21 كانون الأول 2019 | 12:39

كتب أسعد حيدر

ليبيا و"الذئاب"

في ليبيا يكتب حاليا مستقبل المغرب العربي الكبير ومعه مصر وتركيا وإيطاليا وفرنسا، وايضا بلا مبالغة مستقبل موقع روسيا في المساحة الصحراوية التي تجتمع فيها الثروات المعدنية زائد النفط المميز بنوعيته. عندما قامت ثورة ١٧فبراير التي أذنت بنهاية "الجماهيرية " التي بقيت يتيمة رغم كل ما بذله العقيد معمر القذافي حامل "الكتاب الأخضر" على مثال ماوتسي تونغ وكتابه الأحمر .ويبدو ان القذافي لم يقلد ماو فقط في نشر كتابه الأخضر وانما ايضا كما كشف فيما بعد في الهوس الجنسي . ولا شك كما اصبح معلوما ومنتشرا ان القذافي قتل بقرار من خارج ليبيا لعب فيه الرئيس الفرنسي ساركوزي دورا مهما …

بقيت ثورة ١٧ فبراير مبشرة بالخير حتى وقع المحرم واشتعلت حرب أهلية قائمة على صراعات جهوية (من جهة جغرافية ) وقبلية قائمة من قلب نظام الجماهيرية حيث الكل يتصارع مع الكل والقذافي يدير الصراعات ليكون الكل بحاجة له وللمرة التي وضعها تحت شعار السلطة والثروة للشعب على ان يكون هو الوحيد الذي يديرها ويوزعها بصفته القائد الذي نجح يوما في نقل الملوك والرؤساء العرب في شاحنة واحدة للمشاركة في عقد القمة العربية . ولا شك ان الانقسام الجهوي السرطاني بدا بين الشرق والغرب وبذلك وجدت طرابلس نفسها في مواجهة بنغازي ومن ثم فرخ هذا الانقسام بين المدن والقبائل وولدت معها المجموعات الاسلامية المتطرفة ورويدا رويدا تحولت المواجهات الى مستنقعات لكل واحد منها دولة راعية تعمل سرا وعلانية في زرع اقدامها مقدمة للمطالبة بحقوق شرعية في الثروات والموق الاستراتيجي الواقع بين البحر المتوسط وأفريقيا السوداء .

من قلب المواجهات ظهر الجنرال حفتر الذي لم يكن طارئا ولا غريبا عن ليبيا قديما وحديثا ، فهو عارض القذافي في عزه واضطر بعد هزيمته للجؤ عند الاميركيين الذين كما يقال جعلوا منه "قرشهم الابيض لليوم الاسود" . الان الماريشال حفتر بعد ان رفع نفسه بنفسه يريد أخذ طرابلس والغاء سلطة السراج . هذا الطموح الذي اذا انجز يعيد توحيد ليبيا وينهي حكم الميلشيات الاسلامية المتطرفة يملك الهيمنة الجوية وتنقصه القدرات البرية لمواجهة الميلشيات التي مضى عليها اكثر من خمس سنوات وهي تملك الارض ، الى جانب ذلك وهو الاصعب ان الحرب في المدن تتطلب خبرات ليست سهلة خصوصا بوجود المدنيين .

كل هذه المحاذير والأفخاخ في كفة ودخول القوى الخارجية في كفة. من ذلك قفزة السلطان التركي طيب رجب اردوغان الى ليبيا عبر مذكرة تفاهم. تتضمن التعاون العسكري والأمني وتقديم معدات عسكرية وأمنية بمشاركة قطرية المتعلقة بتحالفها مع اسطمبول ووببعض الميلشيات الإخوانية … هذا الاتفاق يشكل حافزا امنيا استراتيجيا لمصر . الحاجة والطموح قائمان عند مصر خصوصا وان ليبيا تشكل عمقا استراتيجيا للقاهرة وحتى جزأ من أمنها القومي ولكن دخول مصر في صراع يقود حكما الى المواجهة مع تركيا له محاذيره الخطرة ولذلك يجب أخذ الأمور بالعقل . ما يساعد على ذلك ان الولايات المتحدة الاميركية وروسيا يتابعان الوضع عن قرب وعناية. لكن رغم ذلك يبدو ان الحلم الأردوغاني بالتمدد في البحر المتوسط ووضع يده على جزء من النفط الليبي وحجز حصة وازنة في عملية الإعمار القادمة تجعله اكثر اندفاعا في دعم السراج وميليشياته الاسلامية . وهو لا يتاخر في سبيل تنفيذ طموحاته من تهديد واشنطن باستعداده لإقفال قاعدة انجليرك ، ووضع الأوربيين امام خطر دفع التنظيمات الاسلامية للعبور الى شواطئها.

اندفاع اردوغان بدا يقلق مصر ويثير مخاوفها ، ولذلك فان منسوب خطر مواجهة تركية _مصرية يرتفع يوما بعد يوم في وقت يتزايد فيه خطر مواجهة مصرية _اثيوبية وكان المطلوب او المخطط محاصرة مصر وشلها نهائيا، او إغراقها في مواجهات خطيرة ،علما انه اذا سقطت مصر لن يبقى احد في المنطقة سالما …

تبدو ليبيا مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن محاصرة او معطلة تعمل "الذئاب" الإقليمية والدولية على تقاسمها وتنازعها بدون رحمة … من حظ الجزائر يين انهم عاشوا "العشرية السوداء" واتعظوا ولذلك يجري التغيير ببطء ،وفي المغرب انه يوجد ملك عاقل مدٓ يده الى النظام الجديد وهو في طور التشكل للخروج من مواجهة كلفت البلدين ثرواتهما ونموهما فإلى متى هذا الاستسلام للطامعين بالسلطة ولو على حساب مصير الأوطان؟


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

21 كانون الأول 2019 12:39