5 كانون الأول 2019 | 23:16

كتب خيرالله خيرالله

العراق ولبنان

هناك أوجه شبه كثيرة بين العراق ولبنان. لكنّ هناك ايضا نقاط اختلاف كثيرة بين البلدين، اقلّه من ناحية المساحة والثروات الطبيعية والموقع الجغرافي والتركيبة السكّانية الخاصة بكل منهما. على سبيل المثال وليس الحصر، لا وجود لقوميات مختلفة في لبنان حيث المسيحيون والمسلمون عرب، باستثناءات قليلة، في حين توجد في العراق اقلّية كردية ذات وضع خاص. اقامت هذه الاقلّية سلطة خاصة بها في إقليم كردستان وسعت قبل سنوات قليلة الى إقامة دولة مستقلّة، لكنّها فشلت في ذلك. كذلك، هناك في العراق أقليات أخرى مثل التركمان تجعل من العراق بلدا متعدد القومية، إضافة الى التعدد في المذاهب والاديان...

هذا غيض من فيض نقاط الاختلاف بين بلدين، احدهما يمتلك ثروة نفطية كبيرة، فيما الاخر معدوم من هذه الثروات. تسعى ايران الى السيطرة على البلدين مستفيدة من استثمارها في اثارة الغرائز المذهبية وفي انشاء ميليشيات مذهبية استطاعت إقامة مراكز نفوذ لها فيهما.

على الرغم من كلّ نقاط الاختلاف، كان العراق دائما قريبا من لبنان وكان لبنان قريبا من العراق. هناك عدد لا بأس به من اللبنانيين جمع ثروات من العمل في العراق ومع العراق. كان ميناء بيروت المكان الذي تنزل فيه البضائع المتوجّهة الى العراق. عندما نهبت ميليشيا تابعة لاحد الأحزاب المسيحية في العامين 1975 و 1976 مستودعات الحوض الرابع في الميناء، شملت عملية النهب بضائع وآليات، تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات، كانت في طريقها برّا الى العراق عبر الطريق البرّي الذي يمرّ بالاراضي السورية. لم يفهم الذين نهبوا الحوض الرابع معنى الغاء دور ميناء بيروت الذي كان بين الموانئ المتوسطية الأكثر نشاطا، اذ كان ميناء أساسيا بالنسبة الى العراق ودول اخرى، خصوصا بعد زوال دور ميناء حيفا اثر قيام إسرائيل في العام 1948.

لم تنزل القوات الاميركية في لبنان في العام 1958 الّا بعد الانقلاب العسكري ذي الطابع الدموي في العراق. سمح نزول القوات الاميركية بحصول تسوية في لبنان جاءت بفؤاد شهاب، قائد الجيش، رئيسا للجمهورية خلفا لكميل شمعون الذي سعى الى ربط لبنان بحلف بغداد. كانت التسوية وقتذاك بين الإدارة الاميركية وجمال عبد الناصر...

كان الانقلاب الذي أطاح العهد الملكي مؤشّرا الى نهاية العراق بمجتمعه الغنيّ بتنوّعه وانتقاله الى مرحلة جديدة. كان التنوّع مصدر غنى للعراق الى ان جاء الحكم العسكري ثم البعث بكل ما يحمله من تخلّف وفكر لا علاقة له سوى بشعارات براقة تستخدم في تغطية نظام ديكتاتوري بكلّ معنى الكلمة. انتهى بتفرّد صدّام حسين بالسلطة ابتداء من العام 1979. استتبع ذلك سياسات غير مدروسة ومغامرات غير محسوبة بدءا بالحرب الطويلة مع ايران وانتهاء باحتلال الكويت.

