1 كانون الثاني 2020 | 14:30

ثقافة

هذا أكثر ما بكت العرب عليه.. مأثورات وحكم

هذا أكثر ما بكت العرب عليه.. مأثورات وحكم
المصدر: العربية.نت

تحفل المصنفات العربية القديمة، بعدد من الموضوعات التي هي عبارة عن ‏مأثورات تم تناقلها، إما بصيغة مثل دارج، أو قول مشهور، أو قصة دالّة على ‏حكمة معينة. وعادة ما يلجأ المصنفون إلى وضع هذه الأخبار، تحت عناوين ‏منفصلة تدل على معانيها البسيطة، ويفرَد لها أحياناً كتب منفصلة، خاصة إذا لم ‏يكن بالمقدور، وضعها في كتب اللغة أو النحو. إلا أن غالبية المصنفين العرب ‏القدامى، مرّ على المأثورات العربية، كلّ بطريقته، إذا ما كان المأثور المنقول، ‏يقوّي من حجّته أو يثبت منطقه، أو كان بصيغة التأديب والتعليم، أو كنوع من ‏الرواية في مجالس الحكام والقادة.‏

ما بكت العرب على شيء بكاءها على الشباب

ومن جملة ما تم تناقله عن العرب من مأثورات، يأتي التركيز على الشباب، إذ كان ‏له الحظوة عند العرب، فكانت تتعلق به تعلقا شديدا، في ذات الوقت الذي كانت ‏توقّر فيه الكبير أو ما تراه في التقدم بالعمر، من حكمة وخبرة. إلا أن الشباب الذي ‏هو صورة للمروءة وسرعة الحركة والنشاط والتمتع بالحياة، كان شغف العرب، ‏بل إنها بكت عليه أكثر ما بكت أي شيء آخر.‏

ونقل عن يونس ببن حبيب النحوي، تـ 183ه، وهو أحد من نقل عنهم (سيبويه) ‏قوله: ما بكتِ العربُ على شيء بكاءها على الشباب، وما بلغت به كنْه ما يستحق.‏

وفي ذات السياق، قيل للعرب: ما بالُ شِعركم في الشّيب، أحسن أشعاركم في سائر ‏قولكم؟ فقالوا: لأننا نقوله وفي قلوبنا قرحة! أي حزناً على زمن الشباب الذي ولّى.‏

إلا أن العبور من الشباب إلى الشيب، ثم نهاية عمر المرء، ترك فيه العرب مأثورا ‏عميقاً، ورد فيه: لولا من يُولَد، لم يبق على ظهرها أحدٌ، ولولا من يموت، لم يسعهم ‏بلد!‏

وينقل لغويون منهم الأصمعي، أنه قيل لشيخٍ طعن في السن، وبدأ يعجز عن الأكل ‏والشرب: هل تشتهي أن تموت؟ فقال: لا، فسألوه: ماذا تشتهي؟ فقال: أشتهي أن ‏أعيش وأسمع الأعاجيب.‏

ستة أشخاص لا تخطئهم الكآبة

ومن الشباب إلى الكآبة، وفيها مأثورات للعرب قالت إنها تسقط عدة أشخاص في ‏حبائلها، والأشخاص هؤلاء، وعددهم ستّة، يحملون صفات سلبية يعانون هُم منها، ‏قبل غيرهم. فنقِل هذا المأثور: ستّة لا تخطئهم الكآبة، فقيرٌ حديث عهدٍ بغنى، ومكثرٌ ‏يخاف على ماله التلف، والحسود، والحقود، وطالب مرتبة فوق قدره، وخليط أهل ‏أدب غير أديب.‏

وقال بعضهم في الحسد: ليس في خِلال الشرّ، خلّة أعدل من الحسد! فإنه يقتل ‏الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود.‏

الرأي يسدّ ثلم السيف

ونقل أن مودة الجاهل، وعداوة العاقل، أسوة في الخطر. وظنّ العاقل أوقع ‏بالصواب من يقين الجاهل. وقيل: كل شيء يعزّ إذا قَلّ، والعقل كلما كان أكثر، كان ‏أعزّ وأغلى. ونقلوا هذه الحكمة العجيبة: إن البلاءَ أن يكون الرأي لمن يملكه، دون ‏أن يبصره. ومن هذا الباب: لا عاش بخير مَن لم ير برأيه ما لم يرَ بعينيه. والرأي ‏يسدّ ثلمَ السيف، والسيف لا يسدّ ثلم الرأي.‏

ومن الكآبة والرأي إلى مأثور الصفح والعفو، فنقل عن العرب: الندمُ على العفو، ‏أَحَبّ من الندم على العقوبة.‏

وحول ظاهرة الامتنان المفرط، حيال فضل للغير، كنوع من الشكر الزائد والذي ‏يكون عادة على شيء كبير من المبالغة ودون داع، إذ يمكن الامتنان بإيجاز دون ‏إكثار يفسد مضمونه ويحرفه عن هدفه، فنقلوا: كثرة الامتنان من النِّعم، تهدم ‏الصنيعة، وتكدّر المعروف. وفي المقابل، فمن هَمّ بمعروف، ثم عجز عنه، فقد ‏وجَب شكره. وفي المأثور تعظيم للنية والرغبة والعاطفة، وتلك أصبحت من ‏أساسيات الفلسفة الكلاسيكية الغربية.‏

ويروى عن أحد أعراب البادية أنه دخل على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، ‏فأثنى عليه، فقال له الخليفة: إنّا لا نُحِب أن نُمدَح في وجوهنا. فقال له الأعرابي: ‏لستُ أمدحك، ولكنّي أحمد الله فيك. تعظيماً للخليفة.‏

من أمثال العرب

ومن المأثورات العربية، الأمثال، فهي تكثيف لحكمة أو تجربة أو حادثة ذات ‏مضمون. فقالت العرب: "صبراً وإن كان جمراً". و "ربّ لحظِ أصدق من لفظ". و ‏‏"لا تدخلْ بين العصا ولحائها". و"صدرك أوسع لسرّك". و "سكتَ ألفاً ونطق ‏خلفاً". و"لا تعدم الحسناءُ ذاماً". و"ربما كان السكوتُ جواباً".‏

و"بين الخواطئ سهمٌ صائب". و"لا يجتمع السيفان في غمد". و"مرة جيش ومرة ‏عيش". و"الحربُ غشوم". و"من يمشي يرضى بما ركب". و"ليس لمكذوب رأي". ‏و"كلّ ذات صدار، خالة". و"أَمكْرٌ وأنتَ في الحديد؟!" و "ربّ صلف تحت ‏الراعدة".‏

وقالوا: "إياكَ أن يضرب لسانُكَ عنقَك!"‏

و "لم يذهب من مالك ما وعظك". و"من استرعى الذئبَ، ظلَم".‏

ومن الأمثلة المستظرفة: "أنتَ أعلم باللقمة أم مَن غصّ بها؟"‏

ومن الأمثلة القديمة التي حوّرت حديثاً، "اذكر الغائب يقترب"، أو "اذكر غائباً، ‏تَرَه". و "زُيّن في عين والدٍ، ولده". و"تأخيره خيرٌ من تقديمه".‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 كانون الثاني 2020 14:30