القمع غير المسبوق من النظام لـ"انتفاضة البنزين " في ايران، ليس نهاية وانما بداية لما هو اهم واخطر . مستقبل "النظام الخامنئي" كله اصبح في الميزان . الايرانيون يأخذون وقتهم لاعادة "كرة النار" الى الشوارع والساحات ،خصوصا وان ما سيحدث لن يكون مجرد احتجاجات ، اكثر ما يشغل بال الايرانيين هو عدم الوقوع في فخ السلاح في مواجهة السلاح لان "السورنة " ستكون كارثة ونتائجها لن تقف عند تغيير النظام ، بل في تدمير ممنهج لمستقبل ايران وربما وحدتها ،رغم ان هذا الاحتمال قد يكون بداية لتساقط "احجار الدومينو "في منطقة الشرق الاوسط بحيث لن يخرج احد سالما ، وما ذلك سوى لان ايران دولة ركيزة فيها وليست دولة مضافة .
" النظام الخامنئي " مريض جدا . يكفي ان المرشد اية الله علي خامنئي يحكم منذ ثلاثين سنة من اصلها الثلث وحيدا مع مساعديه ورجاله خصوصا بعد الوفاة المشبوهة للرئيس هاشمي رفسنجاني . معالجة النظام كانت يجب ان تتم بتطويره والانفتاح على الخارج ،لكن خلال السنوات الاخيرة حصل العكس تماما . السلطة المطلقة وكما حصل على مدار التاريخ تحجب الرؤية وتفرض على الزعيم مسارا ينتج المزيد من السلطات وما يستتبع ذلك من قمع يعمق مع الزمن عوامل انهياره .
يكاد نظام الثورة الذي وضعه الامام الخميني يختفي ،خصوصا في ركائزه وتوجهاته . تعدد المجالس والمؤسسات كانت نوعا من نظام "الأواني المستطرقة " بحيث لا تهيمن مؤسسة على النظام وتبقى جميعها تحت المراقبة الدقيقة والمتعددة . ما حصل مع المرشد خامنئي المحافظة على الشكل وتفريغه من مضمونه . النائبة الشجاعة براونة سلحشوري وبعد ان أعلنت انها لن تترشح للانتخابات القادمة في ٢١شباط فبراير وضعت الكثير من النقاط على حروف ازمة النظام . قالت : " ان صناع ومتخذي القرار في البلاد لا يعلمون ماذا يجري في الساحات … لو كانوا يعلمون لشاهدوا الفقر والأزمات التي يواجهها الشعب … بصفتي ممثلة للشعب لا يمكنني ان استوعب قتل الشباب" … بعد هذا العرض وضعت يدها على موطن الداء فقالت " لدينا هياكل واجهزة ثنائية وحتى هيئات متعددة كلها تحكم . في النهاية فان السيادة المزدوجة تنجو من المساَلة وتدير البلاد من خلال لعبة من كان ؟ لم اكن انا . حاليا توجد الحكومة القائمة والمؤسسات التي يسيطر عليها المرشد ولدينا هياكل واجهزة ثنائية وحتى هيئات متعددة كلها تحكم " .
ماذا فعل المرشد خامنئي بالنظام الى جانب بناء المؤسسات الموازية ؟ عندما قامت الثورة استند في انتشارها وتزخيم التفاعل الشعبي على تفعيل دور المسجد والمعممين في لعب دور المحرضين وتزخيم الحركة الشعبية، من جهة ومن جهة اخرى في ترك البازار لعب دورا رياديا بحيث شكل قاعدة ورأس حربة، وتدريجيا جرى بناء الحرس الثوري لحماية الثورة … ما حصل انه تدريجيا ومع تطورات الحرب مع العراق والانتشار الخارجي من لبنان الى اليمن وخصوصا في سوريا والعراق تحول "الحرس "الى ركن أساسي في النظام وتدرج من حماية الثورة المتراجعة الى الامساك التدريجي بمفاصل النظام خصوصا الاقتصاد منه بحيث ألغى فاعلية البازار وتأثيره في مواقع القرار بعد ان فقد التأثير على التحرك الشعبي . ايضا وهو مهم جدا ان الملا اي الرجال المعممين تحولوا الى جزء مكمل ومتكامل للحرس ،يساندون بعضهم البعض في تثبيت النظام وتطوير مراكزهم فيه لزيادة مواقعهم ومكاسبهم المادية بحيث اصبح الدفاع عن النظام دفاعا عن وجودهم ومصالحهم مجتمعين .
طوال أربعين سنة كانت اللعبة السياسية التي تمنح النظام بريقا خاصا تقوم على التنافس الحاد بين المتشددين المحافظين والاصلاحيين والمعتدلين أو الوسطيين . وكانت هذه اللعبة تؤشر الى نوع من الديموقراطية الشعبية التي عمليا لم تكن تنتج الكثير على صعيد قرارات الدولة خصوصا الخارجية منها، خصوصا مع عملية الشل المنظم لعمل التيار الاصلاحي او المعتدل كما مع الرئيس محمد خاتمي او في التزوير المنظم الذي أوصل احمدي نجاد وأسقط الرئيس هاشمي رفسنجاني ، او في وضع مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الاحتجاز منذ عشر سنوات تقريبا . حتى هذه اللعبة المبرمجة للديموقراطية قد انتهت لمصلحة التيار المتشدد الذي يقوده خامنئي . ويكفي لتأكيد ذلك ان الاصلاحي محمد رضا عارف اختار الانكفاء وعدم الترشح وما استكمل ذلك في عدم ترشح علي لاريجاني تاركا الساحة للمرشح الرئاسي الفاشل الجنرال محمد باقر قاليباف . وما لم يترك للاريجاني فرصة الترشح لرئاسة الجمهورية عام ٢٠٢٢ فان النظام كله يصبح كتلة واحدة بعيدا عن التطورات المقبلة .
إمكانية ضرب الرأس في النظام "الاخطبوتي "الذي يقوم حاليا في ايران ليست سهلة ولا هي غدا. ضرب أذرعه الخارجية للحد من تحركه كما يجري في العراق وحتى في إنجاز مصالحة مع الحوثيين في اليمن يسهل من تنفيذ عملية ضموره والعودة الى الينابيع الاولى للثورة . بذلك يكون التغيير قد خط حضوره في صخور ايران وليس على رمال شواطئها التي مهما تمددت ووصلت الى ضفاف البحر المتوسط فانها محكومة بالتخلي عن الأحلام الامبراطورية بكل المسميات …
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.