26 كانون الثاني 2020 | 16:49

ثقافة

جديد تغنّت به اللغة العربية منذ قرون‎!‎

جديد تغنّت به اللغة العربية منذ قرون‎!‎
المصدر: "العربية.نت"

أكّد العلماء، في اكتشاف جيد، علاقة سببية، بين نوع من الشّيب الذي يضرب الشَّعر، والتوتر أو ‏الهموم، عند الشخص الذي وخَطه الشيب، كما كانت العرب تقول‎.‎

واستهلّت "رويترز" في تقرير لها عن الموضوع، قصة ماري أنطوانيت التي شاب شَعرها، ‏تماماً، قبل أن يتم إعدامها بالمقصلة، سنة 1793 للميلاد، على أنها كانت من القصص الشعبية، ‏بحد قول الوكالة، وأنها كانت المثال على ظاهرة الشيب المرتبط بالتوتّر، على الرغم من أن ‏العلماء لم يكونوا قد اكتشفوا بعد، تلك الآلية التي تسبب الشيب عند التعرض للشدائد، إلا أن يوم ‏الأربعاء الماضي، شهد الكشف عن تلك الآلية‎.‎

وبحسب الاكتشاف المذكور، فإن الجسم يستخدم آلية عند مواجهة الخطر، اختصرت بجملة "لا ‏مفرّ من القتال" بمعنى المواجهة المفروضة التي لا مهرب منها. وكشف الباحثون البيولوجيون، ‏من خلال دراسة أجريت على الفئران، كيف يترك التوتر أثره على الخلايا الجذعية في بصيلات ‏الشَّعر، وهي المسؤولة عن صناعة الخلايا الصبغية التي تمنح الشعر لونه، وأيا كان هذا اللون، ‏أسود أو أحمر أو أشقر‎.‎



ووجد العلماء الذين قاموا بالتجربة، أن الجهاز العصبي، يلعب دورا أساسياً في العملية التي ‏تفضي إلى نوع من الشيب بسبب التوتر، عبر رد الفعل الذي يقوم به عند مواجهة الأخطار، فيتم ‏إفراز مادة كيمياوية تترك أثراً دامغاً في الخلايا الصبغية المسؤولة أصلا، عن منح الشعر لونه، ‏لتنتهي العملية، بعدم قدرة الخلايا الجذعية على تجديد الصبغة‎.‎

هذا الرجل شيَّبه الحزنُ‎!‎

ومن الجدير بالذكر، أن مقولة تأثير الحزن أو الهم أو التوتر أو الصدمات أو المواجهات، على ‏شَعر الإنسان، فيبيضّ فيسمى الشيب، مقولة منتشرة بكثافة في محفوظات اللغة العربية، منذ ‏قرون، ذلك أن العرب قد خبرت الموضوع، ونقلت نتائجه في المرويات اللغوية والأدبية، وبدا ‏راسخاً كقناعة أو حكمة، بدون أن يكون نتيجة تجربة علمية، بل تجربة اجتماعية، على ما بدا في ‏مصنفات عربية قديمة‎.‎

ففي اللغة العربية يقال: شيَّبه الحزنُ، أو شيَّب الحزنُ رأسه وبرأسه. كما في (لسان العرب) ‏و(المخصص) و(تاج العروس). وهي مقولة تؤكد تلك النوعية من الشَّيب الناتج من توتر أو غم ‏أو هم أو مواجهة وصراع. من دون تجربة بيولوجية، بل نتاج خبرة اجتماعية. وشيّب الحزنُ ‏الرجلَ، بيَّض شعر رأسه، من المكابدة والتألم. وشيّبه الحزنُ، سبّب له الشيب وبياض الشعر‎.‎

وأضاف الشعر العربي، تأكيداً على تلك النوعية من الشيب الذي تتسبب به حوادث الدهر ‏والمصائب، بل تحوّلت إلى قناعة راسخة تربط ما بين الألم والشيب، حيث يرد الاثنان، معا، في ‏ظاهر سببية تم الإيمان بها منذ زمن بعيد‎.‎

ويرد في كتاب (التذكرة الحمدونية) بيت شعري، للشاعر الأندلسي عبدالرحمن بن أحمد المشهور ‏بأبي حبيب المغربي، والذي سبق لأبيه وخاض تجربة عنيفة في عمله، عندما أنكر شريكه في ‏التجارة، ما له من مال عنده، فخرج فقيراً إلى الأندلس، ويقول ابنه أبو حبيب رابطاً الشيب ‏بالأهوال‎:‎

مكابداً فيه ألواناً يزول بها

صبرُ الجليدِ ويجفو جَفنَهُ الوَسَنُ

يَبْيَضُّ مِن هَوْلها رأسُ الرضيعِ أسىً

ويغتدي أسوداً في ضرعه اللّبَنُ‎!‎

كذلك يتكرر التأكيد على الربط ما بين المكابدة والشيب، أو الألم، وتلك النوعية من الشيب، في ‏بيت لإسحاق الموصلي إذ يقول‎:‎

إذا المرءُ قاسى الدهرَ وابيضّ شَعرهُ

وثُلِّم تثليمَ الإناء جوانبه

الشيب وقار

وكان يقال: "الشّيبُ تبسُّم المنايا" ونقلت المصنفات العربية أن أكثر شيء بكت عليه العرب هو ‏الشباب، وقال يونس بن حبيب النحوي المتوفى سنة 183 هجرية: "ما بكت العرب على شيء، ‏بكاءها على الشباب، وما بلغت به كنه ما يستحق‎".‎

إلا أن الشيب، في المقلب الآخر، سواء جاء من ألم أو توتر أو مجرد تقدم في السن، فهو مما ‏يمدح ويعتبر علامة من علامات امتلاك الخبرة والحكمة والوقار، بحسب ما جاء في منقولات ‏شعرية عربية عديدة، من مثل قول القائل‎:‎

لا يرُعْكِ المشيبُ يا ابنة عبد الله فالشيب حليةٌ ووقارُ

إنما تحسن الرياضُ إذا ما ضحكت في خلالها الأنوارُ

أو قول الشاعر البحتري‎:‎

لا تَريه عاراً فما هو بالشيب ولكنه جلاءُ الشبابِ

وبياضُ البازيّ أصدق حُسْناً -إن تأمَّلتِ- من سواد الغرابِ‎!‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

26 كانون الثاني 2020 16:49