بول شاؤول

16 كانون الثاني 2020 | 11:24

كتب بول شاوول

شفيق عبود آخر التجريبيين اللبنانيين



مُجلدٌ ضخمٌ يرسم حياة حول الفنان الكبير: ‏

صدر مجلد أنيق وضخم معزز باللوحات والصور التي تؤرّخ لمسار الفنان اللبناني ‏العالمي الكبير ‏شفيق عبود بمنطلقاته اللبنانية وتجريبيته المفتوحة وتحوّلاته، باللغتين ‏الفرنسية والإنكليزية. بدأت ‏رحلته في لبنان، وحطت طويلاً في باريس. لتدرك أهم ‏عواصم الفن العالمية.‏

وُلد في بلدة المحيدثة، جوار بكفيّا، حيث كانت تُمضي عائلته إجازة آخر الأسبوع فيها. ‏رسم ‏القرية والمناظر الطبيعية بحسٍّ انطباعيٍ على غرار بعض الفنانين اللبنانيين في ‏تلك المرحلة ‏كقيصر جميّل: أول معرض له أقامه على جدار الكنيسة الأرثوذوكسية ‏بأعمالٍ تصوّر سكان ‏القرية.‏

ينال شهادة البكالوريا عام 1944 ويتسجّل في مدرسة الآداب العليا الفرنسية ‏ليتخصص بالهندسة. ‏وفي موازاة هذه الدراسة تردد عبود إلى أكاديمية الألبا للفنون ‏الجميلة على امتداد سنتين. وقد تأثر ‏تكوينه بالفنان الإيطالي فيرناندو ماتيني والبولندي ‏ماركوفسكي. بدأ تمرّده على المنحى التقليدي ‏والأقاليمي عندما تخلى عن الهندسة. ‏أرسله والده إلى فرنسا لدرس الفن. يحطُّ هناك في مرسيلية ‏عام 1947 ثم باريس ‏ويُقيم في الحيّ اللاتيني ليتردد إلى أكاديميات تلك المنطقة التي كانت تعجّ ‏بالشعراء ‏والفلاسفة والكُتّاب والفنانين لينتقل بعدها إلى سان جيرمان دوبريه معقل ‏الفنون ‏الباريسية. وهناك قلعة على كل الاتجاهات والمدارس الفنية، وأكبّ على الرسم ‏واختار ‏مواضيع عدة منها: رسم موديل العُريّ ثم أقام أول معرض في بيروت عام 1950 ‏في ‏مركز الدراسات العليا. وهنا تبدّت له عدة طرق ليختار منها. فهو يتمتع بحسّ اللون. ‏غريزة ‏اللون باهرة عنده بكيميائية مدهشة... من عناوين تلك المرحلة في بيروت ‏‏"الشيخ" أبو نعمان ‏‏"العائلة الكردية".‏

يعود إلى باريس عام 1950 ليكون أول فنان لبناني يُسجل قطيعة مع المدرسة ‏الانطباعية السلبية ‏والفلكلورية التي انتمى إليها الجيل السابق ليصبح هو رسام ما بعد ‏الانطباعية. ومنها انتقل إلى ‏التجريد متخلياً عن كلّ رسمٍ تشخيصيٍّ فيوقّع سلسلة ‏تأليفات يسودها اللون وتتمازج فيها العناصر ‏الهندسية.‏

وفي عام 1956 يكتب: "الخطر الأكبر في الرسم هو الشكل، ويجب تجنبهُ". وهنا بدأ ‏الاتجاه ‏التجريبي وراح يختار مواده ووسائله من مصادر عديدة وغريبة، فيمزج بين ‏الأكواريل وزيت ‏الزيتون، كأنه يقول: علاقاتي بلوحاتي كعلاقاتي بالكائنات البشرية.‏

وفي شباط 1959 يُقيم معرضه الثاني في بيروت في غاليري لا روو وعندها يكتب ‏بروجيه فان ‏مينور: "فَرَضَ عبود شكلاً معاصراً للوحة".‏

