خيرالله خيرالله

10 شباط 2020 | 21:57

كتب خيرالله خيرالله

‏ الصورة الكبيرة في سوريا

‏ الصورة الكبيرة في سوريا

هناك توزيع أدوار في الشمال السوري ولكن على حساب الشعب السوري. تشير آخر الأرقام ‏الصادرة عن الامم المتحدة الى أن هناك 700 الف نازح سوري جديد من شمال غرب سوريا. ‏أنّه رقم مذهل يعكس الى حدّ كبير حجم المأساة التي يتفرّج عليها العالم منذ سنوات عدّة‎.‎

يبدو أن تركيا تريد تحقيق هدفها المتمثل في إقامة منطقة آمنة بعمق 35 كيلومترا داخل ‏الأراضي السورية. يحصل ذلك بالاتفاق بين انقرة وموسكو التي تريد ان تكون هناك سيطرة ‏لقوات تابعة للنظام، بدعم من الميليشيات التابعة لإيران، على الطرق الرئيسية مثل طريق حلب ‏‏– حماة وطريق جسر الشغور – حلب‎.‎

هذه، كما يظهر، الخطوط العريضة للمعركة الدائرة في الشمال السوري والتي تشمل إدلب. من ‏الواضح أن هناك تفاهمات روسية – تركية وهناك حرص أميركي على دور تركي من ضمن ‏اطار عام متفق عليه بين واشنطن وانقرة‎.‎

في انتظار أن تصبح الصورة اكثر وضوحا تتجدّد المأساة السورية يوميا ويزداد النزوح ‏السوري. ليس ما يشير الى أن الحرب السورية انتهت. لا تزال هذه الحرب في بدايتها على الرغم ‏من مرور كلّ هذه السنوات عليها. الثابت الوحيد ان النظام القائم منذ خمسين عاما لا مستقبل له ‏من جهة وأن سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة‎.‎

لم تعد سوريا مفتّتة فحسب، بل ثمة حاجة أيضا الى ما بين 250 و 300 مليار دولار لاعادة ‏بناء ما تهدّم في السنوات التسع الأخيرة. من سيوفّر مثل هذا المال يوما؟ كلّ ما في الامر ان ‏هناك إصرارا لدى النظام على رفض الخروج من دمشق حتّى لو كان ثمن ذلك نهاية سوريا. ‏يظلّ العنوان الذي اختاره سام داغر لكتابه عن سوريا العنوان الأفضل لاختصار ما يشهده هذا ‏البلد. العنوان هو "الأسد او نحرق البلد". تحترق سوريا ولن تقوم لها قيامة من اجل بقاء بشّار ‏الأسد في دمشق. لم يعد بقاء الاسد يقدّم او يؤخر في شيء ما دام ادّى الدور المطلوب منه أصلا. ‏يتمثّل هذا الدور في تدمير سوريا التي كانت مرشّحة قبل وصول البعث، بشعاراته الفارغة الى ‏السلطة في الثامن آذار – مارس 1963 لتكون دولة مليئة بالحياة والنشاط التجاري والمالي، دولة ‏قابلة لان توفّر نموذجا يحتذى به في المنطقة كلّها‎.‎

ما كشفته تطورات الأسابيع الأخيرة أن تركيا تعرف ماذا تريد وأن أهدافها محددة. هذا ما يعرفه ‏الاميركيون أيضا وهذا ما يعرفه الروس بدورهم. تحصل بين الحين والآخر تجاذبات بين موسكو ‏وانقرة. لكن هذه التجاذبات ما تلبث ان تجد طريقها الى تسويات غالبا ما تتم على حساب ‏السوريين‎.‎

ما لا يغيب عن البال في ايّ وقت انّ تركيا لعبت منذ البداية كلّ الادوار التي ساهمت في وصول ‏هذا البلد الى ما وصل اليه. صحيح انّها أقدمت على خطوات إيجابية عدّة من بينها استضافة ‏مئات آلاف السوريين، لكنّ الصحيح أيضا انّ رجب طيّب اردوغان باع السوريين اوهاما كثيرة ‏قبل ان يتبيّن انّه يعاني في الوقت ذاته من عقد كثيرة من بينها عقدة من يعتقد انّه الزعيم الذي لم ‏يولد مثله في المنطقة كلّها. لعلّ آخر دليل على ان مصير سوريا آخر ما يهمّ اردوغان ارساله ‏مقاتلين سوريين الى ليبيا لخوض معركة لها علاقة بكلّ شيء باستثناء سوريا والسوريين‎.‎

