11 كانون الثاني 2020 | 18:39

منوعات

سهرات النسوان أيام زمان، في التراث البيروتي.. الجزء الرابع: التباري بالأمثال الشعبية (٣/١)

تكثر الأمثال الشعبية في أشهر فصل الشتاء بسبب شدة اضطراب الطقس فيه، وقسوة مناخه، وانخفاض درجة الحرارة فيه، وشدة رياحه، وغزارة أمطاره، حيث

قيل الكثير من الأمثال الشعبية عن شهري كانون بسبب تشابه الطقس فيهما إلى حد ما ، وأبرز ما يمكن ملاحظته هو إطلاق صفة "المجنون" على كل من يغامر ببناء منزل أو تجارة أو الخروج كثيراً من المنزل دون مبرر مقنع.

ومن تلك الأمثال: "بكانون الأصم أقعد ببيتك وإنطم"، "كانون الأصم بردو بيخرق العضام"، "بكانون ببيتك كن وعالفقير حن"، "بكانون كن ببيتك وكتر خبزك وزيتك"، و"يا مجنون حدا بيضهر بكانون"... الخ.

• تسلية ذات ثقافة شعبية

ربما هذا المنحى دفع بالبيروتيات القدامى إلى إبتكار واحدة من الألعاب التي كانت محببة على قلوبهن للترفيه والتسلية، ألا وهي لعبة "التباري بالأمثال الشعبية" خلال سهراتهن الشتوية في الوقت الذي يكون رجال البيت منهمكون بالنقاشات السياسية وأوضاع البلاد والتجارة والعمل فيها على وقع قرقعة "نفس الأراكيل" وإحتساء القهوة العربية وتناول حبات الكستناء والبطاطا الحلوة بين الفينة والفينة...

•خصوصية الأمثال البيروتية:

صحيح أن أغلب الأمثال الشعبية العربية عامة وتنطبق وتتماهى مع مختلف البلدان والشعوب والمجتمعات العربية وتحاكي سلوكياتها وطباعها وأنماطها الإجتماعية، إلا أن لكل بيئة إجتماعية خصوصيتها من الأمثال التي تعبر عن واقعها الخاص. وهذا الحال بالنسبة لبيروت التي تحظى بعدد كبير من الأمثال الشعبية الخاصة بها بشكل حصري، دون أن تصلح لغيرها من المجتمعات.

وهذه الأمثال موثقة ومفسرة بجهد كبير في كتاب كبير وعميد مؤرخي بيروت المحامي الأستاذ عبد اللطيف فاخوري: "البيارتة.. حكايات أمثالهم ووقائع أيامهم". ومن الأمثال البيروتية الصرفة: "نفق بليق"- "كبرت بنت النحيلي على جميزة عسور"- "النذر بيوصل للأوزاعي مع موج البحر"- "من هالصندوب إشترينا نص بيروت"- "نص مجيدية من إبن كريدية"- "يلي ما عندو أسطول،ما يقرب عالسانسول"- "المحلة يلي ما فيها نصارى،تجارتها خسارة"- "متل نوتية بيروت"- "مات براس بيروت،ودفن باليونان"- "لا تصبح ولا تمسي إلا بإذم دكتور أنسي"- "طبل الزغلول بيجمعنا،وضربة عصاه بتفرقنا، إلخ...

•تعريف الأمثال الشعبية:

الأمثال الشعبية تعد أحد أشكال الأدب الشعبي المتميزة، وتحمل في طياتها دلالات إجتماعية وثقافية عن مظاهر الحياة العامة السائدة في المجتمع ، إنها المرآة  العاكسة لحالته. فهي تعكس فلسفة وحكمة الشعب النابعة من الواقع الاجتماعي.

إن المثل الشعبي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من التراث الشعبي الذي يتداوله ويحفظه أفراد المجتمع  جيلاً بعد جيل عن طريق الرواية الشفوية، ليأتي المثل الشعبي، فهو أقدر أنواع الأدب الشعبي على تصوير الحياة الاجتماعية وما يدور فيها من علاقات وتعاملات وأحداث وغيرها.

إذ إن الأمثال الشعبية تعتبر مخزوناً تراثيا تتراكم فيه تجارب الشعوب وخبراتها بكل تنوعاتها وتناقضاتها، إنها فن قديم، يعده البعض حكمة الشعوب وينبوعها الذي لا ينضب، يحمل تراث أجيال، يصاغ إنطلاقاً من تجارب وخبرات وحكمة شعبية رسختها الشفاه الشعبية نتاجاً جماعياً يتناقله الناس شفاهاً أو كتابة.
في الواقع تنوعت تعاريف الأمثال الشعبية ، لكنها جميـعاً لا تخرج عن أنها : " قول مأثور ، تظهر بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه ، قيل فى مناسبة معينـة ، وأخذ ليقال في مثل تلك المناسبة".

وقد أدرك العرب أهمية الأمثال، سواء كانت فصحى أم شعبية جلياً وواضحاً، فجموعها وحرصوا عليها .

وتباري "النسوان البيروتيات" خلال سهراتهن الشتوية بالأمثال الشعبية رغم ما كانت تنطوي عليه من مزاح ومرح وتسلية وتحدي وتنافس تجمل أجواءهن، إلا أنها تعبر في جوهرها عن ثقافة شعبية وحكمة وتدبر ومعرفة بالفطرة، سيما وأنه في ذاك الوقت لم يكن متاحاً للمرأة البيروتية التعلم في المدارس إلا ما ندر...

-يتبع:التباري بالأمثال الشعبية حسب الأحرف الأبجدية، والمواضيع.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.







يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 كانون الثاني 2020 18:39