أي شكلاً ليس متواطئاً بين التقليد التشخيصي والمفهوم التجريدي. بل شكلٌ يستجيب ‏للعفوية ‏الجسدية في فعل الرسم والنظام الطبيعي لمكانة الكائن الواعي في العالم. ‏تعددت معارضه الفردية ‏والجماعية في باريس ولَفَتَ الأنظار فكتب عنه كبار النُقّاد ‏باقتراحه فضاءً جديداً بعد سيزان ‏بإحلال التأليف اللوني محل البُعد الثالث. متأثراً ‏بالفنان بونّار. كأنه صار ما بعد التصويري، لكن ‏أيضاً ما بعد التجريدي، تماماً كما ‏هي الحال عند بونار.‏

ينال عام 1961 جائزة فيكتور شوفي. ومابين 1962 و 1967 كأنما تبدأ مرحلة ‏جديدة، يقول ‏الفنان: اكتشفتُ في داخلي الحاجة لأساسٍ صُلبٍ يُتيح لي الإحساس ‏بمادية الحياة. هذا البحث ‏يُترجم بتجريدية توهيمية مصوغة جيداً، بعيدة عن الواقعية ‏الطبيعية. وهنا بالذات، بدأ سعيٌ إلى ‏رسم الحياة وتناول بعض المظاهر اليومية.‏

اختيرت أعماله الجديدة لتمثّل فرنسا في المعرض العالمي عام 1963. وكُرّم في لبنان ‏عام ‏‏1964 من خلال معرض له في غاليري جانين ربيز. كما معرضٌ آخر في ‏فرانكفورت. ‏ ‏

تعرضّ عام 1964 لأزمة داخلية وخارجية مما أدى إلى إصابته بعوارض ‏صحية. ‏

عام 1966 بدأ يُشكّكُ في فنه. مسألة الثُنائية التجريدية والتشخيصية شغلت ‏باله. يقول إن الرسم ‏لا يتلائم جيداً مع المغامرة التجريدية. وهنا يعود إلى الرسم ‏التشخيصي.‏

عام 1970 يُصدر عبّود مقامات الحريري، في دار النهار بالأبيض والأسود. ‏ويختار سبع ‏مقاماتٍ من كتابات الحريري ويرسم عليها. ثم انكبّ أيضاً على علاقة ‏الحروفية بالرسم ثم أخذ ‏نصوصاً من أبي العلاء المعرّي واشتغل عليها في أعماله. ‏وفي عام 1972 يدخلُ في حالةٍ حادّة ‏من الانهيار العصبي. ثم يرسم "سلسلة نوافذ" ‏التي تعرض في غاليري شحادة في بيروت. وفي ‏‏1975 بدأت الحرب في لبنان. ما ‏بين 1978 – 1979 يرسم مشاهد من الحياة الباريسية: ‏‏"نُزهات" ، "شمسٌ على ‏الشُرفة" ، "لحظاتٌ يومية".‏

بين 1979 و 1980 يتشغل على السيراميك في فرنسا، ليطغى على أعماله ‏الفضاء اللوني أكثر ‏من "تشكيليات الشكلية". عام 1991 و 1992 يُتابع تنوعاته على ‏اللون الأحمر، الأصفر، ‏الأخضر، الأبيض... ويقول في هذا الإطار: وجدتُ شكلاً ‏تعبيرياً فنياً خاصاً ومنفرداً. عام ‏‏1996 يعرُض في الأونيسكو في بيروت، ثم في ‏معهد العالم العربي في باريس. إنها التجريبية ‏في كل مواصفاتها، والأزمات في كل ‏أشكالها عاشها بين فرنسا ولبنان. ولكن الحنين استبدّ به ‏إلى قريته الأولى فيقول: ‏‏"أفكّر كثيراً بزاوية صغيرة في قريتي المحيدثة". وهكذا كان..‏

توفي عام 2014 إثر تعرّضه لعدّة نوبات قلبية ودُفن بحسب وصيته في بلدته ‏المحيدثة.‏









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

بول شاؤول

16 كانون الثاني 2020 11:24