10 كانون الثاني 2020 | 19:49

منوعات

سهرات النسوان أيام زمان، في التراث البيروتي...

المصدر: زياد سامي عيتاني



*زياد سامي عيتاني

الجزء الثالث: تركيب "مقلة"، ومساجلات بالأقوال والموال، وتهريج وتفريج..

سهرات النسوان أيام زمان في ليالي الشتاء وبرده و"زمهريره" عالم مميز في بيروت، حيث كانت حياتهن ملؤها البهجة والمحبة، وجلساتهن سمر لاتنتهي في جو من المرح والفرح والهرج واللهو بلا ناقد أو منقود...

•تركيب "مقلة"

ولا ينسين خلال سهراتهن التحدث عن واحدة منهن بما يُعرف ب "تركيب المقلة" (المقلاة) في إشارة إلى العيوب التي يحلو لهن إلصاقها بها، وقد تكون "المقلة" بحق إحدى الغائبات عن السهرة، فما إن يذكر إسمها حتى يتبارين بذكر مثالب يلصقنها بها، وبالتالي إغفال محاسنها شكلاً وسلوكاً، فتقلب ب "المقلة" ذات اليمين وذات الشمال، فلا تترك حتى "تتشلفط" (تحترق)، وسط جو تسوده قهقهاتهن وضحكاتهن النابعة من قلوبهن الدافئة، مع إحتساء الشاي والتنكه بالمكسرات والحلوى.

•تهريج وتفريج

كما كان يتخلل سهرتهن فترات من الهرج، كأن ترتدي إحداهن ثياب أحد الرجال، وتدخل على الساهرات، فتحاكي في سلوكها وكلامها كلام الرجال في الذهاب والإياب، وأسلوبهم في التحدث والتعامل مع الآخرين، وقد تركز على محاكاة طباع وسلوك إحدى الشخصيات من الرجال المعروفة عندهن، بأسلوب هزلي لا يخلو من المبالغة...


•مساجلات بالأقوال المسجعة:

ولعل الأقوال والمواويل من أهم ما كان يشغل الجانب الأكبر من سهرات النسوان أيام زمان ، وخاصة ما كان منها بمساجلات الساهرات حول الصفات التي تتعلق بمحاسن "السمار" و"البياض" للمرأة أو الفتاة، وكذلك المحاسن الأنثوية، وكشف الحظ، والعتاب، كأن تقول إحداهن في وصف محاسن السمرة أقوالاً زجلياً، فترد عليها ساهرة أخرى تؤكد محاسن جمال البياض للفتاة ومشاعرها نحوها، ثم يتقارب الطرفان وصولاً إلى أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم.

ونذكر على سبيل المثال بعضاً مما قيل بوصف السمرة والبياض:

"يا أسمر السمر يا ما عيروني فيك..

أنت القمر بالسما وأنا النجوم بحويك..

أنت الورد عالشجر، وأنا الندى بسقيقك..

أنت حشيشة القلب، وأنا ما بفرّط فيك.."

وترد عليها ساهرة أخرى تفضّل محاسن البياض:

"ياما أحلى البيض إذا خطروا عالمكشوف..

يخلّو الشبّ الذي له نطر يشوف..

البيض سكر مكرر بالحرير ملفوف.."

وينتهي المطاف بينهما بالتوافق والإقرار بجمال الطرفين. أما في حال وجود إشكال بين ساهرتين، فإنهن يسعين إلى تجاوز ذلك الإشكال، فيجري عتاب بين الساهرتين، فالعتاب كما يقولون: "صابون القلوب"، ويصفي النيات، فتقول الساهرة الأولى:

"حلاوة اللفظ أحلى من شحادة الكفّ..

ووجه البشوش بيسوى من الجواهر ألف..

خود الأصيل ولو كان بالعبا ملتف..

لا تاخد النذل ولو كان عنده من الجواهر ألف.."

وترد عليها ساهرة أخرى مبررة موقفها من ذلك الإشكال:

"لو كنت يا زين متلي تفهم المعنى..

لو كنت تكتم الأسرار كنا ناخدك معنا..

وحياة من خلق نجوم الليل تتمعنى..

الدهر دولاب يوم معهم ويوم معنا.."

وبالطبع تدافع كل منهما عن رأيها مبدية تسامحها ليكون الوفاق سيد الموقف بين الطرفين قبل إنقضاء السهرة...

-يتبع: التباري بالأمثال.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

10 كانون الثاني 2020 19:49