لا بدّ هذه الايّام من النظر الى الصورة الكبيرة وليس الى ما يجري في الشمال السوري فقط. ‏تقول الصورة الكبيرة أنّ ما يدور في سوريا هذه الايّام جزء لا يتجزّأ من التغييرات التي تشهدها ‏المنطقة، بما في ذلك انحسار الدور الايراني. هذا لا يعني في طبيعة الحال ان الدور الايراني لم ‏يعود موجودا في سوريا، بل يعني انّ روسيا صارت اقرب الى الإمساك بخيوط كثيرة في ‏دمشق. ما يعطي فكرة عن التقدّم الذي حققته روسيا في سوريا على الصعيد السياسي الزيارة ‏التي قام بها لدمشق الرئيس فلاديمير بوتين قبل نحو شهر ونصف شهر. لم يكن صدفة ان ‏الزيارة جاءت مباشرة بعد تصفية الإدارة الاميركية لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في ‏‏"الحرس الثوري" الايراني الذي لعب دورا محوريا في تمكين بشّار الأسد من البقاء في دمشق. لم ‏يكتف بوتين باستدعاء بشار الأسد الى قاعدة روسية في دمشق، بل حرص على زيارة الجامع ‏الاموي والبطريركية الارثوذكسية في إشارة الى تركيز روسي على اهمّية اهل السنّة من جهة ‏وعلى علاقتها المتميّزة بالاقلّية المسيحية من جهة أخرى. هذا لا يعني انتفاء الحاجة الروسية الى ‏ايران. لا تزال روسيا في حاجة الى الميليشيات التابعة لإيران على الأرض السورية نظرا الى ان ‏تدخلها العسكري يعتمد على سلاح الجو اكثر من ايّ شيء آخر‎.‎

ما يفترض في بلد مثل لبنان دخل مرحلة الانهيار عمله هو تفادي الهرب بمشاكله الى موضوع ‏اللاجئين السوريين. هناك واقع لا يستطيع لبنان تجاوزه. ما لا يستطيع الهرب منه هو انّ ‏اللاجئين السوريين لم يتسببوا بالانهيار اللبناني. ما تسبّب بالانهيار هو "عهد حزب الله" الذي بدأ ‏عمليا مع انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016. قبل ان ‏يبدأ هذا العهد، الذي أزال كلّ جدار كان يفصل بين مؤسسات الدولة اللبنانية و"حزب الله"، لعب ‏سلاح الحزب دوره في اغراق لبنان في المستنقع السوري. تسبّب الحزب بتهجير عشرات آلاف ‏السوريين الى لبنان في ضوء مشاركته المباشرة في تطهير مناطق في محيط دمشق وفي محاذاة ‏الحدود اللبنانية من الذين ينتمون الى اهل السنّة. هذا ما يرغب فيه النظام. وهذا ما ترغب فيه ‏ايران التي تعمل من اجل تغيير في الطبيعة الديموغرافية لسوريا‎.‎

في كلّ مرّة يطرح فيها الموضوع السوري، لا مفرّ من العودة الى الصورة الكبيرة التي تعني، ‏بين ما تعنيه، ان الرهان على النظام السوري ليس في محلّه. هناك تفاهمات على خطوط عريضة ‏تتبلور يوما بعد يوما في ظلّ خمسة احتلالات هي الإسرائيلي والأميركي والروسي والتركي ‏والإيراني. ما هو مؤسف بالفعل الّا يكون في لبنان قيادة سياسية تستطيع استيعاب تعقيدات ‏الوضع السوري بعيدا عن "سياسة الضيعة والناطور" أي السياسات المحلّية الصغيرة. ما هو ‏مؤسف اكثر ان النزوح السوري لن يتوقّف غدا وان الحرب السورية دخلت مرحلة جديدة، بل ‏صارت اكثر تعقيدا مما كانت عليه في الماضي القريب، أي منذ اندلاع شرارة الثورة في آذار – ‏مارس من العام 2011‏‎ ‎‏!‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

10 شباط 2020 21:57