27 كانون الثاني 2020 | 20:32

منوعات

الأكلات الشتوية في السهرات البيروتية...

المصدر: زياد سامي عيتاني

*زياد سامي عيتاني

الجزء الرابع: شوربة العدس

في أيام البرد القارس، ولحظات الاجهاد المتبوعة برغبة في قسط من الراحة، تزداد الحاجة لطبق من شوربة العدس الساخنة المزانة ببعض من شرائح البصل المحمر. وصفة إعتاد عليها البيروتيون بفقيرهم وغنيهم في فصل الشتاء، وتزداد رغبتهم إليها في الليالي الباردة التي تفضل فيها الأطباق الساخنة، لتكون مصدراً يمدهم بالدفء...

•أصل وفصل الشوربة:

في اللغة العربية الشوربة يعني شربة أو جرعة أي مقدار ما يروي من الماء، وفي قاموس المعاني، الشوربة هو طعام مائع من الرز والعدس والخضروات، وفي الفارسية الشوربة أصلها شوربا وهي مكونة من كلمتين “شور” ويعني مملح و”با” يعني الطعام الذي يؤكل بملعقة. وتعني الحساء والمرق.

أما الشوربة في تركيا تعني حرفيا حساء من أشهرها شوربة يايلة وشوربة ديل، وكان هذا الطبق البسيط والمغذي الأكلة المفضلة لدى الجيش الانكشاري، وكان يستعمل ايضا في الألقاب العسكرية، فرتبة "شوربجي" توازي رتبة كولونيل حالياً. وكان الجنود الإنشكاريون يتناولون نوعاً خاصاً من الشوربة تدعى "اشكانب شورباجي" لإزالة آثار الثمالة، كما أنها كانت تطفئ الظمأ وتسكت الجوع خاصة أوقات الحروب.



•الشوربة حول العالم:

طبق الشوربة عالمي جداً بمقاديره وإسمه ايضا. ففي تركيا هو çorba وفي روسيا هو churpa  وفي رومانيا هو ciorba وفي  كازاخستان هو sorpa وعند الباشطو هو chorwa… أسماء مختلفة لحساء لذيذ تشتهر به الجزائر وتركيا ودول البلقان وأسيا الوسطى والشرق الاوسط.

في كازخستان أو قيرغيزيا الشوربة هو حساء يطهى بلحم الخروف. أما في آفغانستان فإن الشوربة مكونة من اللحم والبطاطا والفاصولياء. أما في الهند فيطلق على الشوربة حساء البندورة فقط.

•شوربة العدس مصرية المنشأ؟:

بالعودة إلى شوربة العدس، من المرجح أنها مصرية المنشأ، إذ أنا تاريخ شوربة العدس مع المصريين لا يعود لأيام الجدات ونصائحهن بفوائدها، ولكنها تعود إلى حقبة الفراعنة الذين كانوا من أوائل شعوب الأرض التي تعرفت على حبوب العدس وكيفية إستخدامها في طعامهم، وكان يطلق عليها اسم "الأدس" طبقاً للغة الهيروغليفية، كما سبق وأشرنا، حيث كان يكتسب العدس أهمية خاصة في فئة البقوليات التي عرفها الفراعنة لقيمتها الغذائية العالية.

وترجح بعض المصادر أن يكون البيرتيون قد تعرفوا إلى شوربة العدس، عندما أدخلها المصريون إلى بيروت خلال حملة إبراهيم باشا عليها.



•فوائد شوربة العدس:

وتعتبر تعتبر شوربة العدس وجبة دافئة وشهية وسهلة الهضم، وبالتالي تحافظ على صحة الجهاز الهضمي، ومصدراً غنياً بالفيتامينات الصحية والمعادن والعناصر الغذائية الأخرى التي يحتاجها الجسم.

إن الدراسات العلمية التي أجريت على حبوب العدس أثبتت أن 300 جرام من العدس تعادل في قيمتها الغذائية حوالي 500 جرام من اللحم الأحمر. كما يحتوي العدس على العديد من الفيتامينات في مقدمتها فيتامين A وفيتامين B وفيتامين C ، وهو مفيد لمرضى الكبد، لذا كان الطعام المفضل لبعض الملوك. كما تساعد قشوره في مكافحة الإمساك ومعالجة حالات فقر الدم والأنيميا.

وهي أيضاً مصدراً غنياً بالسوائل، إذ تحتوي على نسبة عالية من الماء والتي تعمل على تغذية خلايا البشرة والحفاظ علي نضارتها.



•العدس بحامض:

وقد عمد البيروتيون في وقت لاحق وعلى سبيل التنوع إلى تطوير طبق شوربة العدس مع الإبقاء عليها كوجبة أساسية في قائمة طعامهم، حيث أدخلوا عليها السلق والبصل والثوم والقرفة والكمون وعصير الحامض، ليطلق عليها "العدس بحامض" وتصبح حساءاً ساخناً صحياً وشهياً وذي مذاق ولا أرع، لينتشر لاحقاً في مختلف المناطق اللبنانية إضافة إلى العديد من البلدان المجاورة، حتى باتت أشهر الأطباق اللبنانية التقليدية التي تبعدنا عن واقعنا الحالي في العالم السريع وتعيدنا الى زمن أجدادنا حاملةً معها رائحة الحنين إلى الزمن البيروتي الغابر...

-يتبع: حراق أصبعو.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 كانون الثاني 2020 20:32