لم يحل التغيير الكبير في العراق دون بقاء العلاقة اللبنانية – العراقية. بقي العراق مهتمّا بلبنان في كلّ وقت. كانت له منظمة فلسطينية سميّت "جبهة التحرير العربية" تعمل انطلاقا من لبنان. كان هناك فرع للبعث العراقي في لبنان. كذلك، كانت هناك أحزاب يسارية عدّة تتلقى اموالا واسلحة من العراق. الى ذلك، تحوّل لبنان في مرحلة لاحقة الى ساحة من ساحات الحرب العراقية – اللبنانية. كان احد فصول تلك الحرب، التي شملت تصفية البعثيين الشيعة الموالين للبعث العراقي، نسف السفارة العراقية في بيروت عن بكرة ابيها. ادّى تفجير السفارة في منطقة الرملة البيضاء يوم الخامس عشر من كانون الاوّل – ديسمبر 1981 الى سقوط عشرات الضحايا، بينهم الطاقم الديبلوماسي والموظفين اللبنانيين. تبيّن لاحقا ان حزب الدعوة العراقي الموالي لإيران وراء تلك العملية التي لم يكن النظام السوري بعيدا عنها.

لم ييأس العراق من لبنان على الرغم من تفجير سفارته التي انتقلت في بداية 1982 الى المنطقة الشرقية (المسيحية). بدأ العراق وقتذاك بنسج علاقات مع الأحزاب المسيحية توجت بارساله دبابات الى قائد الجيش ميشال عون (رئيس الجمهورية حاليا) والى "القوات اللبنانية" في العام 1989. كان ميشال عون وقتذاك في قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا موقتا لحكومة مهمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي انتهت ولايته في الثالث والعشرين من أيلول – سبتمبر 1988. لم تستخدم الدبابات كما كان مطلوبا، أي في مواجهة الاحتلال السوري، بل استخدمت في الحرب بين الوية الجيش الموالية لميشال عون و"القوات اللبنانية" التي كانت لا تزال وقتذاك مجرّد ميليشيا من ميليشيات الحرب.

انكفأ العراق عن لبنان بعد العام 1990 اثر انشغاله بموضوع الكويت. وبعد الثالث عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر 1991 عندما دخل الجيش السوري قصر بعبدا ومقر وزارة الدفاع في اليرزة، بدأ نظام الوصاية السورية. انتهى نظام الوصاية في السادس والعشرين من نيسان – ابريل 2005 بخروج القوات السورية من لبنان على دمّ رفيق الحريري.

يصعب تحليل الدور الذي لعبه العراق في لبنان بين 2005 و 2019، باستثناء انّه يمكن القول ان العراق الذي سلمته الولايات المتحدة على صحن من فضّة الى ايران في العام 2003، بات جزءا من الهلال الفارسي الذي يبدأ في طهران وينتهي في بيروت. كلّ ما حصل في السنوات القليلة الماضية هو تعزيز الوجود الايراني في بغداد وبيروت، إضافة الى دمشق طبعا. صار عرفا ان تختار ايران من هو رئيس الوزراء في العراق، كما صار رئيس الجمهورية في لبنان هو من يرشّحه "حزب الله" لهذا الموقع.

في ظلّ التلازم بين الثورتين اللبنانية والعراقية، يتغيّر العراق ويتغيّر لبنان في الوقت ذاته. هناك احداث استثنائية يشهدها البلدان. لا تزال هذه الاحداث ذات الطابع الاستثنائي في بدايتها. لكن الأكيد انّه سيكون لها تأثير على صعيدين. الاول مستقبل لبنان والعراق والآخر مستقبل ايران. هل ينهي اللبنانيون والعراقيون الهلال الفارسي؟ سيتوقف الكثير على قدرة ايران، بالمشاركة مع "حزب الله"، على إبقاء العراق ورقة إيرانية. ما ينطبق على العراق، حيث سيتقرر مستقبل النظام الايراني، ينطبق ايضا على لبنان حيث محاولة فاضحة لفرض حكومة جديدة يتمثل فيها "حزب الله" مع ما سيجرّه ذلك من ويلات على البلد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 كانون الأول 2019 23:16