19 شباط 2020 | 20:43

منوعات

عمر الزعني..في ذكرى رحليه، نستحضر تأريخه الفني- النقدي للحاضر المؤلم!!!

المصدر: زياد سامي عيتاني

الجزء: (١)

*زياد سامي عيتاني

بيروت،

زهرة من غير أوانها،

بيروت،

محلاها ومحلا زمانها

بيروت،

يا حينها وياضيعانها...

كلمات من مقطع أغنيته، تلخص حكاية عمر الزعني البيروتي النشأة واللبناني الهوية والعروبي الهوى...

عمر الزعني، عاشق بيروت والكلمة والحرية والطريق إلى "الكاراكول" أو السجن. وهذا ما نستنتجه من هذا المقطع لإحدى قصائده:

على أيّام الانتداب،

عهد الظّلم والإرهاب،

ما كنت خاف ولا هاب،

لا حكومة ولا نوّاب،

أمّا اليوم ألف حساب،

صرت إحسب للأذناب،

على أيّام الأجانب،

كنّا نشكي ونعاتب،

كنّا نحتجّ ونطالب،

أمّا اليوم أكبر كاتب،

ما فيه يناغش ويداعب،

لا وزير ولا نايب...

•من المحاماة إلى محامي الشعب:

إختار عمر الزعني لنفسه في سن الشباب مهنة المحاماة، فإلتحق بالجامعة اليسوعية في بيروت، لكنه طرد من معهد اليسوعية في اليوم الذي كان مقرّراً ليتقدّم فيه لإمتحان الحقوق، بسبب أغنيته "حاسب يا فرنك"، حيث تم حبسه في سجن الرمل من قبل سلطة الإنتداب دون محاكمة.

وجاء في الأغنية:

حاسب يا فرنك، يا فرنك حاسب،

فهّمنا فين بعدك ساحب،

ما خلّيت لا مُحبّ ولا صاحب،

أهلك جفوك والأجانب:

فرحانين، شمتانين،

ناويين محوك، ما بناسب،

يا فرنك، دخلك حاسب...

وكانت هذه الأغنية هي عبارة عن مونولوغ أداه العام 1923 في مسرح سينما الكريستال في سوق النورية، منتقداً فيه محاولة فرنسا إنقاذ عملتها المتدهورة آنذاك، ليتحول من ذاك التاريخ إلى محامٍ للشعب الذي منحه وكالته وثقته... فتخلّى عن مهنة المحاماة، وإحترف الفن، وعندما عرف والده بذلك، قال له: "يا ضيعانك ويا خسارة عِلمك يا عمر، صرت مهرّج". كأنه كان يتنبأ مسبقاً بعدم جدوى المحاماة في ظل فساد القضاء، فإذا يأتي به اليوم الذي يوجه فيه سهام نقده بآتجاه القضاء، عندما غنّى:

عالهوب الهوب الهوب،

و القاضي لابس روب،

و الحق أخذ مجراه،

ما عاد في ظلم بنوب،

من هيك من عشر سنين،

نحنا نسن قوانين،

و العلة ماهم فاهمين،

تاري ناسيين الروب،

الحمد لله صار في امان،

صار في ذمة ووجدان،

يا ريتنا من زمان،

استهدينا على الروب،

عالهوب الهوب الهوب،

و القاضي لابس روب...

•فنان وأديب رؤيوي:

وكأن القدر شاء أن يقرر لعمر الزعني طريقه الفني النقدي المنتفض على الواقع وعلى كل ما يدور يحوله من تحولات سياسية وإجتماعية، معتمداً على أسلوبه الساخر واللاذع والراقي في نفس الوقت، دون الإنحدار إلى الإبتذال التجاري الرخيص...

ليتحول عمر الزعني إلى شاعر ومطرب ومونولوجيست وإذاعي ومسرحي، صاحب رؤية متكاملة تحاكي القادم من السنين والعقود، بلغة الحاضر، وكأنه كان سابق لزمانه، ينظر من خلف نظاراته الدائرتين إلى ما ستؤول إليه أوضاع البلاد والعباد في الحقبات الزمنية المتتالية...

•واقعياً وإستباقياً:

فقد جسدت أعمال الزعني الشعربية والتثرية والفنية (أغاني، مونوليجات، مسرحيات، إذاعيات) سجلّاً تأريخياً الحاضر الراهن، وإستباقياً للأحداث والتحّولات اللاحقة، حيث أن ذلك كان يتطلّب وعياً خاصّاً وجهداً جريئاً ومميّزاً لفهم دور الأدب والفن الملتزم بقضايا الوطن والشعب.

