مسارات جديدة لكل مرافق الحياة الضرورية التي تحول أساسا في وقف سرقة الأموال في قطاعات واسعة أبرزها قطاع الكهرباء الذي استنزف الميزانية لسنوات طويلة وركّب ديونا هائلة على الشعب رغم بقائه غارقا في الظلام لساعات طويلة يوميا .
الآمال كبيرة لكن المصاعب تزداد والقيود أكثر تعقيدا خصوصا بسبب الترابط النسبي بين الداخل والخارج. وما لم تفصل القوى السياسية إجمالا وخصوصا "حزب الله" بين المحلي والإقليمي فإن التغيير وحتى التطور سيبقيان بعيدا … ولا شك حاليا أن ما يجري في لبنان لا يمكن فصله عما يجري في العراق، خصوصا وأن إيران تشارك في الساحتين مع الولايات المتحدة الاميركية "عقدة القطع والوصل" فيهما …
بعد أربعين عاما ما زال النظام الإيراني يعيش في "فقاعة" احتلال السفارة الأميركية في ٤/١١/٧٩ تحت شعار "اليوم العالمي لمقارعة الاستكبار العالمي"، ويتم نفخ التذكير بتلك الذكرى في كل مرة كانت الخلافات مع واشنطن عالية المستوى كما هذا العام الذي تحول الى مناسبة للتصعيد في كسر الاتفاق النووي بعد أن شطبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب . ويبدو أن القرارات الاميركية بفرض عقوبات على شخصيات إيرانية عسكرية ومدنية مهمة أبرزها مجتبى خامنئي ابن المرشد والرجل القوي والغامض والطموح في آلة النظام نتيجة لقربه من والده المرشد اية الله علي خامنئي، وإبراهيم رئيسي رئيس القضاء الطامح ليكون خليفة الرئيس روحاني وحتى خامنئي قد أثارت النظام خصوصا وأنا توافقت مع ارتفاع مستوى المواجهات في العراق تحت شعار: "إيران برة برة" والتي رافقها اعتداءات على منشآت إيرانية خصوصا في البصرة وكربلاء. وقد وصل الأمر في الموقف الشعبي ضد النظام الايراني أنه في مدينة كربلاء التي يزورها ملايين الإيرانيين قد جرى شطب شارع الامام الخميني وكتابة شارع "شهداء الثورة مكانه". وما كل ذلك سوى بسبب صعود الشعور الوطني العراقي الى أعلى مستوياته منذ احتلال الاميركيين للعراق وتسليمه ضمنا لإيران .
المرشد خامنئي لم يجد من حل للانتفاضة في لبنان والعراق سوى القول: "إن مطالب الشعبين اللبناني والعراقي تتحقق فقط ضمن أطر الآليات القانونية". وذلك بعد أن قدّم حسين أمير عبد اللهيان لهذه المطالبة بوصفه للانتفاضة بقوله: "هذه هي النسخة الجديدة لإرهاب سياسيي العراق ولبنان ومصيرها الفشل". ومن المضحك المبكي أن يطالب المرشد باعتماد "الاطر القانونية" المغيبة في التعامل مع المطالَب الايرانية الداخلية، بحيث يبدو وضع شخصيتين بحجم الشيخ مهدي كروبي ومير حسين موسوي في الإقامة الجبرية والعزلة التامة منذ عشر سنوات تقريبا، وفرض الصمت والعزلة بسبب مواقفهم السياسية على عشرات السياسيين والمفكرين والصحافيين ومن ابرزهم الرئيس الأسبق والمفكر.
محمد خاتمي وعبدالله نوري وشمس الواعظين وتهجير آخرين أبرزهم الشيخ كاديفار … ويبدو أولا حجم الإحراج الى درجة قلق النظام الإيراني مما يجري في الساحتين اللبنانية والعراقية بما يتجاوز المحافظة على الارتباط الشديد بين الوجود والمصالح الاستراتيجية من جهة ومن جهة أخرى القلق الضمني والعميق من انعكاسات الوضعين على الداخل الإيراني المهيأ لانتفاضة واسعة تتجاوز "الانتفاضة الخضراء" لولا الشعور الوطني القوي جدا والخوف من "سورنة" إيران بفعل الخارج .
في العراق فهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الرسالة الشعبية للمظاهرات وخطر وقوع مجازر من ذلك (إعلان المتحدث باسم القائد العام: علامات الحرق الممنهج والموثق لجسر الجمهورية مما يشكل تهديدا مباشرا قد يؤدي الى انهياره، علما أن هذا الجسر يربط ساحة التحرير بالمنطقة الخضراء وتمر عليه موجات المتظاهرين) فأعلن أن "التعديلات الدستورية يمكن أن تصل الى تغيير النظام السياسي"، فهل يمكن للبنانيين أن يحلموا بالتوصل الى تعديلات دستورية تنتج التغيير ولو على مراحل …
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.