إذ إرتبط فنّ الزعنّي بالأغنية والأداء المسرحيّ المتْقن فجمَعَ بين الغناء والتمثيل في النّوادي والمسارح والصالونات الأدبيّة، والأسطوانات، والإذاعة، ولاحقاً التلفزيون. اتّسم هذا الوعي بمنحىً أخلاقيّ رسَمَ ملامح التعبير الفنّيّ في تلك المرحلة ونقْدٍ اجتماعيٍّ وسياسيّ للنّظام القائم ممزوجٍ بحسٍّ فكاهيّ هادفٍ يتنقّل بين المرَح والسخرية والمضحِك المبكي.

•العامية في مواجهة "الفرنجة":

كان الزعني يسخر من مصطلحات

اللبنانيين المتفرنجين لقناعته أن اللغة عنصر مهم في إرث الأمة وهويتها. فهو في إحدى قصائده يجمع بين الكلمات العامية والفرنسية (شيك ـ سمباتيك ـ دنص) ليظهر بأسلوب واقعي سلوك التفرنج بكلماته، ويرفضه في نهاية القصيدة فيقول:

تمدنا، تألمنا،

يا ريتنا ما تمدنا،

بطالين، عطالين،

من غير دنيا ومن غير دين...

وعلى مستوى اللغة كذلك، نجد إصاراره على اللهجة العامية، وذلك لأمرين:

-الأول: الوصول إلى فئات الشعب كلها، ليصبح الزعني شاعر الشعب بلا منازع.

-الثاني: الحفاظ على هذه اللهجة في مواجهة الكلمات الفرنسية الداخلة إليها بفعل الانتداب الفرنسي وتقليد بعض اللبنانيين الأعمى للفرنجة.(كل شي فرنجي برنجي).

مع الإشارة إلى أن الزعنّي إختار اللهجة البيروتيّة المحكية هوية لنتاجه وأدائه، بعيداً عن التصنع والتكلف اللغوي، مما مكنه من أن يزيد صدقه صدقاً، وبالتالي الوصول دون جهد وعناء إلى وجدان الناس وجوارحها، وهو المتحدث فناً وأدباً بإسمهم.

•الأسلوب السهل والصلب:

أعماله هي كما هي، كما يريدها هو أن تكون، وكما يريدها المتلقي أن تصله، مباشرة وبسلاسة كلامية وإنسيابية سمعية دون وسيط التعقيدات الشاعرية واللحنية.

يستخدم مصطلحات عامة الناس الشديدة البلاغة والدلالة والبعيدة عن الإبتذال في نفس الآن.

كلماته مستمدة من القاموس الشعبي وواقع الحال، بعيدة عن الزخرفات البلاغية والعبارات الرنانة والمنمقة،

أحياناً تكون بسيطة وأحياناً أخرى تكون قاسية، ولكن في كل حين تكون متحركة ونشطة ومفعمة بالحياة، التي تشبه الحياة اليومية لمدينته.

•يغني الناس وللناس:

أغاني الزعني الصادمة والصادقة تحكي الناس وتحاكيهم، تروي حياتهم وحكاياتهم، وتعبر عن وجعهم وآلامهم وهمومهم وهواجسهم وقلقهم وأوضاعهم وتناقضاتهم وسلوكياتهم. أغاني ولدت من رحم لحظتها لتغنى في كل لحظة، وكأنها وليدة اللحظة.

عمر الزعني، اللاذع، الشديد، الصلب، المبدئي، اللاسع، المُؤلم، المُوجع، الشجاع، المستساغ، الظريف، الطيب... من خلال أشعاره وقصائده وأغانيه ومونولوجاته، كأنه يحاكي نفسه "يفضفض"، يغضب، ينتقد، يهجو، ينبِّه، يصرخ، يصمت، يفرح، يعيش لحظته ولحظة مدينته ووطنه وشعبه... فتتحول هذه اللحظة إلى نمط بعيد الأجل والأجيال(!) كأنه يكتب تاريخ الحقبات القادمة والمتتالية بلغة اليوم...

-يتبع: المواقف الوطنية والسياسية.







يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

19 شباط 2020 20:43